Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/09/2007 G Issue 12777
الاقتصادية
السبت 10 رمضان 1428   العدد  12777
الارتفاع المقنن للريال السبيل لمواجهة ضغوط هبوط الدولار بسبب خفض الفائدة
مصرفي: تثبيت (ساما) للفائدة يدفع صناديق التحوط الأجنبية إلى المضاربة على الريال

الجزيرة - فهد الشملاني، محمد الشقاء، عبد الرحمن السهلي، ثامر السعيد

(لاتخفيض) يبدو أنها ترجمة نصية للغة المال والأرقام التي نطق بها الريال السعودي مؤخراً أمام الدولار الأمريكي حينما خفّض الأخير فائدته بنحو 0.5% وبقي الريال عنيداً ولأول مرة عند مستوى آخر فائدة وهو 5.25% تاركاً (حاجة الاقتصاد المحلي) هي من يحدد مصيره بحسب إعلان صدر عن (ساما) مؤسسة النقد العربي السعودي.

هناك من استبشر بالإعلان وهناك من وقف ضده والبعض رأى إيجابيته في كلا الحالتين! فالارتباط النقدي بين الريال والدولار تفرضه معطيات اقتصادية منطقية إلا أن الظروف التي يمر بها الدولار من ضعف وتراجع دفعت كثيرا من الكتاب إلى مناقشة جدوى هذه العلاقة دون النظر إلى حقيقة أن قرار كهذا لابد وأن يخضع لدراسات متعمقة تأخذ بالاعتبار جميع الجوانب

(الجزيرة) رصدت واستشرفت تبعات ما جرى عن قرب وذلك عبر أخذ آراء وتوقعات عدد من المختصين والخبراء في الاقتصاد والنفط والراصدين لسوق الأسهم فإلى التفاصيل:

مبررات خفض الفائدة الأمريكية

التباطؤ الحاد الذي شهده سوق المساكن الأمريكية قبل فترة دفع أسعار العقارات والمنازل إلى التراجع مما اضطر كثير من ملاك المنازل من ذوي السجلات الائتمانية الضعيفة إلى التعثر عن سداد قروضهم العقارية مما شكل ضغوطا كبيرة على الشركات المالية مقدمة تلك القروض الأمر الذي تسبب في النهاية إلى حدوث أزمة ائتمان عالمية كبيرة وهذا ما دفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في النهاية إلى خفض سعر الفائدة على الأموال الاتحادية لتصبح 4.75% من أجل زيادة الطلب على القروض ودعم الطلب الكلي في خطوة لحماية أكبر اقتصاد في العالم من تدهور سوق الإسكان وحدوث اضطراب مالي. تكهنات الخفض سبقت صدور القرار بأكثر من شهر إلا أنه لم يكن متوقعاً أن يصل إلى 0,5 % نقطة حيث كان لم تتجاوز اكثر التوقعات رجاحة 0.25%!.

الخفض يراه الاقتصاديون الأكبر منذ خمس سنوات بينما يرى متابعون ومهتمون بأن (برنناكي) رئيس الاتحاد الفيدرالي الأمريكي يريد أن تحسب له هذه الخطوة كمغامرة كبيرة من أجل تخفيف حدة الاضطراب الذي يشهده السوق وقد قلل بعض الاقتصاديين الأمريكيين من نجاعة هذه الخطوة موكدين أن احتمالات أن يتقلص أداء الاقتصاد الأمريكي في الربع الرابع من العام باتت كبيرة بل وربما بدرجة اكبر من لو لم يقدم الفيدرالي على خطوة كهذه

الرفع أم التثبيت !!

