هل صحيح أن العرب انتهوا كظاهرة إبداعية؟ وأن الإبداع قد أفل نجمه عنهم وتحولوا إلى مجرد وحدة دولية هامشية يختصر تعريفها الإجرائي بمجرد ملصق إعلاني على (كابون نفط وصورة جمل) وهل صحيح أن ما مر على الذهنية الاجتماعية والسياسية العربية من انكسارات وهزائم، منها ما شبت وترعرعت عليه غالبية أجيالهم كقضية فلسطين, ومنها ما صدموا به كغيرهم من العالم كاحتلال العراق وما نتج عنه من قضم يومي للبشر، قد لعب دوراً في قتل روح الإبداع والتنمية الإنسانية لديهم, أم أن للتخلف السياسي والمعرفي بالإضافة إلى الصدمة الحضارية التي يمر بها الواقع العربي في مرحلة ما بعد العولمة قد لعبت دوراً في ذلك؟ وأين مناهج وأساليب البحث العلمي من ذلك كله؟ ولماذا أضحى العقل العربي مجرد أداة ضخ للتذمر من المشاكل من دون البحث لها عن حلول أو إيجاد أساليب للتعامل معها, كل هذه الأسئلة والاستفهامات ينضح بها أناء الواقع العربي الذي أضحى من أشد الأوضاع بوساً ودماراً وضحالة في الإنتاج الإنساني, فمما لا شك فيه أن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها المجتمعات العربية تؤثر سلباً بلا شك على مسيرة الإبداع بشكل عام وعلى نمط الإنتاج الإنساني والعقلي منه بالذات, فالمبدع العربي قد أثقل كاهله بإرهاصات الواقع المرير سياسياً، ولعبت الأوضاع الاقتصادية المتردية والمنعكسة على المعيشة دورها الطبيعي في التأثير على الإنتاج الإبداعي له, ولا يغيب عنا أيضاً إهمال الدولة العربية للفرد المبدع وتجاهل المؤسسة الرسمية له في حياته وتهربها من الوقوف معه في محنه حتى أنه أضحى من البدهي في العالم العربي أن لا يكرم المبدعون أو يلفت النظر إليهم إلا بعد موتهم وكأن الموت هو أداة التذكير الوحيدة بهم.
ولعل لغياب المجتمع المدني في كثير من بلدان العالم العربي أو وجوده بشكل قاصر في بعضها دوراً مهماً في هذا التشرذم الإبداعي الذي يبدو أن العرب قد أضرب واقعهم وامتنع عنه, في حين أن الأمم التي لديها ثروات أقل وارث ثقافي ومعرفي أقل من أمة العرب قد تعدتها في التطور الإنساني والمدني، وذلك من خلال اهتمامها بالإبداع والمبدعين وإعطائهم حيزهم الذي يستحقونه في العقل الاجتماعي والاقتصادي في البلاد وذلك ما يكون عادة عن طريق الجمعيات أو الرابطات الجامعة لتصفيات المبدعين والمثقفين والتي تلقى كل الدعم والرعاية من الدولة في حين بالعالم العربي يضيق على الجمعيات الأهلية والمدنية ولا تحظى بالدعم اللازم حتى أصبح الإبداع والثقافة كمفهوم عام ضرباً من ضروب المعارضة أو شرطاً لتكوين الشخصية الثقافية وذاك ما جاء كنتيجة حتمية للقطيعة الدائمة بين المؤسسة الرسمية وشريحة وفئة الثقافة والإبداع.
