لا يختلف اثنان أن الأمة العربية ذات حضارة جبارة ساهمت في إسعاد البشرية ولعبت دوراً في تبديد ظلامات العقل البشري في عصر من العصور حينما كانت أوروبا ترتع وتتخبط في عصور الظلام والجهل، إلا أن حال الأمة العربية الحالي عند مقارنتها ووضعها في ميزان التحليل والرصد لا ينبئ بالخير الكثير؛ فقطار التنمية العالمية قد تعدى العرب، والعولمة أيضاً لعبت دوراً في تهشيم خصوصيتهم الثقافية والاجتماعية نوعاً ما، وتكالبت عليهم الأمم، واحتلت الأرض، وانتهك العرض في كثير من الأقطار العربية، وانتشر الجوع والفقر، بل إن معظم الدول العربية لم تعُدْ تستطيع توفير قدرات الاكتفاء الذاتي في مواجهة الكوارث الطبيعية، وهذا ما يجعلنا نتساءل: ما أسباب تقهقر هذه الأمة وتراجعها في نادي الأمم والشعوب بعد أن كانت رائدة الحضارة الإنسانية؟! وكأن هذه الأمة ترقد في غفوة على جدار الزمن والعالم سائرون.
لا شك أن سوء الإدارة الحكومية لعبت دوراً في هذا التخلف، فكما هو معلوم هناك تلازمية شرطية بين التخلف الاداري والفساد، سواء كان الحكومي أو المدني. كما أن انعدام الخطط التنموية ليس فقط على المستوى الاجتماعي بل على المستوى الإنساني ككل لعب دوراً مهماً في هذا التقهقر، إلى غير ذلك من أسباب التخلف التي لا تخفى على أحد.
إن أشد ما يحتاج إليه العالم العربي في هذا العصر لكي ينهض من كبوته الزمنية يتمثل في تأسيس حصن اقتصادي يقوم على الوحدة بين وحدات العالم العربي من أجل حماية الأسواق والثروات العربية من الجشع العولمي والاستعمار الاقتصادي بأسلوبه الجديد، كما أن قضية زيادة جرعة الديمقراطية السياسية شريطة أن تكون المجتمعات قد هيئت لها حتى لا تحدث الصدمة الحضارية من أهم المتطلبات، بالإضافة إلى إنعاش دور المجتمع المدني وتأصيل مؤسساته والنهوض بالتعليم وكبح آفات الفساد الإداري في مؤسسات البلدان العربية، ومكافحة الفقر والبطالة، والبحث عن الإنسان العربي وحمايته من نكبات الدهر.