Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/09/2007 G Issue 12764
الاقتصادية
الأحد 27 شعبان 1428   العدد  12764
تصحيح المسار غير الطبيعي !!
د. حسن الشقطي

بات وضع سوق الأسهم من الأمور المحيرة للجميع.. فمنذ أن كسر المؤشر مستوى الـ 20 ألف نقطة وهو كالبحر الهائج الذي لا يهدأ، (كل يوم مستوى هابط جديد) وما إن يهدأ لفترة قصيرة حتى يعاود هيجانه من جديد.. وقد بدأت مع رحلة هيجان المؤشر رحلة أخرى هي رحلة الإصلاح التي قادتها هيئة السوق المالية..

تلك الرحلة الطويلة التي تخللها كثير من الإصلاحات والتعديلات والتقويمات وأحياناً العقوبات.. وقد استهدفت هذه الإصلاحات إجمالاً تصحيح المسار غير الطبيعي للمؤشر والسوق ككل.. فضلاً عن استهدافها جذب سيولة استثمارية جديدة من مصادر أخرى غير سيولة المتداولين الحاليين لكي تشارك وتخفف من وطأة التصحيح على المتداولين الحاليين العالقين.. ورغم الإنجازات التي تحققت في كثير من أركان وجوانب السوق.. إلا إنه تلاحظ مدى الانخفاض الكبير الذي يصيب السيولة اليومية المتداولة من يوم لآخر، حيث انحدرت هذه السيولة من مستوى 40.9 مليار ريال في بداية فبراير من العام الماضي حتى مستوى 21 ملياراً في نهاية عام 2006، ثم انحدرت إلى ما يقل عن 10 مليارات في المتوسط خلال الشهرين الأخيرين. وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول مدى تأثير القرارات الجديدة التي اتخذتها هيئة السوق لجذب السيولة الأجنبية سواء للخليجيين أو المقيمين.. بالتحديد ما مدى نجاح هذه القرارات؟

قرارات جذب السيولة

لقد بدأت هيئة السوق بتحفيز واستدعاء السيولة المحلية أولاً باتخاذ إجراءات لحث رجال الأعمال والمستثمرين المحليين لضخ سيولة جديدة تخفف من حدة هبوط المؤشر في مساره التصحيحي. ورغم الإعلان عن بعض المبادرات الفردية ورغم ضخامة الأرقام التي تم الإعلان عنها، إلا أن تلك المبادرات لم تحقق شيئاً، بل إنها أثارت حركة شراء قوية من صغار المستثمرين وتركتهم عالقين من جديد عند مستويات مرتفع

وبجانب هذه المبادرات كان لا بد من البحث في وسائل وإجراءات أكثر فعالية لجذب سيولة استثمارية حقيقية وجديدة، تمثلت هذه الوسائل حتى الآن في ثلاثة قرارات رئيسية، هي:

1 - السماح للمقيمين بالاستثمار المباشر في الأسهم السعودية في 21 مارس 2006م.

2 - تنظيم تداول الأشخاص الاعتباريين من دول مجلس التعاون في 7 أغسطس 2006م.

3 - السماح للخليجيين بالتملك والتداول الحر لجميع الأسهم في السوق مؤخراً.

السماح للمقيمين

بالاستثمار في الأسهم

لا يخفى أن الجميع كانوا يعولون على القرار الأول والذي نص على السماح للمقيمين بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم تحت اعتبار أن بعض هؤلاء المقيمين قد استقر شبه نهائي في المملكة.. وبعضهم ربما ليس له موطن آخر سوى المملكة، وبالتالي فكل مدخراتهم تبحث بالفعل وراء قنوات استثمارية فعالة.. وبالطبع ذهبت التوقعات وراء التنبؤ بضخ مليارات جديدة من مدخرات هؤلاء المقيمين.. إلا أن إخفاقاً شديداً أصاب الجميع عندما فشلت هذه التنبؤات ولم تتحرك سيولة المقيمين إلا في أضيق الحدود لدرجة أن نسبة المقيمين الذين استثمروا في سوق الأسهم يقال إنها لم تتجاوز حتى الآن 2% من إجمالي عدد المقيمين (تقدير شخصي).. وهذه النسبة غالبيتها دخلت من خلال صناديق الاستثمار.

بل ما هو أسوأ أن الفئة التي تحفزت للاستثمار من المقيمين في سوق الأسهم إنما هي فئة العمالة الماهرة التي تستثمر بشكل احترافي، الأمر الذي نجم عنه ضخ سيولة ضئيلة جدا من مدخرات المقيمين، فضلاً عن دخول شريحة محترفة ربما زادت من حدة الضغوط على صغار المستثمرين نتيجة زيادة هوة الفجوة المهاراتية بينهم وبين المستثمرين الجدد من المقيمين. إن الاخفاق الشديد في استجابة المقيمين إنما نجم عن التأخر في صدور هذا القرار.. فلو افترضنا أن قرار السماح للمقيمين صدر في يناير 2006 لكان من المؤكد أنه حتى العمالة العادية من المقيمين بمدخراتها الصغيرة في المملكة كانت ستتجه وبقوة للاستثمار في الأسهم في ظل طفرتها آنذاك.. فلو افترضنا أن نحو 500 ألف مستثمر من المقيمين دخلوا السوق في أوج طفرته.. ربما لخفت الضغوط الحالية على المستثمرين المحليين نتيجة لتوزع حجم الخسائر على عدد أكبر من المستثمرين.

السماح للخليجيين

رغم إخفاق التوقعات بشأن استثمارات المقيمين إلا أن ذات التوقعات ساقت تنبؤات أكثر تفاؤلية على قرارات السماح بالتداول للشخصيات الاعتبارية ومن بعدها الشخصيات الطبيعية الخليجية والتي تلاها مؤخراً السماح بالتملك الحر، وبالنسبة للقرارين الأولين فلم ينتج عنهما تفاعل إيجابي ملموس.. فالسوق ظل يتحرك في مساره الهابط حتى فترة ما قبل بداية يوليو بلا دليل على دخول سيولة استثمارية حقيقية جديدة للسوق.. والآن يعول كثير من المحللين من جديد على ضخ سيولة جديدة وحقيقية في ضوء السماح للخليجيين بالتملك والتداول الحر في الأسهم كافة.. فهل يحدث ذلك؟

هل أخفقت قرارات جذب السيولة؟

في الحقيقة هو ليس إخفاقاً ولكنه إبطاء في الاستجابة، ولكنها في عُرف هيئة سوق المال ربما تترجم كإخفاق لأن هذه القرارات كانت تستهدف تحقيق أهداف معينة خلال فترة زمنية معينة وهي لم تحدث.. ومع ذلك، فإن هذه القرارات في الحقيقة لم تفشل ولكن استجابة الأطراف الموجهة إليها قد تأتي ببطء نتيجة احترافية هذه الأطراف التي ارتأت التمهل في الاستجابة حتى التيقن من انتهاء المسار التصحيحي.. فالهيئة عولت على هذه الأطراف الأجنبية في إنهاء هذا المسار التصحيحي في زمن أقل.. في حين عولت هذه الأطراف (الخليجيون والمقيمون) على إنهاء الهيئة لمسارها التصحيحي حتى تفكر هي في الدخول للاستثمار في السوق.. فكلاهما ينتظر الآخر.. بالطبع إن المسار سائر بهم وبدونهم.. ورغم تفسيرنا للإخفاق بإبطاء الاستجابة.. فإن السبب وراء الإخفاق هو التباطؤ في إصدار هذه القرارات الجديدة.. حيث كان ينبغي صدورها في عز التفاؤل.. مثلها مثل المساهم الذي يرغب أن يبيع يجب أن يبيع في عز التفاؤل ويشتري في وقت التشاؤم.. ولكن ما حدث أن قرارات السماح لأطراف جديدة للاستثمار في السوق والتي تعد بمثابة قرارات لبيع الأسهم عليهم.. إنما جاءت في عز أزمة السوق.. وبالتالي أخفقت في تسويق ما تمتلكه على أطراف لا تزال تنتظر وتترقب الشراء ولكن في أوقاتها الخاصة..

قرار تعديل فترة التداول !!

عندما نتحدث عن ضعف في السيولة.. فينبغي التأكيد على أن عدم النجاح في جذب سيولة الخليجيين أو المقيمين ليس هو السبب وراء هذا الضعف.. ولكن في الحقيقة فإن هذا الضعف بدأ يظهر مع تنفيذ قرار تعديل فترة التداول في السوق في 26 سبتمبر 2006م.. ذلك التعديل الذي ألحق ضرراً بسيولة الفئة الرئيسية في السوق وهي فئة الموظفين، وبخاصة في القطاع الحكومي.. هذه الفئة أصبحت غير قادرة على متابعة السوق إلا في أوقات خاصة خلال فترة ما بعد الساعة الثانية ظهراً تقريباً.. أكثر من هذا فإننا نسمع يومياً عن تشديد العقوبات في الجهات الرسمية وشركات القطاع الخاص لكي يتم التأكد من أن الموظفين بها لا يتداولون في الأسهم أثناء فترة دوامهم الرسمي.. كل ذلك تسبب في تجميد قدر مهم من سيولة الموظفين..

أخيراً، فإنه مما لا شك فيه أن السعي لعلاج تراجع السيولة ينال أهمية كبرى في السوق، وبخاصة مع معرفة مدى ضخامة الشركات التي تنتظر طرحها في السوق.. ولذلك، فهناك ضرورة تستوجب مع التفكير في الخارج.. تستوجب إعادة تقييم الوضع الداخلي والذي ربما يستلزم حلولاً أكثر فاعلية، وبخاصة ما يرتبط بالسيولة المحلية التي ينبغي إتاحة كل التسهيلات المناسبة لتداولها.. بالتحديد، فإن العنصر القادر على جذب السيولة الأجنبية للخليجيين والمقيمين ليس تسهيلات هيئة السوق فقط، ولكن انتعاش حركة وتداولات السيولة المحلية ذاتها.

محلل اقتصادي

محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد