د. حسن الشقطي
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع على انخفاض خاسراً حوالي 46 نقطة نتيجة التراجع الذي ضرب الأسهم القيادية الثلاثة الرئيسية والذي تزامن مع سريان حالة من عدم الاستقرار التي تسببت في إشاعة القلق لدى المتداولين... حيث تذبذبت أسهم الراجحي وسابك والاتصالات بنسب ملحوظة وغير متوقعة... مع سريان شائعات هذا الأسبوع تتحدث عن احتمال حدوث تغيرات أساسية في السوق سواء من حيث تعديل الأسهم داخل القطاعات أو تغيير طريقة احتساب المؤشر.. وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول: هل ستكون إطلالة النظام الجديد لتداول بمثابة تغيير شامل للسوق؟ وهل أصبح وشيكاً بالفعل إعادة تقسيم الشركات على القطاعات من جديد؟ وهل ذلك يعني تزايد عدد القطاعات؟ وأي الشركات من المتوقّع أن تكون أكثر استفادة... هل الشركات الخاسرة أم الرابحة حالياً؟ ومن جانب آخر، هل بعض الأسهم الجديدة التي أدرجت خلال عام 2007 معرضة فعلاً لانتكاسات شديدة في الأمد القريب؟ وما مدى ارتباط ذلك بتواريخ السماح وفك قيود التصرف على تداولها للمؤسسين (المساهمون البائعون)؟
المؤشر يخسر 46 نقطة
لقد بدأت حركة التداول هذا الأسبوع على ربحية المؤشر 123 نقطة يوم السبت، تلاها تراجع يوم الأحد ليخسر 48 نقطة، ثم ربح يوم الاثنين بنحو 38 نقطة، ثم طرأت خسارة ملحوظة يوم الثلاثاء بحوالي 167 نقطة. وأخيراً ربح المؤشر يوم الأربعاء حوالي 8 نقاط. بالتحديد، أغلق المؤشر هذا الأسبوع عند مستوى 7808 نقطة خاسراً حوالي 46 نقطة أو ما يعادل 0.58%.
تراجع طفيف
منذ أسبوعين ومع بدء تراجع المؤشر بدأت تسود حالة من التأويلات والتحليلات.. لماذا تراجع المؤشر؟ وماذا يخفي وراءه؟ وما سيأتي بعده؟ للأسف أنه من الصعب الإجابة على هذه التساؤلات.. ببساطة لأن حركة المؤشر تمثّل مساراً شبه أفقي متذبذباً... قد لا تعبر سوى عن حالة من الترقب والانتظار.. وفي مثل هذه الحالات يكون كافة المتداولين على استعداد لتقبل أي شائعات أو للتفاعل مع أي أخبار.. حتى لو كانت كاذبة.. إن السوق لا يمتلك أي أخبار جديدة.. لذلك فإن أي تحركات تحدث الآن إنما تأتي بمحض الاندفاع الذاتي أو الاندفاع بالشائعات.. باختصار فإن حركة المؤشر حتى الآن لا تبدو مخيفة.. وقد تستمر على هذا المضمار خلال شهر رمضان، وبخاصة في ظل الضعف المتوقع في الزخم، وربما نتيجة انخفاض معدل تداولات العديد من أصحاب المحافظ الاستثمارية الكبيرة.
هبوط الراجحي والاتصالات
من الأمور المثيرة هذا الأسبوع التراجع الذي ضرب كل من الراجحي والاتصالات وأيضاً اضطراب سابك.. فقد خسرت الاتصالات 3.73%، وخسر الراجحي 2.36%، وذلك رغم عدم وجود أية أخبار جديدة عنهم.. فهل نتائج أعمالهما يتوقع أن تكون سلبية؟ .. بالطبع لا... إن المثبط الوحيد يكاد يتأسس بناء على النقاط السنوية الدنيا (Low).. تلك النقاط التي بدأ يشاع بين المتداولين أن هذه الأسهم عائدة إليها لا محالة إن استعاد المؤشر مساره الهابط... فرغم التقارير المتخصصة التي أعلنت أن المستويات العادلة للأسهم القيادية الرئيسية تفوق أسعارهما الحالية ورغم حالة التوسع والنجاح المتوقعة في نتائج أعمالهما.. إلا إن ذلك لا يبدو كفيلاً بإقناع المتداولين بأن هذه الأسهم قادرة على المحافظة على مستويات أسعارها الحالية التي هي أعلى من النقاط السنوية الدنيا لها. فقد بلغت هذه النقاط الدنيا حوالي 70 ريالاً للراجحي و55 ريالاً للاتصالات.. كما أن مخاوف كبيرة تصيب أيضاً متداولي سابك التي أحرزت نقطة سنوية دنيا عند 93.5 ريالاً... ومن جانب آخر، فهناك مخاوف من عودة الجمود إلى هذه الأسهم من جديد إن انخفضت أسعارها، وهناك تصبح المشكلة مشكلتين.