أما الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين فقال إن واقع ربط الريال بالدولار يحتم على العملة المحلية والسياسة النقدية نوع من المتابعة للاجراءات المتخذة من قبل الفيدرالي الأميركي وكما أن هناك إيجابيات لربط العملة بالدولار فإن الواقع أيضا يشهد بعضا من السلبيات في حالة تحرك الاقتصاديين الأميركي والسعودي في اتجاهين معاكسين لبعضهما البعض، وهو ما يحدث حاليا على أرض الواقع. ويضيف.. فالركود الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي هو ما دفعه لخفض معدلات الفائدة الرئيسة بواقع نصف نقطة مئوية إلى 4.75% في أول خفض منذ أربعة أعوام، في حين أن الاقتصاد السعودي يعاني من ارتفاع في معدلات التضخم وهو ما يستوجب رفع معدلات الفائدة لكبح جماحها.. ويؤكد البوعينين أن المشكلة تبدأ من هذه الجزئية حيث أن سياسة الاقتصاد الأضخم في العالم غالبا ما تلقي آثارها على سياسات الاقتصاد الأقل ضخامة لذلك كان من المفروض أن تسير قرارات السياسات النقدية في الدولتين في نفس الاتجاه، مع وجود هامش بسيط للمناورة. ويؤكد أنه ورغم نجاعة القرار الذي اتخذته (ساما) إلا أن ما يحتاجه الاقتصاد السعودي - والحديث للبوعينين - هو رفع سعر الفائدة وليس الإبقاء عليها دون تغيير.

وقال مسؤول مصرفي رفيع المستوى للجزيرة فضل عدم ذكر اسمه أن القرار يتسق مع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه المملكة حاليا وذلك لمواجهة الضغوط التضخمية الحالية والمتوقعة نتيجة التنمية الاقتصادية التي تعيشها المملكة في جميع المجالات. وأضاف أن (ساما) غير مُلزمة اقتصاديا أو نظاميا بتتبع سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وذلك لاختلاف الأوضاع الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة حيث يعاني الاقتصاد الأمريكي من ركود إذا ما أخذنا في الحسبان أزمة أسواق الرهن العقاري الأمريكي وأثرها على الاقتصادي الكلي الأمريكي أما الوضع الاقتصادي في المملكة فإن التنمية الاقتصادية متواصلة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الجيدة التي يعيشها البلد مع وجود مشكلة التضخم.. واختتم المصدر رأيه بالقول: إن نتيجة لهذا القرار قد تقوم بعض صناديق التحوط العالمية بمحاولة للمضاربة والضغط على سعر صرف الريال ولكن السياسة النقدية السعودية مشهود لها بالنجاح والكفاءة باتخاذ إجراءات كفيلة بالمحافظة على سعر الصرف ثابت أما الدولار عند معدله الحالي مؤكدا أنه لا قلق يساوره حول هذا الموضوع وقد قفز الريال أمس الأول إلى أعلى مستوى له منذ 21 عاما أمام الدولار بعد توقعات متزايدة وشائعات حول إمكانية تخلي المملكة عن ربط عملتها بالدولار مما رفع سعر صرف الريال إلى 3,7405 مقابل الدولار.

ماذا بعد بقاء فائدة الريال عند مستوياتها الحالية؟

يعود المحلل الاقتصادي فضل البوعينين مضيفا: يفترض أن يتنبه الجميع إلى أن إبقاء فائدة الريال عند مستوياتها الحالية دون تغيير لن يساعد في عزل التأثيرات السلبية المتوقعة على الاقتصاد السعودي فخفض سعر الفائدة على الدولار يؤدي إلى انخفاضه أمام العملات العالمية الأخرى، وهو ما حدث بالفعل بعد إصدار البنك الاتحادي قرار التخفيض، وطالما أن الريال السعودي مرتبط بالدولار الأميركي فتبعية الانخفاض ستطال الريال لا محالة ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة من دول الاتحاد الأوربي، الصين، اليابان وباقي الدول الأخرى. مما يعني ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم المستورد وكل ذلك بسبب انخفاض الدولار المترتب على خفض الفائدة الأميركية. ويوضح أن سلبية السياسة النقدية الأميركية على أسعار السلع محليا قوضت إيجابية القرار المتخذ من قبل (ساما) السعودية وأن العبرة تكمن في قوة الريال الشرائية التي تأثرت سلبا بانخفاض الدولار عالميا.. ويؤكد بالتالي أنه وبرغم التعامل السليم الذي اعتدناه من ساما بالتعاطي مع معدلات الفائدة المحلية إلا أن معدلات التضخم المحلية لا يمكن السيطرة عليها بسبب المؤثرات الخارجية وهذا جزء من سلبيات الارتباط بالعملات الأخرى.. ويرى أبو العينين أن الحل الأمثل يكمن في السماح للريال السعودي بالارتفاع المقنن أمام الدولار لتعويض جزء من انخفاض القيمة الشرائية القسرية للريال.

