تثبت التجرية التركية بوصول وزير الخارجية السابق عبد الله غول ذي الميول الإسلامية إلى سدة الرئاسة في تركيا خطأ الفكرة القائلة بأن المسلمين ينتهجون على الدوام الخط المسلح لتحقيق أهدافهم السياسية. فمع أن تركيا ظلت تؤكد دائماً على علمانية الدولة وفصل الدين عنها، لدرجة أن الجيش هدّد على الدوام بالتدخل لفرض علمانية الدولة، بل إنه تدخل فعلاً عدة مرات في سنوات سابقة، إلا أن التيار الإسلامي هناك لم يلجأ إلى السلاح في وجه الدولة والمجتمع لفرض آرائه وتطبيق أهدافه على الرغم من العقبات الكبيرة التي وضعت في طريقه. وعوضاً عن ذلك لجأ التيار الإسلامي إلى تعاطي السياسة بالأساليب السلمية بقيادة حزب الرفاه سابقاً ورئيسه نجم الدين أربكان، ثم حزب الفضيلة، ومن بعده حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان الذي فاز برئاسة الحكومة، وقد عرض برنامجه الحكومي على الرئيس الجديد عبد الله غول الذي ينتمي إلى الحزب ذاته.
لقد قدّم التيار الإسلامي في تركيا نموذجاً حياً وواضحاً لكيفية ممارسة السياسة سلمياً والوصول إلى الأهداف عن طريق كسب أصوات الناخبين. ولم يكن هؤلاء الناخبون وأسلافهم الذين تربّوا في أجواء علمانية منذ عهد كمال أتاتورك ليعطوا أصواتهم للحزب الإسلامي لو لم يكن قادراً على خدمتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية بعيداً عن أجواء المواجهات العنيفة التي وقعت فيها بعض التيارات الإسلامية في دول أخرى وأعطت انطباعاً سيئاً عن المسلمين لدى الرأي العام العالمي، وفي النهاية لم تحقق أهدافها، بل زادت الأوضاع سوءاً، الأمر الذي انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والأمني للشعب.
لذلك لم يكن غريباً أن يرحّب بوصول غول إلى رئاسة الجمهورية التركية أطراف دولية كالاتحاد الأوروبي وأمريكا وألمانيا وغيرها من الكيانات الدولية الغربية؛ لأن النموذج التركي لا يمكن رفضه؛ لأنه البديل الأفضل للنموذج الآخر الملطّخ بالدماء.
***