أرجعت جريدة (الوطن) السعودية سبب ارتفاع أسعار الأرز القياسية إلى (تداعيات المواجهة بين إيران والغرب) وأشارت في عددها الصادر بتاريخ 4-9 - 2007 إلى أن إيران لجأت (إلى استيراد وتخزين كمية هائلة.....
....... من الأرز الهندي تكفيها لثلاث سنوات، وكمية أضخم من السكر الكوبي تكفيها عشر سنوات، لخشيتها من حصار أممي واسع يفرض عليها بقرار من مجلس الأمن، أو مما هو أسوأ (من) أي ضربة أمريكية عسكرية).
استيراد إيران للأرز الهندي، والمواد الغذائية الأخرى، هو جزءٌ من عمليات الخزن الاستراتيجي المنظم الذي تسعى من خلاله إلى مواجهة الأخطار المستقبلية. المعلومات الخاصة تشير إلى أن إيران، وعلى الرغم من نشاطها الملحوظ في بناء مخزونها الاستراتيجي من الأغذية، قامت بدعم قطاع الصيد البحري لديها من خلال القروض الميسرة لشراء سفن الصيد المصنوعة من الفايبرجلاس.
أُصدرت القروض تحت غطاء دعم الصيد البحري، والحقيقة أن إيران تسعى لتشكيل أسطول بحري مدني يساعدها مستقبلاً على خرق أي حصار اقتصادي قد يفرض عليها نتيجة تداعيات مواجهاتها مع الغرب. بعض سفن الصيد تلك، جهزت بخزانات خاصة لشحن مشتقات النفط لاستخدامها في تعويض جزءٍ من النقص المستقبلي المتوقع لإمدادات البنزين والديزل.
لإيران علاقة تجارية وثيقة مع إمارة دبي التي ترتبط معها بخط ملاحي بحري أثبت مقدرته الفائقة في تعويض إيران نقص المواد الغذائية، الطبية، ومشتقات النفط إبان الحرب الإيرانية العراقية وما تلاها من حروب وقرارات الحظر الأمريكية، والأممية. وهي تعول على هذه العلاقة الكثير في مواجهة خطر الحظر المرتقب.
العلاقة التجارية الخاصة بين التجار الإيرانيين والإماراتيين يمكن أن تشكل جزءاً مهماً من استراتيجية الخزن الشاملة على أساس تعويض الفاقد المستهلك من مخزونها الاستراتيجي. شط العرب يمكن أن يكون مجالاً رحباً للتبادل التجاري بين العراق وإيران حتى في أوقات الحظر الدولي، على الرغم من سيطرة الأمريكيين على الأراضي العراقية، على أساس أن قيمة المواد التجارية تتضاعف أضعافاً كثيرة في أوقات الأزمات ما يمثل إغراءً كبيراً للمهربين.
أثر الخزن الاستراتيجي الإيراني في أسعار المواد الغذائية لدينا لم يكن مدرجاً ضمن أسباب الغلاء المفاجئ، وهذا جزءٌ من المشكلة على أساس أن الحلول الناجعة عادة ما تعتمد اعتماداً كلياً على معرفة أسباب المشكلة قبل الشروع في حلها وهو ما لم يكن متاحاً لغالبية الخائضين في معمعة الغلاء.
الخزن الاستراتيجي الإيراني المنظم أدى إلى رفع أسعار المواد الغذائية في السعودية، إضافة إلى بعض الأسباب الأخرى كضعف الرقابة، زيادة الطلب، وزيادة حجم الإنفاق الحكومي، انخفاض قيمة الريال مقابل العملات الأخرى، وغيرها من الأسباب. ولكن ماذا عن المخزون الاستراتيجي السعودي؟.
عادة ما يكون المخزون الاستراتيجي أداة من أدوات السيطرة على أسعار المواد المفاجئة خصوصاً في أوقات الأزمات، إذا ما أحسنت إدارته، كما أنه يشكل الخيار الوحيد لمواجهة أخطار الحروب، وتوقف الواردات.
والمخزون الاستراتيجي لا يمكن أن يكون مسؤولية الدولة وحدها، بل إن للتجار دوراً فاعلاً في هذا المجال من خلال توفير السلع الأساسية الكافية لمواجهة المتغيرات الطارئة.
الحقيقة أن المنافسة الشديدة لاستحواذ الإيرانيين على الكم الأكبر من الأرز في الأسواق الهندية لم يقابلها تحرك لتعويض النقص في المعروض محلياً من خلال الخزن الاستراتيجي لإطفاء نار الأسعار الملتهبة.
بل إن بعض التجار أعاد تسعير مخزون المواد بالأسعار المتضخمة في غفلة تامة من الرقابة التي تمثلها وزارة التجارة. لا أعلم حجم المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية الأساسية ومدى قدرته على سد النقص في أوقات الأزمات، أو المساهمة في التأثير على الأسعار من خلال زيادة العرض، أو لطمأنة المواطنين والقضاء على هلع الشراء تحت ضغط الخوف من نفاد الكميات، إلا أنه يُفترض أن يكون قد بلغ ذروته في مثل هذه الظروف الاستثنائية.
حتى هذه الساعة، وعلى الرغم من استقرار الأوضاع العامة، لم تنجح الجهات الرقابية في كبح جماح الأسعار بصفة العموم، ما يجعلنا نتساءل عن إمكانية السيطرة عليها في أوقات الأزمات الحادة، والتوترات في المنطقة!!.
قد يكون خزن المواد الغذائية والاستهلاكية الضرورية الأخرى أسهل بكثير من خزن المياه على سبيل المثال، الذي يمكن أن يشكل نقص إمداداته، أزمة حقيقية متشعبة لمعظم المناطق. ولعلنا نستشهد هنا بتداعيات أزمة المياه الحادة في منطقتي الرياض وجدة العام الماضي، وما صاحبها من ارتفاعات قياسية لأسعار صهاريج المياه بسبب ندرتها وسوء تنظيمها. خزن المياه الاستراتيجي يمكن أن يكون مقدماً على خزن المواد الغذائية خصوصاً أن غالبية مناطق المملكة تعتمد في توفير حاجتها من المياه على محطات التحلية الواقعة على الخليج العربي.
إلا أن موجة الغلاء المتوقعة تحت ضغط التوترات الأمريكية الإيرانية قد تكون القاتلة إذا لم يُحسن التعامل معها، والإعداد لها من خلال زيادة الخزن الاستراتيجي بشقيه، الحكومي، والخاص، وتطبيق الأساليب الحديثة في إدارته، وتكثيف الرقابة الحكومية الصارمة على الأسعار، ووضع الخطط الكفيلة بالسيطرة على الأسواق، التجار، والمستهلكين.
الرقابة على الأسوق هي من صميم عمل وزارة التجارة التي امتدحها معالي رئيس مجلس الشورى بقوله (إن وزارة التجارة تقوم بعملها) وشدد معاليه على أن (المجلس يسعى إلى حل ارتفاع الأسعار من خلال مهماته وبحضور أعضائه، دون حضور وزير التجارة)!.
معالي رئيس مجلس الشورى الموقر شدد على دور المواطن في مراقبة الأسعار، وقال: (لو قام كل مواطن بدوره في هذه المراقبة وكان عملياً بالصورة المطلوبة، لكانت الأسعار في حدود المعقول).
نتفق بالكلية مع معالي رئيس مجلس الشورى من أن للمواطن دوراً يجب أن يفعّل على المستوى الشعبي، وأن يتولى مناقشة، ومحاربة كل ما يؤثر سلباً في حياته اليومية وفق النظام، وأن ذلك جزء من الوعي والثقافة التي تحتاج إلى الدعم والتنمية من قِبل البيت، المدرسة، المجتمع، والأجهزة الحكومية أيضاً، وفي مقدمها مجلس الشورى الموقر.
فالمجلس يفترض فيه أن ينقل صوت المواطنين وأن ينافح عن كل ما يضر بهم، وأن يسعى جاهداً لترسيخ ثقافة الحوار والمناقشة والمساءلة لدى المواطنين التي يُفترض أن يكون نظام (استدعاء الوزراء) ومناقشتهم من أركانها الأساسية.
لا يمكن للمجلس الموقر أن يناقش مشكلة الغلاء والتضخم بمعزل عن مسؤوليها، ومنهم وزيرا التجارة، والمالية.
كما أن جدولة دعوة الوزراء يمكن أن تحد من عملية التعامل الفوري مع متغيرات الأمور، فمشكلة الغلاء والتضخم تحتاج إلى تعامل مباشر وفوري مع أطرافها الفاعلين بغض النظر عن جدول دعوات الوزراء المعد سلفاً.
الآن نحن أمام مشكلة التضخم التي طالت كل بيت وأسرة، وكما أن مجلس الشورى يحث المواطن على أن يمارس دوره الفاعل في التعامل معها، فإن المواطن بدوره ينتظر من الجهات الرسمية، ومجلس الشورى الموقر التعامل مع هذه القضية بإحساس المواطن الذي بات يواجه الغلاء.
موضوع حجم المخزون الاستراتيجي، وإمكانية استغلاله لسد الطلب المحلي دون الحاجة إلى الاستيراد في مثل هذه الأوقات يمكن أن يكون محوراً مؤثراً في نقاشات المجلس الموقر مع الوزراء والمسؤولين.
عوداً على بدء، فموضوع زيادة حجم المخزون الاستراتيجي للأغذية، الأدوية، والمياه يفترض أن يكون من الأولويات في مثل هذه الظروف الحرجة، أسوة بالخزن الاستراتيجي للنفط الذي تم التعامل معه على أعلى المستويات التقنية، الإدارية، والمالية وأثبت نجاعته ومقدرته على مواجهة الظروف والاحتياجات الطارئة.
الخزن الاستراتيجي هو جزءٌ لا يتجزأ من الأمن القومي، وإذا كانت الدولة قد اهتمت ببناء هذا الجانب، فالأمل مازال معقوداً بالتجار الوطنيين الذين يفترض فيهم تقديم مصلحة الوطن الواسعة على المصالح الشخصية التي لا تدوم.
المستودعات التجارية ما هي إلا جزء من مجمل الخزن الاستراتيجي الشامل، وأحسب أن المصلحة العامة تفرض على الجميع التعاون من أجل الوصول بحجم المخزون الاستراتيجي من المواد الضرورية إلى مرحلة الكفاية لسنتين مقبلتين على أقل تقدير، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى استقرار الأسعار وعدم تأثرها بالأزمات الوقتية العابرة.
f.albuainain@hotmail.com