Al Jazirah NewsPaper Monday  17/09/2007 G Issue 12772
الاقتصادية
الأثنين 05 رمضان 1428   العدد  12772
موظفو القطاع الخاص
د. عقيل العقيل(*)

رأيته وهو يحمل هموماً لا قِبل له بها، شاب في العقد الثالث من عمره، رب لأسرة متوسطة، يعمل في القطاع الخاص، ويسكن في منزل مؤجر ارتفع إيجاره حوالي 50% في أقل من سنتين، وهو لا يحلم بأن يمتلك منزلاً في ظل المعطيات الحالية فلا بارقة أمل تلوح في الأفق، تكالبت عليه المصاريف من أساسيات لا يمكن الاستغناء عنها كقسط السيارة وفاتورة الكهرباء والهاتف الثابت ومصاريف المعيشة اليومية من مأكل وملبس، وكماليات أصبحت بحكم الأساسيات كفاتورة الجوال والنت.

قال لي ما رأيك؟ إذا كانت ضربتان بالرأس توجعان فما بالك بثلاث؟ مقاضي رمضان والمدارس ثم مقاضي العيد في ظل أسعار متزايدة يوماً بعد يوم، ثم يضيف وما رأيك ونحن موظفي القطاع الخاص لم نحصل على أي زيادة لمواجهة هذا الغلاء الفاحش كما هو وضع إخواننا العاملين في القطاع الحكومي الذين تمت زيادة رواتبهم بنسبة 15% التي التهمتها الزيادات الجنونية هي الأخرى بطبيعة الحال.

فقلت له: بداية أود أن أصدقك القول بأني رجل مزعزع الثقة في معظم التجار بشكل عام والمسيطرين على السلع والمواد الاستهلاكية منهم بشكل خاص، ذلك بأنهم يغتنمون كل فرصة وبكل جرأة وبدون أدنى مسؤولية لزيادة الأسعار لأي سبب مهما كان تافهاً حتى وإن كان خبراً في صحيفة نشره مراسل غير مسؤول يشير لارتفاع في أسعار سلعة معينة بنسبة كذا وكذا، بل حتى إن كان الخبر غير ذي صلة بتغيير الأسعار التي تتميز كما حاصل في بلادنا بالارتفاع المستمر وكأنها عندما تصعد تؤسس لنقاط دعم فولاذية لا تنزل دونها أبداً مقابل نقاط مقاومة واهية من السهل اختراقها للأعلى في ظل أي خبر كان حتى ولو كان عن سقوط ورقة ذابلة من شجرة في أعالي التبت لاستخدامه كمبرر كبير (من وجهة نظرهم فقط) لرفع سعر السكر والأرز والزيت وما إلى ذلك.

أما بالنسبة للضرر الذي أصابكم أيها العاملون في القطاع الخاص نتيجة هذا الغلاء الفاحش، فبالتأكيد أنه ضرر مضاعف ذلك أنكم قوم (لا بواكي لكم)، فعندما جاءت مكرمة خادم الحرمين الشريفين برفع رواتب موظفي الدولة متبوعة بقرارات مماثلة من قلة قليلة من شركات القطاع الخاص، تقاعست الغالبية العظمى من الشركات عن زيادة رواتب موظفيها رغم إدراك القائمين عليها بأن الأسعار ستزداد بصورة أو بأخرى نتيجة تلك الزيادة.

إن موظفي القطاع الخاص تلقوا الضربة القاسية للارتفاع الجنوني للأسعار دون زيادة في الرواتب تمكنهم من امتصاص جزء من تلك الضربة لتخفيف آثارها كما هو حال إخوانهم العاملين في القطاع الحكومي، رغم أن هؤلاء يمثلون أكثر من ثلاثة أضعاف العاملين في القطاع الحكومي ويعملون لساعات أطول مصحوبة بقلة في الإجازات مقارنة مع موظفي الحكومة.

وحيث إن الهدف الحقيقي السامي من مكرمة خادم الحرمين الشريفين يتمثل في تحسين مستوى معيشة المواطن وتعديل ميزان الدخل إلى المنصرف لكل مواطن الذي لم يتعدل مستوى دخله منذ أوائل الثمانينيات الميلادية، وحيث إن التجار قد أعدوا الخطط لهجمة شرسة لاقتناص تلك النسبة من أفواه المواطنين وأطفالهم، وهذا ما فعلوه حيث رفعوا أسعار سلعهم بنسب تماشي أو تتفوق على تلك الزيادة التي منحت لموظفي الدولة، فإنني أعتقد أنه حان الوقت لإيجاد حل يرفع عن موظفي القطاع الخاص الظلم الذي وقع عليهم.

ولن أقول إن الحل يكون بإصدار تشريع يلزم القطاع الخاص بزيادة رواتب موظفيه السعوديين بنسبة الـ 15% لأن ذلك باعتقادي سيزيد الطين بلة، فمن منطلق الخبرة المستفادة من الماضي القريب سترتفع الأسعار مرة أخرى، لترتفع معدلات التضخم إلى نسب تفوق النسب الحالية التي لا نعرف حقيقتها في ظل تصريحات مؤسسة النقد الممجوجة التي تقول بأن التضخم مسيطر عليه وإنه في حدود الـ 4%.

والحل باعتقادي وباختصار يتمثل في ضرورة سيطرة الدولة سيطرة مباشرة على السلع والخدمات الاستهلاكية الأساسية وما في حكمها، وذلك بأن تقوم بتحديدها بقائمة تخضع للمراجعة الدورية (كل شهرين مثلاً) وكل سلعه تكون ضمن القائمة، تنشر الحكومة أسعارها في الصحف.

وحتى لا يقع ضرر على التاجر تقوم وزارة التجارة بعملها المفترض منها فتشرف على العقود من الخارج لتلك السلع بحيث يعرف سعرها الإجمالي وسعر النقل والتخزين وهامش الربح وفي النهاية نعرف سعر البيع للمستهلك النهائي.

وإذا كان هناك فعلاً ارتفاع في العقود الخارجية نتيجة لأسباب خارجية مثل ارتفاع أسعار الصرف مقابل الريال أو أسعار الوقود والشحن أو التأمين فتقوم الدولة بدعم تلك السلعة وتسيطر على بيعها من المحلات التجارية، وتجربة الكويت الناجحة في هذا المجال ليست عنا ببعيدة خصوصاً أن الكويت دولة خليجية مجاورة ذات نظام اقتصادي مشابه لنظامنا الاقتصادي.. كلي ثقة بأن تطبيق هذه الفكرة - وخصوصاً دعم السلع - سيكون لها أكبر الأثر في السيطرة على جشع التجار وتخفيف معاناة المواطنين من أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة الذين لهم كل الحق بالاستفادة من خيرات بلادهم التي حباها الله بنعم لا تُعد ولا تحصى رحمة من عنده.

تنويه واعتذار

سقطت سهواً لخطأ فني الفقرة الأخيرة من المقال الذي نُشر يوم الثلاثاء الماضي والمعنون: (نظام الرهن العقاري.. المنقذ الذي أصبح في قفص الاتهام) ولاستكمال فكرة المقال أورد هنا باقي الفقرة التي لم تنشر.

الحقيقة الرابعة أن نظام الرهن العقاري في أمريكا هو المنقذ الذي حمل أكثر مما يحتمل حيث استخدم في امتصاص أزمتين حادتين، الأولى تمثلت بانهيار أسواق المال الأمريكية الناتج عن انهيار شركات الدوت كوم، والأخرى التي تلتها مباشرة والتي تمثلت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، ولقد استطاع نظام الرهن العقاري في أمريكا امتصاص هاتين الأزمتين والتقليل من آثارهما بكل كفاءة واقتدار، حتى تمت إضافة بند الرهونات العقارية عالية المخاطر لهذا النظام الفعَّال التي لم تفلح نتيجة لعدم نجاح الفرضيات التي بنيت عليها، حيث تمَّ الاعتقاد بضرورة تحسن أحوال أصحاب السجلات الائتمانية الضعيفة بمرور الزمن كنتيجة طبيعية لتدرجهم في الوظائف وزيادة إيراداتهم الشهرية، وهو ما لم يحصل.

ختاماً، وبعد هذه الحقائق ألا يحق لنا أن نقول إن نظام الرهن العقاري هو المنقذ الذي وضع في قفص الاتهام، رغم أن المتهمين الحقيقيين (دوت كوم، الإرهاب) اللذين كان لهما نظام الرهن العقاري بالمرصاد ما زالوا أحراراً خارج قفص الاتهام.



alakil@hotmail.com(*)

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد