Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/09/2007 G Issue 12766
الاقتصادية
الثلاثاء 29 شعبان 1428   العدد  12766
و«الجزيرة» تسأل قبل الملتقى
إلى أين تتجه إيجارات المساكن والمكاتب التجارية؟!

«الجزيرة»- حازم الشرقاوي

في جلسة خماسية على احد مقاهي الكوفي شوب التي بدأت تنتشر بصورة لافتة في حي السليمانية بمدينة الرياض، حيث ضمت أستاذا جامعيا، وطبيبا، ومعلما، وتاجرا، وصحافيا كاتب هذه السطور، في البداية كنت مستمعا لم أنطق بكلمة وراصدا للكلمات .. بدأ الحديث الأستاذ الجامعي متسائلا ومجيبا: إلى أين تتجه أسعار إيجارات العقارات في بلادنا ؟ فرد على نفسه قائلا: تتصورون يا إخوان أنا كنت أسكن في فيلا صغيرة إيجارها السنوي قبل نحو ثلاث سنوات 30 ألف ريال الآن مع الزيادات المستمرة وصلت 55 ألف ريال، والكلمة الوحيدة التي يرددها المكتب العقاري ( راعي العقار يقول هذا هو الإيجار الجديد إذا كان مناسب مرحبا بك إن لم يكن امسك الباب) هذه الكلمة سمعتها ثلاث مرات على مدى السنوات الثلاث الماضية، وفي كل مرة تصيبني بجرح عميق متسائلا عن ضوابط زيادة الإيجارات، أعرف أن مختلف دول العالم تضع أنظمة وقوانين تحدد نسبة الزيادة السنوية على الإيجارات ولكن هنا صاحب العقار هو المتحكم الوحيد في هذه الزيادات.

التاجر

فرد التاجر قائلا يا دكتور أنت تتحدث عن قضية مهمة ولكن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، أود أن أذكركم بإعلان كانت ينشر في الصحف المحلية لأبراج الخالدية بأن سعر تأجير المتر في مكاتبها 200 ريال سنوياً الآن اتجه نحو بعض المجمعات والمراكز الموجودة على طريق الملك فهد تجد أن متر التأجير السنوي ما بين 1200- 1500 ريال، نلاحظ أن إيجار المتر التجاري تضاعف أكثر من 6 مرات بما يوازي 600% أما الإيجارات السكنية التي تتحدث عنها يا دكتور لم تتجاوز الضعف أي 100%، على الرغم من وجود زيادة كبيرة في أعداد المجمعات والمراكز التجارية التي تقام في مدينة الرياض.

الطبيب

أخذ الطبيب اطراف الحديث قائلا: (كل يبكي على ليلاه)، فأنت يا دكتور تتحدث عن مشكلة سكنك والتاجر يتحدث عن إيجارات مكتبه أعتقد أن الوقت قد حان لنشر ثقافة التمليك في بلادنا بدلا من الاستئجار المؤقت، طارحا سؤالا مهما لماذا لا نتملك أماكن معيشتنا أو أعمالنا وتتحول إلى أصول يتوارثها أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا، اعتقد أنه حل مناسبا لكل مشكلاتنا.

المعلم

ابتسم المعلم متعجبا وهو يسأل: أنتم يا من تعدون من أصحاب الدخول المرتفعة تتحدثون بهذه المعاناة.. فماذا نحن فاعلون وكذلك الموظفون البسطاء ممن لا تتجاوز دخولهم الشهرية حاجز الثلاثة آلاف ريال؟ فهؤلاء أصبحوا الآن لا يستطيعون التملك أو حتى الاستئجار في ظل هذا الارتفاع المستمر في أسعار التأجير والتملك فإلى أين يتجهوا.

أستاذ الجامعة

قال أستاذ الجامعة: نحن نريد تنظيما يحدد نسب الزيادة السنوية على الإيجارات وكذلك قيام شركات وطنية تبحث عن هامش ربح بسيط تقوم ببناء وحدات سكنية بأسعار مناسبة لمختلف فئات المجتمع.

تقارير

ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى التقرير الصادر عن مجموعة سامبا المالية الذي توقع أن تبلغ قيمة عمليات بناء الوحدات العقارية الجديدة في المملكة نحو 484 مليار ريال بحلول عام 2010، وتحتاج المملكة حتى هذا التاريخ إلى بناء نحو 2.62 مليون وحدة سكنية جديدة عند معدل متوسط يبلغ 163.750 وحدة سنويا، وسوف تبلغ الاستثمارات في بناء المساكن الجديدة 1.20 تريليون ريال بحلول عام 2020م.

المشكلة السكانية.. الواقع والمعالجات

إن كل الأطروحات السابقة نضعها اليوم أمام الملتقى الذي يرعاه مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية وتنظمه شركة (إكسس) للمعارض والمؤتمرات تحت عنوان ( المشكلة السكانية.. الواقع والمعالجات) يوم 11 سبتمبر الجاري خاصة وأن عقد الملتقى - كما ذكرته الشركة - يأتي تجاوبا مع المشكلة السكانية وارتفاع تكلفة تملّك سكن مناسب يحافظ على عادات المجتمع السعودي، حيث أضحت مشكلة المسكن تؤرق العديد من طبقات المجتمع السعودي، ومن خلال هذه الندوة تحاول مجموعة إكسس للمؤتمرات مناقشة وإيجاد الحلول لتملك سكن مناسب بتكلفة مناسبة، يدير الجلسة الدكتور فهد بن صالح السلطان الأمين العام لمجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية بمشاركة الدكتور المهندس عبد العزيز بن تركي العطيشان رئيس مجلس إدارة مجموعة العطيشان الهندسية، عبد العزيز بن محمد العجلان رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض والدكتور المهندس بدر إبراهيم السعيدان مدير عام شركة آل سعيدان للعقارات كمتحدثين في الملتقى.

محاور الملتقى

يتناول الملتقى محاور عديدة أهمها: كيفية تعزيز الاستثمارات في مجال العقارات وبناء الوحدات السكنية تجاوبا مع الاحتياجات المتزايدة للمساكن، وكيفية تطوير مبادرات عقارية تستجيب لاحتياجات وقدرات شرائح الشباب وذوي الدخل المحدود للمسكن الميسر، وعدم الاستفادة من تراكم الخبرات الفنية والهندسية في تصميم وحدات سكنية قليلة التكلفة وتلاءم خصوصية المجتمع السعودي.

من جانب آخر يلعب القطاع العقاري دورا مهما في الاقتصاد السعودي غير النفطي، حيث بلغت قيمة الصفقات العقارية التي تم تنفيذها خلال عام 2004 مشتملة على مبيعات الوحدات القائمة نحو 900 مليار ريال، ونجد أن قوى الطلب المحلي وليست عمليات المضاربة باتت تلعب الدور الرئيسي في تحديد حركة واتجاه سوق العقارات في الآونة الأخيرة، بينما وفرت عوامل الاقتصاد القوي والنمو السكاني الأساسية الدافع الرئيسي للنمو في هذا القطاع.

الجدير بالذكر أن الوحدات السكنية تستحوذ على 75 في المائة من إجمالي النشاط العقاري في المملكة، وستكون هناك حاجة لاستثمار 75 مليار ريال سنوياً من أجل استيفاء الطلب السنوي على الوحدات السكنية حتى عام 2020م.

هذا وقد بلغ معدل النمو السنوي في أسعار العقارات 13.7 في المائة في المتوسط بين عامي 2002 - 2005، بينما راوح عند معدل 16.5 في المائة بالنسبة للأراضي و12.5 في المائة بالنسبة للمباني التجارية المعدة للاستخدامات المكتبية، خلال الفترة نفسها. ويتوقع أن تشهد شركات المقاولات والتطوير العقاري الكبيرة تدفقات نقدية مستقرة، وأن تواصل نموها في الوقت الذي تتحول فيه صناعة العقارات في المملكة إلى التركيز على المشروعات الكبيرة.