وأكد مدير عام مؤسسة التمويل الدولية بالمملكة ومسؤول الاستثمار الإقليمي بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي وليد المرشد ل الجزيرة أنه لا يوجد مبرر اقتصادي يلزم صانع السياسة النقدية في المملكة بمجاراة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وعلل ذلك بالنمو الذي تشهده مختلف القطاعات في المملكة وأضاف.. أن هناك استثمارات خارجية كبيرة متجهة إلى المملكة وبالتالي لو تم تخفيض معدل الفائدة لتسبب ذلك زيادة عامة في الأسعار ونمو في الضغوط التضخمية علاوة على أن الاقتصاد السعودي يوجد فيه سيولة عالية جدا. وذكر المرشد أن البنوك الخليجية قامت بتخفيض معدل الفائدة بنسب قليلة جدا مما سيؤدي إلى المزيد من ربط الودائع بالريال السعودي بدلا من الدولار.

النفط و خفض الدولار

يرى خبراء نفطيون أن الدول المنتجة للنفط تعتبر أكثر الدول التي تتأثر في انخفاض سعر الدولار.. ويقول خبير نفطي سعودي فضل هو الآخر عدم ذكر اسمه أن التأثر وارد وضرب مثالاً حياً بقوله: يصل الإنتاج العالمي من النفط إلى نحو 83 مليون برميل يوميا بقيمة تتجاوز 6.9 مليارات دولار وإذا ما حل انخفاض بسعر صرف الدولار فإن المداخيل المالية لهذه الدول ستتأثر سلبا ويضغط على ميزانياتها التي تخصصها لتطوير الصناعة البترولية، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن جل المعدات النفطية تشترى بعملات غير الدولار. ويتوقع أنه في حالة انخفاض سعر صرف الدولار سيصاب مستقبل الاستثمارات بالضرر لا سيما و أن دول منظمة أوبك تخطط حالياً لتنفيذ نحو 140مشروعاً خلال الخمسة أعوام المقبلة في مختلف مجالات الطاقة بهدف توسيع الطاقة الإضافية للمنظمة لمواجهة أي زيادة في الطلب على الطاقة في المستقبل، كما أنها تعمل على زيادة هذه الاستثمارات إلى أكثر من 500 بليون دولار حتى عام 2020م لتأمين إمدادات الطاقة للدول المستهلكة وضمان استقرار السوق النفطية بما يفيد المنتجين والمستهلكين على حد سواء. ويضيف.. أن حجم استهلاك أمريكا من النفط الخام والذي يصل إلى 20 مليون برميل يوميا يجبر الدول العالمية الأخرى على المضي قدما في تسعيرة النفط بالدولار حتى ولو تراجع الدولار ويؤكد الخبير النفطي أن خفض الفائدة يعد أحد العوامل التي قفزت بأسعار النفط بالتزامن الكوارث الطبيعية والتوجسات السياسية إلى مستوى 84 دولارا للبرميل. ويتوقع الكثير بأن سعر النفط سيصل إلى 90 دولارا للبرميل خلال العام الحالي.

الأسهم المحلية.. كيف ستتأثر؟

بحسب راصدي سوق الأسهم فان تثبيت معدلات الفائدة دون تغيير لا يلقي بظلاله على سوق الأسهم المحلي فالأمور تبدو على حالها دون تأثر .. ويرجع هؤلاء تصورهم إلى أن انخفاض معدلات الفائدة يجعل دائما من الأسهم خياراً جذاباً للاستثمار وهذا ما شهدته الأسواق العالمية من ارتفاع ونشاط بما فيها أسواق النفط والمعادن والتي حققت بمجملها ارتفاعات وتحركات نشطة متأثرة بقرار الفدرالي بتخفيض معدلات الفائدة بنسبة 0.5% وتبديل مراكز الادخار من الودائع إلى القنوات الاستثمارية الأكثر جاذبية ومنها الأسهم في ظل وجود اسهم لشركات في الأسواق تفوق عوائدها العائد من الودائع حاليا.

غير أن بعض المتابعين لسوق الأسهم يؤكدون أن ثبات الفائدة على الريال في ظل انخفاضها على الدولار ستساهم في تدفق السيولة المهاجرة التي استفادت من فترات الفائدة الأمريكية المرتفعة بحكم العلاقة العكسية بين سعر الفائدة وأسواق المال مؤكدين أن عودة هذه الأموال قد ترتبط أيضا بمحددات أخرى وهي بدائل الاستثمار المتاحة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد