د. حسن الشقطي
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع خاسراً نحو 373.3 نقطة جراء هبوطه بنسبة 4.5%. وقد تسبب المسار الهبوطي الذي اكتست به معظم أيام الأسبوع (باستثناء يوم الاثنين) في خلق حالة من القلق من معاودة المسار الهبوطي طويل المدى، وهو الأمر الذي تسبب في خلق عمليات بيعية تتسم ببعض العشوائية على معظم الأسهم المتداولة في السوق، سواء أكانت هذه الأسهم متضخمة أم غير ذلك، وحتى الأسهم القيادية لحق بها انخفاض ملحوظ. أكثر من هذا، فإن كثيراً من أسهم التأمين سواء الجديدة أو القديمة بدأت تلحق بقطار النسب الدنيا للهبوط السريع. ويثير هذا الهبوط العديد من التساؤلات حول: لماذا هذا الهلع الكبير في السوق؟ أليس هذا الهبوط اعتيادياً؟ أليس كل صعود ينبغي أن يتخلله جني أرباح؟ هل يفترض أن يسير المؤشر على الدوام في صعود؟ ثم ألم تتحسن حالة السوق بعد كل هذه الإصلاحات لكي يتمكن من امتصاص مثل تلك التحركات (تحركات القطيع) المثيرة للهلع، أم أن السوق بات يمتلك مشكلات جديدة غيرها؟
خسارة 373 نقطة
بدأ المؤشر رحلته هذا الأسبوع على هبوط يوم السبت خاسراً 154 نقطة، تلاها هبوط ثانٍ يوم الأحد خسر فيه 86 نقطة، وارتد يوم الاثنين ليربح 30 نقطة، ثم انتكس ثانيةً يوم الثلاثاء ليخسر 139 نقطة، وأخيراً خسر يوم الأربعاء 25 نقطة. باختصار، فإن المؤشر بإغلاقه عند 7854 نقطة هذا الأسبوع يكون قد خسر 373 نقطة أو ما يعادل 4.5%.
المؤشر رابح 6.2%
لقد أثارت حالة احمرار المؤشر هذا الأسبوع حالةً من الهلع لدى المتداولين بشكل تسبَّب في اندفاع كثير منهم إلى عمليات بيع عشوائية دونما مبرّر في حالات كثير من الأسهم ذات الأوضاع المالية الممتازة؛ فالانخفاض بدأ في بدايته كجني طبيعي لأرباح فترة طويلة من الصعود، إلا أن مخاوف استعادة المسار الهابط طويل المدى تتسبب في استطالة جني الأرباح المتباعد ليلتحم مع المسار الهابط الطويل الذي اعتاد المتداولون أحياناً على عدم رجوع المؤشر عنه ثانية.. ولكن هل لهذه المخاوف ما يبرِّرها فعلاً؟!
جني الأرباح
لقد بدأ المسار الصاعد منذ 44 يوماً، ربح المؤشر خلال الـ37 يوماً الأولى نحو 835 نقطة بنسبة 11.3%، ثم بدأت عملية جني الأرباح خلال الأسبوع الأخير بشكل أفقد المؤشر نحو 373 نقطة من مكاسبه؛ أي المؤشر ربح 11.3%، ثم خسر منها 5.1%، وبالتالي فهو لا يزال رابحاً 6.2%، بل إنه حتى على مدى الثلاثين يوماً الأخيرة لا يزال المؤشر رابحاً 2.8%. وعليه، فإن ما حدث حتى يوم الأربعاء الماضي هو بمثابة جني أرباح طبيعي ومعتاد، ويفترض أن لا يثير كل هذه المخاوف التي شهدها السوق.. ولكن لماذا كل هذا الهلع؟
ما مبرِّرات الهلع لدى المتداولين؟
منذ البداية تم الاتفاق بين الجميع بما فيهم هيئة السوق على أن المشكلة الرئيسة للسوق هي ضعف عمق السوق، وبالتالي سهولة احتكاره. وكان يمتزج مع هذه المشكلة ضخامة حجم السيولة المتداولة في السوق بشكل يفوق حجم المعروض من الأسهم. ولكن الآن بعد مرور 560 يوماً تقريباً فإن الوضع تغيّر تماماً؛ حيث ارتفع عدد الشركات المتداولة من 78 شركة إلى 105 شركات؛ مما زاد من عمق السوق نسبياً. ولكن من ناحية أخرى، برزت مشكلة أخرى أكثر تعقيداً تتمثل في اضطراب السيولة في السوق، فكيف يعاني السوق من ضخامة السيولة المتداولة في أوقات معينة ويعاني من ضعفها في أوقات أخرى؟ أي كيف يعاني السوق من قوة السيولة وضعفها في آنٍ واحد؟!
التحدِّي الرئيس في السوق
في اعتقادي أن هيئة السوق المالية حالياً تواجه معضلة حقيقية تتمثل في اضطراب السيولة المتداولة، فلا هي ضعيفة وتحتاج إلى تعزيز خارجي، ولا هي قوية وقادرة على تغطية الاكتتابات الجديدة دون اضطراب في المؤشر. إن حجم المعروض النقدي الضخم في السوق المحلي، وأيضاً حجم الثروة الاستثمارية المتاحة لدى المستثمرين، وكذلك حجم المدخرات الشخصية لدى الأفراد، جميعها عناصر عالية وقوية ولا يختلف عليها اثنان، ولكن تحركات كل هذه السيولة هي محلّ نظر؛ فعلى رغم ضخامة السيولة النقدية إلا أن حجم السيولة المتداولة في السوق يمكن أن تواجه ضعفاً أو فتوراً شديداً في أي لحظة بشكل قد يزعزع استقرار المؤشر، وذلك للأسباب التالية:
1- حرمان السوق من نسبة مهمة من سيولة الموظفين نتيجة تغيير فترة الدوام، وهي من أقوى الأسباب وراء غياب وضعف سيولة صغار المستثمرين.
2- تآكل سيولة قدامى المستثمرين نتيجة الخسائر الكبيرة للمؤشر.
3- اعتماد كبار المستثمرين على أسلوب المضاربة الخاطفة من خلال الدخول والخروج اللحظي والسريع من السوق وإليه.
4- تراجع حالة الإقدام لدى المستثمرين الجدد نتيجة المخاوف من عودة المسار الهابط الطويل.
5- طرح الاكتتابات الجديدة التي تمتص قدراً ملحوظاً من السيولة من حين لآخر.
لكل ذلك، فإن هذه السيولة تتحرك جملة واحدة في أوقات الانتعاش، وبالتالي تتسبب في مبالغة في صعود المؤشر، كما أنها تختفي وتزول في أوقات الكساد، وبالتالي تظهر فراغات شرائية تسبب في هبوط قوي ومتتالٍ للمؤشر؛ فهيئة السوق أوقفت الاكتتابات ربما حتى تلتقط السيولة أنفاسها، وبالتالي لا تتسبب في انتكاسة كبيرة للمؤشر، ومن ثَمَّ يتمكن السوق من تغطية الأطروحات الجديدة المقبلة.
قطاع التأمين يخسر 15.3%
لم يضرب هبوط المؤشر قطاعاً مثلما ضرب قطاع التأمين هذا الأسبوع، بل إن مخاوف المستثمرين في هذا القطاع ربما كانت أعلى من غيرها من القطاعات؛ فقد عاد الانخفاض بالنسب الدُّنيا (-10) للظهور من جديد في تراجعات أسهم التأمين، وقد خسر قطاع التأمين ككل (باستثناء سايكو) نحو 15.3%، بل استحوذت خسائر شركات التأمين على مرتبة الشركات الخمسة الأعلى خسارة في السوق؛ حيث خسرت الهندية 25% وساب تكافل 24% وإليانز 22% والأهلي تكافل 21% وميد غلف 19%. الغريب أن الشركات الأربعة الأولى من الشركات الأحدث طرحاً في السوق ككل.. وهنا نتساءل: إذا كانت شركات التأمين قد خسرت كل هذه الخسارة في أيام معدودة وفي ظل جني أرباح طبيعي للسوق وفي ظل هبوط المؤشر بنسبة ليست كبيرة هذا الأسبوع، فكيف سيكون حال هذه الأسهم إذا حدث هبوط نتيجة مسار تصحيحي هابط طويل؟ إن المنطق يوجب القول: إن شركات التأمين حديثة النشأة قد تثير هلعاً كبيراً في المستقبل ما دامت أسعارها السوقية بعيدة عن مستوى الـ50 ريالاً؛ لأن هذه القيمة بالكاد تمثل السقف الذي يمكن قبوله لها، وبخاصة أن بعض هذه الشركات لا يزال يخطط لتحديد شرائحه السوقية.
حيرة المستثمرين
في أوقات التفاؤل والانتعاش لا يفكر أيّ من المستثمرين في تحليل ولا تقييم ولا مؤشرات مالية ولا غيرها؛ فالجميع غالباً ما يكونون رابحين سواء في هذا السهم أو ذاك كلّ بطريقته، ولكن ما إن يأخذ المؤشر مساراً هابطاً حتى تبدأ رحلة العناء والتقييم، ويجد كل مستثمر نفسه مضطراً للأخذ بالتقييم المالي، ومن ثم يجد نفسه هائماً أمام عشرات المؤشرات المالية المعقدة، وكل محلِّل يوصي بمؤشرات خاصة به، والحكيم منهم من يوصي بمؤشرين أو ثلاثة فقط.. فهذا هو مكرّر الربحية، وهذا هو مكرر القيمة الدفترية، وهذا هو العائد على الربح الموزع، وهذا هو مردود الربح الموزع، وغيرها الكثير والكثير. وإذا كان المستثمر يمتلك القدرة على التحليل المالي فقد لا يكون هناك مشكلة، ولكن ماذا يفعل ذلك المستثمر البسيط حتى وإن كان مؤهلاً جامعياً؟! فالجميع يتيهون في بحار الاختلاف فيما بين قراءة المؤشرات المالية للسهم الواحد، فعلى سبيل المثال مكرر ربحية سهم الكهرباء هو مكرر مرتفع (32.3 مرة)، في حين أن مكرر قيمتها الدفترية منخفض (1.02 مرة). العكس تماماً في حالة سهم الاتصالات؛ حيث إن مكرر ربحيته هو مكرر منخفض (11.3 مرة) ومكرر قيمته الدفترية (3.9 مرة) مرتفع نسبةً إلى الكهرباء.. أيّ السهمين أفضل مالياً؟ وبخاصة أن لكل مؤشر مدلولاً مختلفاً. ماذا يفعل المستثمر البسيط في مواجهة ذلك، خصوصاً لو أخذ في اعتباره بقية الخمسين مؤشراً تقريباً الذي تظهر في التقارير المالية؟! بالطبع لا حلّ سوى بالاعتماد على الوسطاء الماليين المختصين الذين ينبغي أن يتأكد كل مستثمر من أنهم يقومون فعلاً بتقييم مالي شامل يستقون منه توصياتهم، وليس بناءً على رؤاهم الشخصية.
المسار المتوقع للمؤشر
مما لا شك فيه أن السوق يتوقع أن يسير على حاله العادي خلال شهر رمضان الذي شارف على الاقتراب، ونقصد بحاله العادي أي دون اكتتابات جديدة، تلك الاكتتابات التي هي السبب الرئيس وراء مخاوف المتداولين. وعليه، فإن السوق خلال الفترة الزمنية القصيرة الممتدة من الآن حتى عيد الفطر المبارك إنما يحتمل أن يسير في المنطقة الخضراء ما بين 7392 حتى 8300 نقطة، إلا أن اختراقها لأعلى قد لا يكون متوقعاً، كما أن هبوطه عنها احتماله ضعيف، إلا أن هذا الكلام قد لا يصدق في التنبؤ بتداولات الثلاثة أيام الأخيرة من رمضان؛ نظراً إلى تجربة العام الماضي. أما ما يُثار عن نتائج أعمال الشركات للربع الثالث فإنما هو محض استغلال من كبار المضاربين لرفع أو الضغط على أسهم معينة في أوقات معينة لتحقيق مصالح معينة. ويتوقع أن يشهد السوق خلال بقية شهر سبتمبر بعض التذبذب داخل المنطقة المحددة عاليه نتيجة سريان الشائعات حول نتائج العديد من الأسهم القيادية في السوق.
محلل اقتصادي
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com