التشخيص والحلول

كل ما حدث أثناء جلستنا على أحد المقاهي نقلته هاتفيا للخبير الاقتصادي الدكتور خالد الخضر الذي ابتسم من طريقة الطرح واصفا إياها بأنها بالجديدة على الأقسام الاقتصادية في إعلامنا فقال: أتكلم دائماً وفي كل المناسبات أن دائرة الاقتصاد هي جزء من كل وأن أي تأثير يطرأ على الدوائر الأخرى السياسية والاجتماعية والأمنية يؤثر تأثيراً مباشراً وغير مباشر في هذه الدائرة، وأن داخل دائرة الاقتصاد كذلك هناك تأثير تتابعي فالجزء يؤثر على الكل والكل يتأثر بالجزء وعالم العقار هو أحد عناصر أجزاء تلك الدائرة. وإذا أردنا أن نختصر الأسباب المؤدية للعقار كأصول أو القيمة التأجيرية وهما سببان متصلان ببعضهما وإن كنا هنا سنتطرق إلى قضية الإيجار بشكل متصل فإن الأسباب المؤدية لتلك الزيادة في تقديري وهي كثيرة ومتنوعة ومترابطة سواء من خلال الاقتصاد الجزئي أو الاقتصاد الكلي وسواء على مستوى التأثير المنطقي أو التأثير العالمي إلا أنني هنا سأجملها بعدة نقاط:

* احتكار مجموعة من التجار للأصول العقارية كالمجمعات والمنازل والبيوت والدكاكين وبالتالي يؤدي هذا الاحتكار إلى تحكم فئة من الناس بقضية الأسعار دون مراعاة الغالبية العظمى من الناس وبالتالي يكون هناك انتهاك لقوانين الأسعار ومجالا للمزايدات والتضخم.

* ضيق قنوات الاستثمار في البلاد العربية مما يؤدي إلى تهافت الناس على قناة العقار والتي يراها كثير من الناس أنها القناة الوحيدة الآمنة والتي تعطي الخير الكثير بالجهد القليل وبالتالي فمعظم أصحاب رؤوس الأموال يتوجهون إلى تلك القناة لضمان أرباحهم وتنشيط استثماراتهم، حتى أن أحدهم قال لي عندما باع أرض بلغت المليار ريال ما رأيك أين أذهب بهذا المال فوالله لا أجد قناة آمنة غير تلك القناة وهذا يعني أن ازدحام وتهافت الناس على تلك القناة وعدم وجود البدائل الأخرى يجعل منها قناة تحتكر لأصحاب رؤوس الأموال الذين بدورهم يتحكمون بمقاييس الأسعار والأجور..

* هناك مضاربة واضحة في العقار مثله مثل أي سوق آخر فالمضاربات العقارية تشهد هذه الأيام زخماً كبيراً وبالذات بعد سقوط سوق الأسهم وابتعاد الكثير من الناس عن هذا السوق وبالتالي فإن تلك المضاربة تؤدي إلى زيادة في الأراضي وبالتالي زيادة في قيمة الأصول يتبعها زيادة في الإيجار.

* ارتباط سعر صرف الريال بالدولار وبالتالي فإن الهبوط الذي يتعرض له الدولار أمام العملات الأخرى يؤثر على سعر الريال وبالتالي تقل قيمته الحقيقية اتجاه السلع المباعة بالعملات الأخرى ومن ثم زيادة في الأسعار ومنها مواد البناء وبالتالي زيادة أصول العقار ومن ثم زيادة الإيجارات بالتبعية.

* زيادة عدد ذوي الدخول المنخفضة الذين تقل مرتباتهم عن دخل شهري يعادل الخمسة آلاف ريال والذين لا يستطيعون الاقتراض من البنوك لتملك وحدات سكنية لهم، وبالتالي فإن البنوك كذلك تحجم عن إقراضهم نظير تدني مستوى دخلهم الشهري، مما يضطرهم إلى عدم تمكنهم من تملك وحدات سكنية وبالتالي يبحثون عن البديل الآخر وهو الإيجار مما يؤدي بالمحصلة النهائية إلى زيادة في الطلب مقابل العرض والذي يصب في مصالح التجار والفئة المتحملة في العقار سعرا وفائدة.

* مساهمة البنوك تعتبر في أضيق حدودها في قضية الاقتراض الشخصي وقد تكلمت عن هذا الموضوع بأكثر من مقام بأن إقراض البنوك في عملية التسهيلات المضبوطة تحت تأثير المعايير التي لا تضر بمصالح البنك وكذلك مصالح المواطن هي التي أنادي فيه، ولكن يؤدي هذا الإحجام في الإقراض إلى تقليص العدد الذي يريد أن يتملك المسكن وبالتالي نقع في دائرة ومشكلة القضية الإيجارية.

* وكذلك من المشاكل التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الإيجارات عدم وجود ضوابط تحكم نسبة الارتفاع السنوي مثلها مثل بعض الدول التي سبقتنا في هذا المجال، وإن كنت كرجل اقتصادي أعلم أن أحد مساوئ الاقتصاد الحر وهو كثير الإيجابيات عدم التدخل في قضية تحديد الأسعار وبالتالي يكون هناك حرية في معادلة العرض والطلب إلا أنني أتمنى أن يكون هناك تدخل مؤطر يدعم هذا التوجه ولا يضره.

* ارتفاع أسعار البترول في السنتين الأخيرتين والذي أدى بدوره إلى ارتفاع في بعض السلع والتي تتأثر بارتفاع البترول والتي لها علاقة ببعض مواد البناء مما أدى إلى ارتفاع في قيمة الأصول العقارية وكذلك القيمة الإيجارية.

* غياب البرامج العلمية التي تتبنى البرامج الشعبية الإسكانية للمواطنين أصحاب الدخول المحدودة بأسعار وشروط سهلة التسديد وبأطر علمية ومنهجية.

* غياب دور البنك العقاري بالشكل المطلوب وأهمها المبلغ المحدد للاقتراض وهو متدنّ جداً وكذلك المدد الزمنية التي تزيد على عشرين سنة في بعض الأحيان التي تجعل من الجميع أناسا محجمين عن البحث عن القرض.

أما الحلول في تقدير فهي نستطيع أن نستمدها من بعض المشاكل والعوائق السابقة الذكر.

* أن يكون لوزارة التجارة ووزارة الإسكان والوزارات ذات العلاقة دور فاعل في عملية التحكم في قضية الارتفاعات غير المبررة وأن يكون هناك شروط وجزاءات على من يخالف تلك التعليمات.

* الاستفادة من الميزانيات الكبيرة خلال السنين الماضية ووضع مخصصات تقوم بها الدولة لبناء أحياء ومساكن للطبقة الشعبية والطبقة المتوسطة بأسعار معقولة وبشروط ميسرة وبكفالات منطقية.

* الهجرة المعاكسة وأقصد هنا أن لا يكون هناك تكدس سكاني في مدن الجذب والمدن المركزية والقطبية ويتم هذا من توسيع دائرة فتح المصالح الحكومية والجامعات والمستشفيات والمعاهد التي تجعل من القادم من المدن الصغيرة إلى الكبيرة أن يبقي بهذه المدن وبالتالي يكون لدينا هجرة معاكسة للمدن الصغيرة والقرى مما يحقق الضغط ويقلل السعار السعري.

* رفع سقف اقتراض البنك العقاري وتقليل المدة الزمنية إلى أضيق المدد بحيث لا تتجاوز شهرا لمنح الاقتراض ويجب أن لا يقل القرض عن تسعمائة ألف ريال ويكون الراتب هنا هو الضامن لتمكن الدولة من استرداد تلك القروض ويستفيد منها الجميع.

* يجب أن تقوم البنوك بالدور المأمول منها وقضية التفاعل الإيجابي في القروض الشخصية تجد معيارية الضبط والربط.

* أن تنشئ وزارة التجارة جهازا متخصصا في مراقبة جميع الزيادة غير المبررة وسعياً منها لتسهيل تلك النظم والقوانين.

وفي النهاية يظل هذا الملف مفتوحاً مع استمرار الارتفاعات الهائلة في الإيجارات كما يستمر السؤال المطروح في الباية ..إلى أين تتجه إيجارات المساكن والمكاتب في المملكة؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد