Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/09/2007 G Issue 12759
الاقتصادية
الثلاثاء 22 شعبان 1428   العدد  12759
الفقر في السعودية
فضل بن سعد البوعينين

في شهر رمضان الماضي نشرت بعض الصحف السعودية مآسي الفقراء في بعض القرى السعودية النائية، ونقلت عن بعضهم مطالبتهم المحسنين تقديم يد العون لهم وتوفير طعام الإفطار الذي عجزوا عن تأمينه لأسرهم الفقيرة..

أحسب أن هذا النوع من الفقر يندرج تحت تصنيف (الفقر المدقع) الذي بشر معالي وزير الشؤون الاجتماعية بالقضاء عليه قبل تسع سنوات من إعلان الألفية!.

أعتقد أن غالبية القراء على اطلاع تام بالخلاف السابق الذي حدث بين وزيري الاقتصاد والتخطيط ووزير الشؤون الاجتماعية حيال جزئية (القضاء على الفقر المدقع)؛ ففي حين يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية قضاء وزارته على الفقر المدقع بالكلية، يرى وزير الاقتصاد والتخطيط بأن (المملكة خفضت نسبة الفقر المدقع والجوع إلى النصف) عكاظ 25 إبريل 2007م.

محطة (العربية) الفضائية أعادتني إلى خلاف الوزيرين بعد أن عرضت تقريرين مصورين عن الفقر في السعودية الشهر الماضي.. مشاهد مؤلمة لفقراء السعودية نقلتها (العربية) لمشاهديها في أرجاء العالم. مجموعة من البشر تعيش في بيوت من الصفيح، تخشى على نفسها الوحوش البرية، لا تجد قوت يومها، ولا يتوفر لها الحد الأدنى من الخدمات.. أي أنه يمكن إدراج هؤلاء ضمن التصنيف العالمي للفقر المدقع الذي يقصد به (خط فقر الغذاء).. ويمكن أن يُضاف له خطوط الفقر الأخرى بدءاً من فقر الخدمات البلدية، السكن، العلاج والدواء، التعليم وانتهاء بفقر المساعدات الإنسانية وإستراتيجية (صندوق الفقر).

الفقر في السعودية أعلن عنه رسمياً خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، (ولي العهد آنذاك) من خلال زيارته الأحياء الفقيرة في قلب مدينة الرياض في رمضان من العام 1423 تلك الزيارة كشفت الغطاء عما تعانيه الأسر الفقيرة، أو المنسية، في السعودية، ورفعت الحرج عن تناول مثل تلك القضية الحساسة التي سيسألنا الله عنها {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}.

وأصدر الملك عبدالله العديد من القرارات المهمة التي يُرجى من خلالها القضاء على مشكلة الفقر في السعودية.. تم وضع الإستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر، وإطلاق الصندوق الخيري الوطني (صندوق الفقر).. اعتمدت ميزانية ضخمة قدرت بعشرة مليارات ريال خصصت للإسكان الشعبي، ورفعت مخصصات الضمان الاجتماعي بمستوى الضعف، والجمعيات الخيرية بنسبة 200 في المائة.. أطلق الملك عبدالله أضخم مشروعات الإسكان الخيري من خلال مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان الخيري.. وتمَّ اعتماد إنشاء 16000 ألف وحدة سكنية بمبلغ 2.4 مليار ريال، ثم توالت مشروعات الإسكان الخيري التي تقدم خدماتها للمحتاجين، كمشروع الأمير سلطان بن عبدالعزيز للإسكان الخيري، مشروع الأمير سلمان بن عبدالعزيز للإسكان الخيري وكثير من مشروعات الخير والمساعدات الإنسانية.

ومع كل هذه الجهود المشهودة، إلا أن مشكلة الفقر لا تزال قائمة، وما زال الضعفاء يتسولون الطعام، ويبحثون عن المأوى الكريم، والخدمات البلدية، التعليمية والصحية.. يبدو أن هناك خللا ما في أسلوب تطبيق إستراتيجية مكافحة الفقر.. لا يمكن أن يبقى هؤلاء الفقراء يعانون العوز لسنوات طويلة وبرامج مكافحة الفقر يعلن عنها أسبوعياً من خلال الصحف اليومية ومحطات التلفزة الرسمية.. يُفترض أن تبدأ خطط مكافحة الفقر بالفئات الأكثر فقراً وهو ما لم نره على أرض الواقع، اعتماداً على التقارير الصحفية التي تنقل تباعاً من موقع الحدث.

المتتبع للعدد الأسبوعي من (جريدة عكاظ) يجد بين صفحاتها الكثير من مآسي الفقراء وآلامهم التي عجزت عن مداواتها إستراتيجية مكافحة الفقر.. هناك هوة بين مشكلة الفقر الحقيقية وأسلوب معالجته.. لا ننكر أن لدينا واحدة من أضخم الميزانيات الموجهة لبرامج مكافحة الفقر، إلا أن المال يعجز أحياناً عن إيجاد العلاج الناجع للقضاء على مشكلة الفقر في غياب التخطيط والإرادة البشرية.

النية الصادقة، والإرادة القوية لخادم الحرمين الشريفين، الكامنة خلف كشف الستار عن مشكلة الفقر في العام 1423 وإطلاق إستراتيجية مكافحته، يجب أن تقابل بعمل دؤوب يمكن أن يصنع المعجزات من خلال الأدوات والميزانيات المتاحة، ويقضي على الفقر المدقع، والمطلق في مدة زمنية لا تتجاوز العام الواحد. كان من المفترض أن تتعامل وزارة الشؤون الاجتماعية (العمل والشؤون الاجتماعية سابقاً) مع هذه المشكلة منذ ظهورها وليس الآن.. لم تكن السعودية تشكو من ضعف الموارد، وميزانيات المعونات الإنسانية حتى نفاجأ بمثل هذه المشكلة.. الأمر على علاقة مباشرة بإدارة الأزمة، وتنفيذ الخطط، وأسلوب الإدارة والتنمية المتبع في بعض الوزارات التي أدت بطريقة مباشرة إلى بروز مشكلة الفقر وتفاقمها. الأمر في حاجة إلى تطبيق الأساليب غير التقليدية لمواجهة مشكلة الفقر وأزمة الفقراء، خصوصاً مع قرب دخول شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران.. أول الأساليب غير التقليدية تتبع التقارير الصحفية والتلفزيونية من أجل معالجة مشكلات الفقر التي تتحدث عنها تلك التقارير، والعمل على فتح فروع في المناطق والقرى النائية لصندوق الفقر، وتخصيص فرق لرصد الحالات غير المسجلة، وإجراء مسح ميداني شامل لجميع مناطق المملكة.. وأهم من ذلك أن يشرك أعضاء من الفقراء في لجان وإدارات صندوق الفقر، ووزارة الشؤون الاجتماعية، فالفقراء أكثر الناس قرباً ومعرفة بأحوال أقرانهم، وهم أكثر تفاعلاً مع خطط المكافحة من الأغنياء والمرفهين.

إمارات المناطق تتحمل جزءاً من المسؤولية في التعامل مع إستراتيجية مكافحة الفقر، فهم المسؤولون عن أوضاع المواطنين في مناطقهم، وهم المساءلون أمام الله ثم ولي الأمر عن أي تقصير تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية تجاه الفقراء القاطنين مناطقهم.. أتمنى أن تكون هناك قائمة بيانات لدى إمارات المناطق بالقرى، الأسر، والأفراد الفقراء، تبدأ بالأشد فقراً ثم الأقل وذلك لزيادة فاعلية خطط مكافحة الفقر والقضاء عليه.

الأغنياء وأصحاب الأموال، مساءلون أمام الله عن زكواتهم، وطريقة توزيعها العادلة بين الفقراء.. ويشير أحد الباحثين السعوديين إلى أن مجموع الزكوات المستحقة على أموال السعوديين في الخارج تقدر بـ20 مليار ريال، ترى لو دفعت هذه الأموال مباشرة إلى مستحقيها في السعودية، أو إلى الجهات الرسمية السعودية المنظمة لجمع وتوزيع الزكوات، فهل يبقى من فقير؟.

الفقر ليس عيباً، بل العيب في إخفاء حجمه الحقيقي، أو التقاعس عن إيجاد الحلول الناجعة للقضاء عليه رغم توفر الإمكانات المالية.. فالمكتب الأميركي للإحصاء، أعلن عن تسجيل أكثر من 36.5 مليون أميركي ممن يعيشون تحت خط الفقر، و47 مليوناً محرومون من أي ضمان صحي، إلا أنهم يعملون بجد لتقليص هذه الشريحة والقضاء عليها رغم استحالتها عطفاً على مكونات المجتمع الغربي الرأسمالي.. بقي أن أشير إلى أن مكتب الإحصاء الأميركي يعتبر من الفقراء أي أسرة تتألف من شخصين يقل دخلهما السنوي عن 13167 دولاراً (49300 ريال سعودي)! ولكم أن تقارنوا.



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد