الضربات المتتالية التي يتلقاها فلسطينيو غزة من قبل إسرائيل بل ومن قبل بني جلدتهم جعلت أحوالهم هي الأسوأ بين كل فئات الفلسطينيين سواء أولئك الذين في الداخل، أي في أراضي 48م، أو فلسطيني الضفة..
وهناك الآن من يتحدث عن تهدئة فلسطينية إسرائيلية وتحديداً بين حماس وإسرائيل، وهي تهدئة يؤمل أن تكفَّ إسرائيل خلالها عن اعتداءاتها اليومية وأن تسمح بدخول المواد الغذائية والتموينية إلى القطاع عبر المعابر التي تسيطر عليها، وفي المقابل تلتزم الفصائل الفلسطينية بوقف إطلاق الصواريخ المحلية الصنع نحو إسرائيل. وهاتان هما طرفا المعادلة التي بدونها لا يمكن الحديث عن تلك الحالة.. اقتراح التهدئة جاء هذه المرة من حماس التي تسيطر على غزة، ويفترض ذلك أنها تملك مقومات استمرار هذه التهدئة من جهة إجبار الفصائل الأخرى على الكف عن إطلاق الصواريخ والوفاء بجملة المسألة الأخرى التي تتطلبها. ولو استطاعت حماس فعلاً تأمين كل هذه المتطلبات فإن السؤال هو ما إذا كانت إسرائيل ستفعل ذلك أيضاً..
وتفرض مسألة الصورايخ هذه تفاهماً فلسطينياً فلسطينياً قبل أي تفاهم فلسطيني إسرائيلي، فبعد ساعات من حادثة معسكر زيكيم التي أصيب خلالها حوالي 70 جندياً في قصف بصواريخ فلسطينية انطلقت من غزة، دعت حماس إلى ضرورة وقف تلك الصواريخ، وذلك في إطار سعيها نحو التهدئة.. وكان تم التوصل إلى هذه التهدئة في أواخر عام 2006م بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية تحت رعاية حكومة الوحدة لكنها سقطت قبل قليل من منتصف العام الجاري مع الغارات الجوية الإسرائيلية خصوصاً على قطاع غزة وما تلا ذلك من رد بالصواريخ الفلسطينية.
إن الظروف الصعبة في غزة تستوجب بالفعل نفض الغبار عن كل ما من شأنه الحفاظ على حياة الناس هناك، كان ذلك من خلال الاتفاقيات التي ينبغي تنشيطها أو من خلال التفاهمات التي يمكن أن يفرضها ذلك الواقع الصعب.. وفي كل الأحوال فإن الحاجة تبدو ماسة لعملية سلام حقيقية تنفذ إلى عمق المشاكل القائمة وتعمل على حلها. ولو تسنى لحماس النجاح في مساعيها نحو التهدئة فإن ذلك قد يشجع على المضي إلى آخر الشوط ورفد جهود التسوية بعناصر جديدة تدمج غزة بهذا الإنجاز في خضم محاولات للسلام اقتصرت في الفترة الأخيرة على الضفة وحدها..
لقد كانت الأحوال المعيشية الفلسطينية طوال ستة العقود التي أعقبت اغتصاب إسرائيل لفلسطين دائماً في أدنى حالاتها، وهي لم تدفع الفلسطيني يوماً من الأيام إلى تقديم التنازلات من أجل الحصول على لقمة عيشه، وهي لن تكون كذلك الآن ومستقبلاً، ومع ذلك فإن التسوية الحقيقية هي وحدها الكفيلة بتوفير سبل العيش الكريم لكل أطراف المشكلة.