إعادة التقسيم القطاعي للسوق
من الشائعات المثيرة ظهور أقاويل بأن السوق على وشك إعادة هيكلة نفسه... ومن المنطقي تصديق هذه الشائعات مع اقتراب إطلاق النظام الجديد لتداول، ولكن الأمر الغريب أن تتسبب في هبوط المؤشر.. بداية لأن هذه الشائعات إن صدقت، فإنها من المتوقع أن تحسن من حالة السوق... فإعادة تقسيم السوق داخلياً بالفعل تعتبر مطلباً لكل عاقل.. فليس من المنطقي أن تربح شركات على حساب شركات أخرى.. كما أنه ليس من المنطقي أن تخسر شركات بسبب شركات أخرى.. فالشركات الرابحة التي تنتمي لقطاعات خاسرة مثل الزراعة والخدمات يلحق بها ضرر بالغ نتيجة خسائر أخواتها في نفس القطاع... كما أن الشركات الخاسرة داخل القطاع الصناعي أحياناً تستفيد نتيجة ربحية القطاع... وهنا تتضح حالة من عدم العدالة في التوزيع.. ولعل هذه الشائعة لها ما يبررها وهو اقتراب موعد تطبيق النظام الجديد لتداول.. ذلك النظام الذي من المنطقي أن يجري كافة التعديلات والتغييرات قبل إطلاقه.. ويتوقع أن يكون أهمها تقسيم السوق إلى عدد أكبر من القطاعات ربما حسب النشاط الفعلى... بالفعل ينبغي توقع أن شركات معينة ستخسر خسارة بالغة نتيجة دحرها داخل قطاعات خاسرة قد تتسبب في ضياع اهتمام المتداولين بها.
تغيير نمط احتساب المؤشر
من الأمور التي يتوقّع أن ينالها تغيير كبير هو طريقة حساب مؤشر السوق.. وبخاصة في ظل انتقادات المحللين له.. وخصوصاً ما يربتط بكونه لا يعبر عن كامل حركة التداول في السوق بقدر ما يعبر عن عدد قليل من الأسهم القيادية فقط.. إن العديد من الأسواق الأخرى تأخذ بأسلوب ليس كل الأسهم تدخل في حساب المؤشر.. بل يتم حساب المؤشر بعدد محدود من الأسهم. إلا أنه ليست هذه المشكلة.. بل المشكلة تتمثّل في العديد من الأمور الأخرى مثل.. هل سيتخلّى المؤشر عن الأسهم المتوقف تداولها؟ بل هل سيبقي على الأسهم الخاسرة الأخرى داخله؟ وغيرها من القضايا العالقة والمرتبطة بالمؤشر.
استقرار السوق
من الأمور التي يرغب فيها المتداولون خروج هيئة السوق وتعليقها على كل ما يثار من شائعات.. بل إنهم يأملون في تجاوز ذلك إلى التدخل الفعلي بمساندة المؤشر كلما ضعفت همته.. فقد كثر الجدل من جديد حول الأسباب التي تمنع الهيئة من ضخ سيولة جديدة لدعم وتعزيز المؤشر ومنعه من التراجع والحفاظ على استقرار السوق.. ويسوق البعض منهم أمثلة بأن الجهات الرسمية الأمريكية (وأيضاً بعض الدول الآسيوية) قد ضخت سيولة إضافية لمنع تدهور أسواقها المالية خلال فترة أزمة الرهن العقاري الأخيرة... ولكن هذه التساؤلات تستدعي أن نتساءل حول: هل هيئة السوق الأمريكية ضخت سيولة إضافية أثناء فترة التصحيح القاسي الذي مر به مؤشر ناسداك (خلال الفترة من أبريل 2000 إلى أكتوبر عام 2002) عندما انحدر المؤشر من 4573 إلى 1172 نقطة؟ بل أيهما أشد قسوة: هل أزمة الرهن العقاري الحالية أم أزمة التصحيح في عام 2000؟ ... بالطبع أزمة التصحيح أشد قسوة ولم يحدث تدخل من الجهات الرسمية بضخ سيولة آنذاك لمنع انخفاض المؤشر... بل إنه حتى بعد مرور أكثر من ست سنوات على هذه الأزمة فإن المؤشر لم يعد إلى مستواه قبل التصحيح حتى هذه اللحظة (المؤشر الآن 2597 نقطة). إن السلطات في أي دولة تضخ سيولة في حالة واحدة عندما ينحدر السوق إلى قيمة أقل من قيمته العادلة أو عندما يواجه أزمات طارئة يخشى أن تؤثّر عليه بشكل غير طبيعي.
تحسين بيئة الاستثمار
البعض يقول بأن السوق ليس في حاجة لتحسين بيئته وأنه أصبح ممتازاً.. وكفانا تصحيحاً وكفانا تراجعاً.. ولنترك المؤشر ينطلق إلى 10 آلاف ثم نترك له الحرية في المواصلة أو التوقف؟ إن الرد على هذه المقولة إنما يتم بلفت النظر إلى التقرير المتخصص الذي أُصدر مؤخراً والذي أعلن أن حوالي 5 تريليون ريال تدفقت خلال 5 سنوات من دول الخليج إلى الأسواق الغربية... لماذا تدفقت هذه الأموال إلى أسواق الغرب؟ إن الأمر المستغرب أن حجم أسواق المال الخليجية مجتمعة لا تتجاوز حوالي 3.2 تريليون ريال.. فكيف يمكن تفسير أن حجم الأموال المتدفقة في 5 سنوات فقط وصلت إلى 5 تريليون ريال؟ إن التفسير الوحيد هو استقرار تلك الأسواق وحسن بيئتها الاستثمارية وكفاية الضمانات ضد مخاطر التقلب أو الاحتكار أو غيرها من المخاطر التي تصيب أسواق الدول النامية. فكيف وما بالنا إذا علمنا أن النسبة الأعلى من هذه التدفقات للأسواق الغربية إنما تدفقت من السعودية!
فك قيود التصرف
من الأمور المهمة والمنسية في السوق هي تواريخ السماح للمؤسسين بالتصرف بالبيع في حصصهم المؤسسية... ففي كل نشرة إصدار يوجد بند مهم جداً هو: القيود على الأسهم يشير هذا البند إلى أنه يحظر على المساهمين المؤسسين التصرف في أسهمهم لفترة ستة شهور وتعرف هذه الفترة بفترة الحظر وتبدأ هذه الفترة منذ بداية تداول السهم في السوق... فضلاً عن ذلك، توجد هناك المؤسسات المكتتبة في سياق عملية بناء الأوامر، والتي تتمثّل في صناديق الاستثمار السعودية والشركات الاستثمارية السعودية والأشخاص المرخص لهم من الهيئة... هذه الجهات تخصص لها حصة رئيسية من الاكتتاب في الشركة التي تطرح بنظام بناء الأوامر، هذه الأطراف أيضاً قد يحظر عليها بيع أو التصرف في أسهمهم خلال فترة معينة. تعتبر هذه التواريخ من الآجال والأزمنة المهمة للمتداولين في كل سهم جديد، لأنها عندما تحين يتوقع أن تحدث تغيرات كبيرة في أسعار أسهمها، وخصوصاً أن هذه التغيرات قد تكون بالانخفاض وربما الانخفاض الشديد... فخلال فترات الحظر يترقب المؤسسون أو المكتتبون من المؤسسات أجل فك قيود التصرف عليهم بفارغ الصبر إما لتدبير سيولة نقدية أو نتيجة مخاوف انتهاء الطفرة السعرية للأسهم الجديدة... لذلك من المهم جداً أن يترصد كل متداول هذه الآجال لأسهمه بدقة... فحتى إن لم تبع هذه الأطراف المؤسسة أسهمها.. توقع بدء ظهور السيطرة والاحتكار على السهم.. يعني هذه الأطراف إن باعت حصصها سقط سعر السهم، وإن احتفظت بها ربما سيطرت واحتكرت السهم.
السوق يمر بالمرحلة الثانية لتطوره
الكثيرون يتعاملون مع السوق من منظور قصير يركز على التعاملات اليومية أو الأسبوعية أو حتى الشهرية وربع السنوية متجاهلين خلفياته التاريخية التي ترسخ شكل ومدى هذه التداولات قصيرة المدى. فالسوق على مدى حياته وحتى الآن مر بمرحلتين، هما: مرحلة (الحرية والاحتكار)، ومرحلة (الحماية والتصحيح). وقد نجم عن المرحلة الأولى نوع من الانفلات السعري للأسهم والذي تسبب في انفلات المؤشر إلى مستويات تفوق القيمة العادلة له بكثير. وهو الأمر الذي أدى إلى دخوله إلى المرحلة الثانية وهي التصحيح من خلال فرض إجراءات حماية متعددة لعودته إلى حظيرة الاستقرار من جديد. ويتوقّع أن تلي هاتين المرحلتين مرحلة جديدة هي الحرية والانضباط، ولكنها تتطلب بعض الوقت على ما يبدو . إن المرحلة الحالية لا تتطلب تتبعاً دقيقاً لكل بضع عشرات من النقاط يصعدها أو يهبطها المؤشر، ولكن ينبغي الاهتمام جدياً بالتحركات فقط التي تناهز مستوى الـ500 نقطة... لأنه يمكن بناء عليها تحديد مسار المؤشر. ونكرر أن مستوى الدعم الحاسم للمؤشر حالياً هو 7300 نقطة.. ما إن يتم كسره فإن المسار الهابط الطويل عائد لا محالة... ولكن لا يزال شهر رمضان يبعدنا عن الاكتتابات الجديدة والتي يمكن أن تستدعيه.
*) محلّل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com