Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/09/2007 G Issue 12770
الاقتصادية
السبت 03 رمضان 1428   العدد  12770
الاستثمار... ورقة رابحة ضاعت بين أدراج المضاربة

رؤية - عبد الله البديوي

جاء إليَّ أحد الزملاء الذي عُرف عنه إدمانه المضاربة اللحظية مشتكياً من الخسائر المتلاحقة له جراء المضاربة في سوق الأسهم وقال لي: لقد أرهقتني المضاربة في السوق وقررت أن أتركها نهائياً وأتجه للاستثمار، ولما سألته عن طريقته في الاستثمار أجاب: سأستثمر في السوق استثماراً أسبوعياً!! فتعجبت من كلامه ومازحته قائلاً: ما رأيك بالاستثمار الشهري؟ فأجابني بجدية وقال: لا يمكن ذلك، هذا استثمار طويل المدى وأنا لا أملك طول البال... ولم يعلم هذا الزميل بأن الاستثمار قصير المدى قد يمتد زمنه لثلاث سنوات.. المضاربة اللحظية ليست شيئاً مستغرباً لدى أوساط المتعاملين، بل إن الواقع يؤكد أن السواد الأعظم من المتعاملين في السوق السعودي يندرجون تحت لواء المضاربين، وهم ليسوا ملامين في ذلك فالبيئة التي يعيش فيها السوق منذ أكثر من سنتين تشجعهم على ذلك حتى أضحت المضاربة بأنواعها اللحظية واليومية والأسبوعية وحتى الشهرية هي العلامة الواضحة لتداولات السوق، وهي السمة البارزة في تعاملات المتداولين فيه، بل إن من يتابع حركة السيولة المتداولة في السوق منذ نهاية عام 2005م وحتى اليوم يلحظ أنها سيولة مضاربية بحتة لا تهدف للبقاء في السوق بل تسعى لتحقيق المكاسب السريعة والخروج بعد ذلك.

ومن يريد معرفة الحقائق يعلم يقيناً أن تلك السيولة كانت أحد الأسباب الرئيسة وراء تضخم السوق ومن ثم وقوع انهيار فبراير 2006م، بل إنها السبب الرئيس خلف تذبذب السوق وعدم استقراره لأكثر من عام ونصف العام مضت على ذلك الانهيار، ولذلك فقد أصبح من المعتاد والمألوف أن نرى شركات المضاربة في السنتين الأخيرتين تحتل قائمة الأسهم العشر الأكثر تداولاً بشكل يومي وانعدام السيولة تقريباً عن الأسهم الاستثمارية وعند متابعة السيولة المتداولة في السوق لعام 2007م نجد أن أكثر من 60% من أحجام التداولات اليومية كانت تتم في أسهم المضاربة التي لا تمثّل سوى أقل من 10% من قيمة السوق السوقية! ولو رجعنا 4 سنوات للوراء في السنين الأولى من طفرة السوق لوجدنا العكس تماماً حيث كانت الأسهم القيادية وأسهم العوائد أسهماً ذات شعبية كبيرة وأحجام التداول عليها مرتفعة مما جعل تلك الأسهم تحتل صدارة الأسهم الأكثر نشاطاً في السوق تلك الأيام وإحقاقاً للحق فلا يمكن أن نهمش الدور الإيجابي الكبير الذي تقوم به المضاربة في البورصات وأسواق الأسهم، فهي ولا شك الدينمو والمحرك الرئيس لهذه الأسواق، وهي أحد العوامل الأساسية لجذب السيولة لداخل تلك الأسواق، ولولا المضاربة لأصبحت التعاملات في أسواق الأسهم جامدة وفقدت بالتالي بريقها الذي يجذب أصحاب رؤوس الأموال إليها، لكن المضاربة الإيجابية هي المضاربة المعقولة المبنية على أسس سليمة والتي تكون سنداً للسيولة الاستثمارية لا طاردة لها كما تفعل بالسوق السعودي، فالمضاربة العشوائية والتذبذب العالي يفقد الأسواق المالية الأمان الذي يُعتبر أهم العوامل المغرية للسيولة الاستثمارية.

ولعل من أهم الأخطاء التي ترسبت في أذهان كثير من المتداولين هو أن الاستثمار في أسواق الأسهم غير مجدٍ، وأنه لا يمكن تحقيق عوائد مالية من خلاله تضاهي تلك التي تتحقق من المضاربة، وهذه الفكرة لم تأت من فراغ بل إنها تعمقت من خلال مسار السوق وأقصد بذلك الثبات الملحوظ في أسعار الشركات الاستثمارية في ظل التذبذب القوي الذي تشهده حركة الأسهم الأخرى، والحقيقة تؤكد على خطأ هذه الفكرة وأحداث الماضي وتنبؤات المستقبل سواء في السوق السعودي أو الأسواق العالمية تشهد على ذلك.

