الرياض - عبدالله البديوي
شهدت تداولات الأسبوع الماضي في سوق الأسهم السعودية موجة جني أرباح قوية طالت جميع الأسهم المدرجة، وخسر في ضوئها مؤشر السوق أكثر من 450 نقطة من أعلى قمة وصلها عند النقطة 8310 وهي التي سجلها في الساعة الأولى من تداولات الأحد الماضي، ودخل بعدها السوق في موجة هبوط مظلي أدت إلى كسر المؤشر عدداً من نقاط الدعم، خصوصاً نقطة الدعم النفسية الواقعة عند (8000).
ولعل الشرارة الأولى في الهبوط الحاد كانت عن طريق أسهم شركات التأمين حديثة الإدراج، وهي التي شهدت خلال الشهرين الماضيين موجة ارتفاع حادة تجاوزت مكاسب الكثير منها نسبة 100% في وقت قياسي، بل إن شركة ملاذ للتأمين ارتفعت خلال شهر واحد من سعر 50 ريالاً إلى 154 ريالاً متجاوزة في ارتفاعها نسبة 200% وهي نسبة قياسية لم يسبق لإحدى شركات السوق تحقيقها منذ مطلع العام الحالي 2007م.
ولم تكن شركة ملاذ هي المتفردة في نسب الارتفاعات القوية والمتتالية من شركات القطاع؛ فقد حققت شركات ميد غلف والأهلي تكافل وساب تكافل وسلامة للتأمين نسب ارتفاعات تراوحت بين 120 و180 % حتى أصبح من الطبيعي والمعتاد للمستثمرين في السوق مشاهدة خمس أو ست شركات من شركات التأمين الجديدة تعانق النسب العليا بشكل يومي. ومن المستغرب حقيقة أن تصبح شركات التأمين حديثة الإدراج أعلى الشركات في السوق من حيث السعر السوقي متجاوزة بشكل قوي أسعار الشركات القيادية الرابحة في قطاعات البنوك والصناعة والأسمنت، بل إنها تجاوزت في قيمتها السعرية شركة التعاونية للتأمين، وهي الشركة الناجحة مالياً، والأقدم تاريخاً في هذا القطاع.
الارتفاع الحاد والمتوالي في شركات التأمين لم تكن له مبررات مقبولة مالياً؛ فالشركات حديثة التأسيس، ولم تبدأ في تحقيق الأرباح، بل إنها لم تنشر قوائم مالية حتى الآن، وهذا ما يؤكد أن السبب الرئيسي في تضخم وارتفاع أسعار تلك الشركات كان بدافع وحيد هو المضاربة، تلك المضاربة العشوائية التي سببت توتراً لدى الكثير من المستثمرين، وقلقاً من أن تؤثر سلباً في مستقبل السوق، وهو ما دعا هيئة السوق المالية إلى أن تستفسر من أكثر من شركة من تلك الشركات عن وجود أخبار أو معلومات تهم المستثمرين، بل إن هيئة السوق قامت بعد ارتفاع شركة ساب تكافل بإعلان هو الأول من نوعه تؤكد فيه أن الإدارة المختصة في هيئة السوق تعمل على التدقيق في التعاملات التي جرت على أسهم الشركة، وربما يصدر في المستقبل بيان عن نتائج هذا التدقيق، وهذا يدل بشكل واضح على أن هيئة السوق المالية لا ترضى بوجود ممارسات خاطئة تضرّ بمصلحة السوق بشكل عام أو تلقي بظلال سلبي على مستقبله. ويبدو أن كبرى السلبيات التي يواجهها السوق في الفترة الأخيرة هي المضاربة العشوائية، ويكفي ما صنعته هذه السلبية بالسوق قبل انهيار فبراير الشهير.
ولعل صغر أحجام تلك الشركات المدرجة في قطاع التأمين وقلة الأسهم المتداولة فيها قد أغرت سيولة المضاربين الذين وجدوا سهولة مطلقة في التحكم بتلك الشركات ولم يواجهوا صعوبة في إيصالها إلى تلك الأسعار. ويكفي أن نعلم أن مجموع الأسهم المتداولة في 7 شركات في هذا القطاع (هي شركات: سابت تكافل، سلامة، الأهلي تكافل، أسيج، السعودية الهندية، إليانز إس في)، أقل من الأسهم المتداولة في إحدى الشركات الصغيرة مثل: صدق أو الأحساء أو جيزان أو غيرها، بل إن قطاع التأمين كاملاً لا تتجاوز عدد الأسهم المتداولة في إحدى شركات السوق المتوسطة مثل شركتي مكة والتصنيع الوطنية.
وأدى وجود السيولة المضاربية في قطاع التأمين إلى هدوء واضح في أسهم المضاربة القديمة، وأصبح التذبذب في أسهم شركات القطاع الزراعي وأسهم الشركات الصغيرة في قطاعي الخدمات والصناعة محدوداً، وفي نطاق ضيق مع قلة نسبية في أحجام التداول على تلك الأسهم؛ مما يعني أن إدراج شركات التأمين وحدة المضاربة عليها أثر بشكل سلبي في هذه الأسهم؛ وبالتالي تناقص شعبيتها عند المضاربين.
ولأن لكل فعل ردة فعل معاكسة له بالاتجاه؛ فقد بدأت شركات التأمين الدخول في موجة جني أرباح قوية تسببت في وصول أكثر من ثلاث شركات منها إلى النسب الدنيا يومي الأحد والاثنين الماضيين، ولم تكن موجة الهبوط مقتصرة على أسهم التأمين، كما هو حال الارتفاع؛ فقد سحبت معها شركات السوق الأخرى التي تسابقت لاكتساء الرداء الأحمر وخسارة معظم ما اكتسبته خلال موجة الصعود، ويبدو أن هناك إشارات مسبقة لنزول السوق كان أوضحها ارتفاع القطاع البنكي بشكل سريع، خصوصاً ما كان في سهم الهولندي الذي ارتفع 32% خلال ثلاثة أيام فقط.
ويتوقع الكثير من المحللين والمراقبين في السوق أن يتوقف نزيف النقاط هذا الأسبوع، وأن يبدأ السوق في التقاط الأنفاس بالتذبذب الهادئ قبل معاودة الصعود من جديد، مؤكدين أن هذا النزول كان مجرد جني أرباح لتهدئة المؤشرات المتضخمة وليس استمراراً لموجة التصحيح التي هبطت بمؤشر السوق من مشارف نقطه الـ21 ألفاً، وأن السوق لا يزال في المسار الصاعد الذي ابتدأه منذ نحو ثلاثة أشهر منطلقاً من النقطة 6900 وصولاً إلى (8310).
ولا تزال توقعات المحللين متفائلة بعودة المؤشر إلى المسار الصاعد، وأن موجة جني الأرباح على وشك نهايتها لم تأت من فراغ، بل كانت مدعومة بعدد من الدلائل على صحتها. ولعل من أهم الإشارات على نهاية النزول وجود عمليات شراء حقيقية يوم الأربعاء الماضي على عدد كبير من الأسهم التي وصلت إلى مستويات سعرية مغرية مع هبوط واضح في أحجام التداول. وكما هو معروف فإن هبوط أحجام التداول دلالة إيجابية إذا كان بعد نزول للسوق. ويراهن هؤلاء المحللون على أن التصحيح قد انتهى منذ كسر المؤشر للمسار الهابط، ويستدلون على ذلك بالسيولة الشرائية التي شهدتها الأسهم القيادية (سابك والاتصالات) وأسهم شركات البنوك، وهي السيولة التي رفعت أحجام تداولات هذه الأسهم أكثر من 40%، هذه السيولة لم تخرج حتى الآن، ولم يكن هدفها مضاربة وقتية؛ لأن المضاربة الوقتية مسألة صعبة جداً في هذه الأسهم، فيما يتوقع عدد من المحللين الفنيين ألا يكسر المؤشر نقطة الـ7800 وهي النقطة التي لا يفصله عنها سوى 54 نقطة.
وعموماً فإن من الواضح أن لكل هبوط قوي في السوق شرارة تسبقه، وكما كانت الكهرباء شرارة هبوط مايو 2004 وكانت الأسهم الزراعية شرارة هبوط يونيو 2005 وتكفلت بيشة الزراعية بأن تكون شرارة انهيار فبراير 2006 فها هي أسهم التأمين تتطوع عام 2007 لتدخل ضمن قائمة الأسهم التي تسببت في نكبات السوق.