تلجأ الدول والكيانات السياسية عندما تصل إستراتيجيتها إلى مرحلة الإفلاس إلى تصرفات لامسئولة تحاول من خلالها تحريك الواقع وإثارة الأحداث لإخراج نفسها من جمود الظرف الذي تمر به. ما أقدمت عليه إسرائيل من انتهاك للأجواء السورية وتحليق طيرانها به أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه تصرف أخرق وتحرش بليد لا يخرج إلا من جعبة المتغطرسين وأجلاف المنطقة المحتلين. لقد أصبح الإسرائيليون بمثابة كمن مشى على الرمضاء طويلاً ولم يعد بإمكانه العودة أو المواصلة، فغطرستهم تمنعهم من الرضوخ لخيارات السلام، وإصرار الشعوب ومنافحتها عن حقوقها تقف في وجهة تطلعاتهم الاستعمارية والاستيطانية. ولعل هذا هو التفسير الوحيد لمثل تلك التحرشات والمناكشات التي لا تفتأ إسرائيل في إطلاقها من حين إلى آخر هنا أو هناك.
منطقة الشرق الأوسط بحساسيتها واستعدادها الفطري للانفجار في أي وقت لم تعد تحتمل مثل هذه التصرفات من جيش الدفاع الإسرائيلي الذي ليس له من اسمه نصيب، بل إن أردنا أن نصيب قلب الحقيقة فيجب أن نطلق عليه جيش الاندفاع وليس الدفاع، ذاك الجيش الذي أُسس وكُون على رزمة من قناعات ومبادئ الغزو والاحتلال والبطش وضرب الأعراف والقوانين الدولية بعرض الحائط. لقد اسقطت الجهود العربية المتتالية لأجل إرساء السلام والتي كان آخرها مبادرة السلام العربية ورقة التوت عن أدعياء تل أبيب ومناصريهم الذين لا يفتؤون يطلقون الكذبة تلو الأخرى ويؤكدون أن إسرائيل هي واحة الديمقراطية المحاطة بغابة الديكتاتوريات المتعطشة للقضاء عليها وتدميرها، بينما تعمى أعينهم عن مشاهدة الحقيقة التي توضح أن إسرائيل وسياساتها الاستعمارية والاحتلالية هي الخطر الداهم على المنطقة وعلى السلم والأمن الدوليين، خصوصاً وأن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من السعي للسلام وأنها تشهد جهوداً حميمة لأجل إرساء قواعده التي أصبحت أهم مهدداتها سياسات إسرائيل التحرشية التي لا تمل في إطلاقها، إما للخروج من مأزق داخلي في المجتمع الإسرائيلي أو لتحريك سواكن الأحداث الدولية لصالحها.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244