وللاستدلال على الجدوى من الاستثمار في أسواق المال نضرب أمثلة موجزة من تاريخ الشركات في السوق السعودي كون الحديث هنا يدور حوله، ورغم أن الأمثلة كثيرة إلا أنني سأقتصر على اثنين فقط، الأول في شركة الراجحي المصرفية، حيث كان السعر السوقي للسهم في منتصف عام 2003م لا يتجاوز الـ19 ريالاً (بعد مراعاة تجزئة وتقسيم السهم بعد المنح) واليوم يتداول السهم فوق الثمانين ريالاً محققاً ربحاً يتجاوز الـ320% خلال أربع سنوات فضلاً عن التوزيعات النقدية السنوية، أما عملاق الصناعة سابك فكان سعر سهمها يقارب الـ20 ريالاً في ذلك العام (مع مراعاة تجزئة وتقسيم السهم بعد المنح) واليوم تتداول أسهم الشركة بسعر 127 ريالاً محققة ربحاً لمن استثمر فيها تجاوز الـ500% خلال أربع سنوات فقط علاوة على التوزيعات النقدية السنوية.

وكل هذا رغم انهيار الأسواق بعد فبراير وخسارة سهم الراجحي أكثر من 66% من أعلى سعر حققه وفقدان سابك لـ60% من قيمتها السوقية.

ولعل أن هناك من يقول: إن هذا مجرد كلام في الماضي وإن الماضي لا يمكن تكراره والفرص الاستثمارية التي كانت في ذلك الوقت فرصاً غير متجددة، فعلى الرغم من أن انهيار فبراير 2006م كان نقطة سوداء في تاريخ السوق السعودي وخلف الكثير من السلبيات، لكنه أحدث بعض الأمور الإيجابية التي كان على رأسها تجدد الفرص الاستثمارية، تلك الفرص التي كانت معدومة عندما تجاوز مؤشر السوق نقطة الـ15000 وصولاً لما فوق الـ20000 نقطة، وتجاوزت مكررات الأرباح في ذلك الوقت الـ40 والـ50 مرة، بل إن الشركات حديثة الإدراج في ذلك الوقت كانت تطرح بأسعار خرافية، والكل يتذكر أدراج سهمي البلاد وينساب بأسعار تجاوزت الـ700 ريال! فكيف يكون السوق مربحاً استثمارياً إذا كانت القيمة السوقية لشركات لم تبدأ التشغيل ضعف القيمة الاسمية 15 مرة! أما في الوقت الحالي وبعد هدوء أوضاع السوق بعد الانهيار وانخفاض أسعار الشركات وانفكاك التضخم عند كثير منها، لاحت العديد من الفرص الاستثمارية من جديد، فمكررات أرباح الشركات الاستثمارية ذات النمو المستقبلي تتداول بمكررات أرباح لا تتجاوز غالباً 15 مرة وهي مكررات مغرية على مستوى الأسواق العالمية خصوصا في ظل النمو المتواصل الذي تشهده العديد منها، والشركات الضخمة حديثة الإدراج تتداول بأسعار قريبة جداً من قيمتها الاسمية، ولو طرحت أعمار أو كيان أو المملكة القابضة حينما كان المؤشر فوق مستوى الـ20 ألف لما كانت تتداول بهذه الأسعار بكل تأكيد.

وكما أن المضاربة الناجحة لها أدواتها التي يعتمد عليها المضاربون من تحليل فني وخلافه فإن الاستثمار أيضاً له أدواته التي يجب استخدامها قبل الإقدام عليه من دراسة مالية لمكررات الأرباح الحالية والمستقبلية ونسب النمو المتوقعة والعوائد المرجوة من الاستثمارات الموجودة والقيم الدفترية وغير ذلك، هناك شركات تتداول اليوم بأسعار قريبة من تلك التي كانت عليها عام 2002م، وهناك شركات حققت نمواً في السعر السوقي تجاوز الـ1500% من ذلك الوقت.

كل ما على من قرر الاستثمار في سوق الأسهم أن يأخذ بأدواته ويضع لنفسه هدفاً ويصبر حتى يتحقق، فلربما يأتي عام 2012م وقد حققت العديد من الشركات نسبة نمو في أسعارها السوقية تتجاوز الـ200% والـ300% وربما الـ600% عندها يكتشف المتداولون ورقة الاستثمار الرابحة التي ضاعت في أدراج المضاربة وحينها ربما تكون أوراق اليوم قد تلفت ويبحث من أتلفها عن أوراق جديدة لم يبحث أحد عنها.

المصدر: سوق الأسهم السعودية (تداول)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد