Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/09/2007 G Issue 12759
الاقتصادية
الثلاثاء 22 شعبان 1428   العدد  12759
تساؤلات التصحيح !!
د. حسن الشقطي

منذ 26 فبراير من العام الماضي ضربت سوق الأسهم انتكاسة شديدة هوت بمؤشره العام من مستوى 20635 نقطة إلى مستوى 8073 نقطة حسب إغلاق السبت الماضي. وتظهر قسوة هذا التصحيح في القدر الكبير من الخسائر التي خلفتها هذه الانتكاسة بشكل بلغت معه خسائر المؤشر ما يزيد على 61%، كما وصلت خسائر الكثير من المساهمين نسب تزيد عن ذلك. ومنذ البداية أشار الجميع مراقبين ومحللين إلى أن السبب وراء هذه الانتكاسة هي عملية تصحيح يمر بها السوق نتيجة المبالغة في أسعار الأسهم، وبالتالي المبالغة في قيمة مؤشر السوق. ورغم أن مصطلح التصحيح أصبح دارجا هذه الأيام ويعرفه الصغير والكبير، ورغم أن معظم المحللين قد خاضوا كثيرا في توقع مستويات المؤشر في ظل هذا التصحيح... إلا أنه من اللافت للنظر أنه قد ندر من يسعى للإجابة على التساؤل الأهم وهو: هل حدث هذا التصحيح عشوائيا أم أن طرفا ما يديره؟ وإذا كان هناك فعلا طرفا يدير التصحيح... فمن هو؟ هل هم كبار المضاربين أم صناع السوق؟ وهل السوق يمتلك فعلا أكثر من صانع؟ وهل يمكن الاطمئنان لوضع السوق بتركه في أيدي أكثر من صانع تحكمهم مصالحهم الشخصية؟ وهل يتحمل هذا الطرف مسؤولية الخسائر المستمرة لدى المساهمين؟ بل أن التساؤل الأكثر خطورة... هو كيف تم تحديد ساعة الصفر لبدء عملية التصحيح؟ ولماذا تم الانتظار لهذه الساعة بالتحديد لكي يبدأ التصحيح؟ ألم يكن بالإمكان التعجيل عن هذه الساعة وبالتالي تجنب قدر كبير من السقوط من مستويات أعلى؟ وأخيرا... كيف ومتى ستكون ساعة انتهاء التصحيح؟ وهل حان وقتها أم لا يزال هناك متسع من الوقت؟

المسارات الخاطئة؟ مصطلح التصحيح يعني أن شيئا ما خطأ سيتم تصحيحه أو أن أمرا يحدث تلقائيا قد تسبب في مشكلة أو مشكلات تستدعي التدخل لتصحيح ما لم تتمكن الدورة الطبيعية التلقائية من أداؤه على الوجه الصحيح. وعليه، فإن طرفا ما سيقوم بتقويم أداء طرف أو أطراف أخرى تقوم بأداء مهام معينة في المسار الصحيح. باختصار أن التصحيح يبدو كسياسة أو أداة تدخلية لتقويم المسار الخاطئ وتوفير كافة الضمانات لسيرها في المسار الصحيح. وعندما نتحدث عن سوق للأسهم، فإننا ندرك أن قوى العرض والطلب هي التي يفترض أن تقود النتائج النهائية لأسعار هذه الأسهم وبالتالي تحدد حجم العروض والطلبات المستقبلية عليها، وبالتالي تقدر حجم التغطية الاستثمارية للمشروعات الاقتصادية في هذا السوق. أي أن الأمر ليس مجرد طلبات بيع وشراء ولكن في النهاية الهدف منه هو تمويل الاستثمار والمشروعات أي تمويل التنمية. لذلك، فإنه لا يمكن الصبر كثيرا على أية مسارات خاطئة في هذا السوق، بل ينبغي التدخل لتقويم أية أخطاء تظهر عليه. وبالفعل ارتفع المؤشر في فبراير من العام الماضي إلى مستويات غير طبيعية أو غير مقبولة لمستوى السوق، الأمر الذي بدأت معه في 26 فبراير دورة تصحيحية.

من يدير عملية التصحيح؟

قبل فبراير من العام الماضي لم يكن يعرف سوى قلة في السوق معنى هيئة السوق المالية، فهي لم تكن على النحو المشاع حاليا، لدرجة أن الجميع يدركون اليوم ما هي وما هي وظائفها. ربما يمكن القول بأن بدء المسار التصحيحي هو الذي جعل هذه الهيئة أكثر شهرة من كثير من الوزارات في المجتمع. أي أن هيئة السوق المالية معززة بالقدرات النقدية لمؤسسة النقد العربي السعودي وأيضا معززة بالقدرات المالية التي تسيطر عليها وزارة المالية قد بدأت تتابع عملية تصحيحية متكاملة لسوق الأسهم ربما تكون بدأت تلقائيا، ولكن كان من الضروري متابعتها لكي لا تنحرف بالسوق عن المسار المرضي.

صناع السوق وصناع الأسهم

كثر خلال الآونة الأخيرة ذكر مصطلح صناع السوق، والكثير لا يدرك من هم هؤلاء الصناع... هل هم كبار المضاربين أم أصحاب المحافظ الاستثمارية الكبرى أم أنهم كبار المؤسسين في الشركات أم غيرهم... لدرجة أنه لا يزال حتى الآن يروج أسماء رجال أعمال بعينهم تحت اعتبار أنهم هم صناع السوق... إلا أن واقع السوق وبخاصة منذ مايو من العام الماضي يؤكد أنه لا يوجد صناع للسوق بل يوجد طرف وحيد يمكن أن يطلق عليه لفظ الصانع، وهو هيئة السوق المالية... وأن ما سواها إنما هم صناعا للأسهم... حتى صناعتهم للأسهم لا ترقى لمستوى التأثير على المؤشر سوى بالقدر الذي تقبله هيئة السوق المالية نفسها.

أدوات إدارة التصحيح

منذ يوليو من العام الماضي حتى قبل ثلاثة شهور من الآن أثير جدل واسع حول صندوق صانع التوازن ما بين مؤيد ورافض... ما بين متوقع إيجابيات وآخر متوقع سلبيات... حتى أنهت هيئة السوق المالية هذا الجدل برفض الفكرة وربما تكون قد تركت الباب مفتوحا للتفكير فيها مرة ثانية في المستقبل عند تغير الأوضاع. إلا أن هيئة السوق نفسها وفي مناسبة أخرى صرحت بأن تدخلها في السوق يدخل في نطاق التدخل غير المباشر... أي أنها تتدخل في السوق... بالتحديد إن ما لا يمكن تصوره هو أن لا يكون هناك تدخل للهيئة... فسوق الأسهم بالفوارق الكبيرة والصارخة بين حجم المحافظ الاستثمارية فيه لا يمكن تركه بدون تدخل... حيث إن عدم التدخل معناه إجهاض أصحاب المحافظ الكبيرة على الصغيرة نهائيا... لذلك، ورغم رفض وإنكار فكرة صندوق صانع التوازن بالشكل المؤسسي، إلا إن كافة الدلائل تؤكد أن هناك تدخلا من خلال أدوات أخرى ربما توصف بالقوية والمؤثرة على كافة جوانب وأجنحة السوق بما فيها المؤشر. هذه الأدوات يمكن أن تبدأ بالحصص الحكومية في الأسهم ويمكن أن تمتد إلى الجهات الرسمية التي تمتلك إيرادات تستثمر في السوق. أكثر من ذلك، فإن البنوك ومن خلال إشراف مؤسسة النقد عليها لا تزال تتيح بعض المرونة في إمكانية استخدامها لحفظ الاستقرار. أكثر من ذلك، فقد تم نقل الإشراف على صناديق الاستثمار إلى هيئة السوق.

تحديد ساعة الصفر لبدء التصحيح وانتهائه

إن هذا الأمر الذي لا نستطيع الإجابة عليه أو حتى توقعه... ولكن الأمر الذي لا خلاف عليه هو أنه حدث تأخير في انطلاق عملية التصحيح... ربما هناك بعض الإعدادات كان ينبغي صنعها أولا... ربما هناك خطأ في التقدير...

إن توقع ساعة انتهاء التصحيح تبدو أكثر سهولة من معرفة كيف تم تحديد ساعة صفر بدايته. فهناك القيمة العادلة للمؤشر، وهناك القيمة العادلة للأسهم القيادية، وهناك المؤشرات المقارنة مع الأسواق المجاورة والأسواق العالمية، مثل مكررات الربحية ومكررات القيمة الدفترية وغيرها من المؤشرات التي يمكن أن تخدم في توقع معرفة أوان انتهاء التصحيح. في اعتقادي أن مدير التصحيح يضع نصب عينيه قيمة معينة للمؤشر يعتبرها هي نهاية مساره التصحيحي أو التقييدي للحركة الطبيعية للأسهم. بالطبع بمجرد الوصول إلى هذه القيمة يتوقع أن ينتهي التصحيح وقد لا يشعر أحد بانتهائه. فضلا عن ذلك، فإنه يتوقع أن لا يتمكن مدير التصحيح من الوصول إلى النزول إلى هذه القيمة التصحيحية (الهدف) إلا بعد إتمام التصحيحات المنفردة للأسهم القيادية أولا... ثم الأسهم نصف القيادية ثانيا... ثم الأسهم غير القيادية أخيرا. المتتبع للسوق على مدى الـ550 يوما الأخيرة يلحظ عقوبات رادعة لبعض المتلاعبين، ثم عقوبات رادعة لبعض الشركات، ثم إجراءات تشديدية على مجالس إدارة الشركات، ثم إجراءات تشديدية على إدارات صناديق الاستثمار، إجراءات تشديدية على مديري الاستثمار في البنوك، وغيرها... كافة هذه الإجراءات تعتبر من دواعي إتمام التصحيح.

هل المسار الصاعد دليل على انتهاء التصحيح؟

على مدى العام ونصف الماضي حدث ما يقرب من 12 مساراً صاعداً تقريبا، وفي كل مرة يخرج المحللون بأن هذا المسار هو نهاية التصحيح.. وفي كل مرة لا تصدق توقعاتهم... بأي حال من الأحوال لا يمكن التعويل على حدوث مجرد مسار صاعد في توقع انتهاء المسار التصحيحي... فالمسارات التصحيحية لا تتم في اتجاه واحد، وإنما تتم في اتجاهات متباينة صعودا وهبوطا، أي أنها تتخذ مسارات هبوطية طويلة تتخللها مسارات صاعدة مؤقتة... ولو كانت المسارات الهبوطية الطويلة لا تتخللها تلك المسارات الصاعدة يمكن بسهولة أن تتسبب في هروب جماعي من السوق وبالتالي يمكن أن تتسبب في فشل وانهيار كلي للسوق. أي أن أي مسار صاعد مهما كانت فترته لا يمكن أن يكون دليلا على انتهاء التصحيح، ولكن دليل انتهاء التصحيح يتمثل في سكون المؤشر، وتأكد الحركة الطبيعية للأسهم، وغياب واختفاء أدوات حث أو الضغط على الأسهم القيادية تحديداً.

في النهاية ينبغي الإجابة على تساؤل هام جدا وهو كيف ينبغي أن ننظر إلى هيئة السوق المالية بعد الـ 550 يوما الأخيرة؟ إن عملية التصحيح التي تسير على قدم وساق ينبغي أن نشكر عليها هيئة السوق لأن السوق إن استمر على حال صعوده الأول في فبراير 2006 ربما لشهدنا الـ30 ألف نقطة وعندها كنا سنشهد خسائر أكثر ألما للمتداولين لأن النزول كان سيأتي لا محالة... ولكن ما ينبغي لفت الانتباه إليه أنه كلما تم التصحيح مبكرا كلما كانت خسائر المتداولين أقل حدة، وكلما كان حجم الاضطراب السوقي أقل درجة

أخيرا، فإن التصحيح رغم ما سببه للمساهمين الحاليين من آلام... فإنه يرسم ويحفظ للمساهمين الجدد والمستقبلين في السوق بيئة استثمارية وردية... فضلا عن أنه قد حسّن بيئة تمويل المشروعات الاستثمارية في الاقتصاد الوطني بشكل قد تتضح مزاياه بعد سنوات وسنوات.

(*) محلل اقتصادي ومالي

(*) محلل اقتصادي ومالي


Hassan14369@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد