أن يبتلى الإنسان بشيء من المرض ينغّص عليه عيشه ويفقده مذاق السعادة في الحياة أمر مألوف لا يملك المؤمن أمامه سوى الصبر والاحتساب للأجر عند المولى عزَّ وجلَّ، ولكن ما يزيد من الإحساس بالمرارة وتجرع ألم الندم بعد فوات الأوان، أن يكون الإنسان بنفسه سبباً في نكبة ذاته، وإدخالها في دهاليز الأمراض ودوامات المعالجة والأدوية، فينطبق عليه قول المولى عزَّ وجلَّ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (118)سورة النحل.
ما تقدم من كلام يقودنا للحديث عن آفة العصر، وغول الاستهلاك والدمار الإنساني والمادي الذي أصبح يهدد المستقبل العام للصحة البشرية كغيره من المهددات والفواتك الأخرى التي تتربص بصحة الإنسان من خلال انسيابها في نمطه المعيشي، فآفة التدخين أصبحت من أشد المشكلات الإنسانية المعاصرة لما تسببه من أمراض جسدية وروحية تأتي كنتيجة حتمية لإدمان المدخن على مادة النيكوتين واستعبادها له، ذلك الإدمان والاستعباد الذي لا يفتأ المدخنون يطلقون التبريرات للمدافعة عنه سواء بادعاء أن التدخين أداة مهمة لمواجهة ضغوط الحياة، أو أنه أضحى لهم من الضروريات اليومية ويصعب تركه نهائياً, والأدهى والأخطر من ذلك هو الصنف الثاني من (بني دخان)، وهم أولئك الأشخاص المنطوون تحت لواء الممالطة والتسويف، وقد وضعوا لأنفسهم قاعدة لا تتعدى كونها مجرد كذبة على الذات، وفحوى هذه القاعدة أو بالمعنى الأصح الكذبة البلهاء: أن أمراض التدخين الفتاكة كالسرطان ومنه سرطان الرئة - والعياذ بالله - لا تهاجم الجسم إلا بعد سن الستين أو فلنقل الخمسين، وهذا ما تدحضه إحصاءات الوفيات من فئة الشباب بأمراض التدخين الذين لم تتجاوز أعمارهم الثلاثينيات.
كما أن من جملة الكذب على الذات فيما يخص التدخين مقولة: إن ممارسة الرياضة والحرص على تناول الأطعمة الصحية تلغي أضرار التدخين ومخاطره، وذاك ما ينفيه إدراك كل عقل سليم بغض النظر عن الحقائق والقواعد العلمية والطبية التي تقول ببلاهة هذا الكلام وسطحيته.
والغريب في الأمر أن المدخن يُركز على هذه الأمراض، وينسى ويتناسى أمراضاً لا تقل خطورة عنها وفي مقدمتها الضعف الجنسي، حيث أثبتت التجارب الطبية وعمليات الرصد الإكلينيكي أن المدخن يفقد 55% من قدراته الجنسية، بالإضافة إلى تأثير الدخان المباشر على الحيوانات المنوية، وما يحدثه أيضاً من تشوهات جينية، وزد على ذلك تأثيره المباشر على الهرمون الذكري للرجل.. ومع أن هذه الأمور من متطلبات السعادة بالحياة الزوجية التي هي نصف حياة الإنسان، إلا أن بعضهم يتجاهلها ولا يرمي لها بالاً او اهتماماً (فالناس أعداء ما جهلوا).. يتعذر أكثر المدخنين بأنهم يمتلكون الرغبة في ترك التدخين والانعتاق من عبوديته المقيتة, إلا أنهم لا يملكون القوة أو الإرادة على مواجهة ذلك الأمر, والقضية هنا أيضاً لا تخلو من شيء من التسويف والتملص أيضاً, فالمدخن يعلم أنه على خطأ في إقدامه على التدخين، وفي الوقت نفسه لا يستطيع تركه نتيجة إدمانه عليه، لذلك فهو يهرول إلى مثل هذه الأعذار والتعليلات.
الآن إن هذه المسألة قد حلّت وانتهت مع انتشار عيادات مكافحة التدخين التي تعد بارقة حضارية وإنسانية مهمة ولمحة جادة في إطار المجتمع المدني السعودي، فهذه الجمعيات التي تمتهن مكافحة التدخين وعلاج المدخنين قد أثبتت فعاليتها من حيث دفع كثير من المدخنين إلى الإقلاع، ويقدر عددهم بالآلاف من خلال ما تتبعه من طرق العلاج الإقناعي أو التوعوي وتوزيع الأشرطة والمطويات والمرئيات ونشرها، حيث توضح للمدخن بؤس حاله وقتامته مع السيجارة، بالإضافة إلى الأسلوب العلمي والطبي الناجح الذي أثبت فعاليته؛ ونقصد به جهاز الملامس الفضي الذي يعمل على تنشيط خلايا الجسم المكافحة للسموم ومواده، وفي مقدمتها النيكوتين وذاك ما يساعد المدخن على التخلص من حجته الرئيسة في الاستمرار بالتدخين؛ ألا وهي الاشتياق للنيكوتين، أو ما يعرف لدى عامة المدخنين (بالخرمة).
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244