بدا المشهد العراقي في الأيام الأخيرة مثل وقائع مباراة حامية تشهدها جماهير متحمسة، مرسلة بين الحين والآخر صيحات الارتياح وفي أحيان أخرى أصوات الاستهجان، فقد استثارت سياسات داخلية وتحركات دولية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي واشنطن التي أطلقت موجة من الانتقادات له، ورد هو بالقول إنه يمكن البحث عن أصدقاء آخرين في المنطقة، حيث وضع أصبعه على الموضع الذي يؤلم واشنطن بتلميحه مباشرة إلى إيران التي زارها مؤخراً..
وكان التكتل الذي تشكل بقيادة المالكي من حزبين للشيعة وآخرين للأكراد، محفزاً لإطلاق تكتلات أخرى تتصدى لهذا التحالف، وتعرضت الخطوة لانتقادات كثيرة باعتبار أنها تدق مسماراً جديداً في نعش الوحدة الوطنية المتداعي، كما أن انفراد رئيس الوزراء العراقي بالكثير من شؤون تسيير الدولة وتهميشه لوزراء عديدين والاعتماد بدلاً من ذلك على مستشارين مقربين من حزبه تم النظر إليه على أنه عمل مناوئ لجهود التوحد ولم الشمل في الساحة العراقية، ومن هنا فقد تواصل سجال عنيف بين واشنطن وبغداد، وامتد الجدال إلى باريس التي رأت بغداد في تحركاتها الأخيرة تدخلاً في شؤونها..
ومع مطلع الأسبوع الحالي بدا أن هناك تطورات تستوجب الثناء والشكر من قِبل واشنطن على بغداد بسبب الإعلان عن اتفاق عراقي اعتبره مراقبون اختراقاً مقدراً للأزمة السياسية التي يشهدها العراق، حيث يسمح الاتفاق للبعثيين بالعودة إلى العمل في أجهزة الحكومة وإجراء انتخابات إقليمية والإفراج عن المحتجزين من دون تهمة، وتقدر أعداد هؤلاء بحوالي 60 ألفاً معظمهم من السنة..
وفي واشنطن هناك من رأى، أن المالكي لا يتحرك إلا تحت الضغط الشديد، وأن التطور الجديد تحقق بفضل ضغوط دولية متعددة.
وفي كل الأحوال فإن المحك هو في تحويل الاتفاق الأخير الجدال عمل محسوس على أرض الواقع، فقد ثبت طوال هذه الأزمة أن الانحياز إلى طرف وإهمال الأطراف الأخرى يعني مباشرة تعميق الجرح العراقي، وان ذلك من شأنه فقط تعقيد الأوضاع من خلال خلق المزيد من المرارات التي تجد التنفيس عنها في الوسيلة الأقرب للاستخدام وهي البندقية، في ساحة مهيأة أصلاً للصراعات المسلحة، وتكاد تنعدم فيها مقومات النقاش الهادئ..
وتبرز بصفة خاصة أهمية توفير أسباب الوحدة الوطنية وتمكينها بحيث تكون ملاذاً لكل العراقيين بدلاً من استعانة جانب منهم بالخارج كلما ظهرت في الأفق ملامح أزمة سياسية جديدة، فالاستقواء بالخارج حيناً بعد الآخر يكرس نمطاً من التبعية لذلك الخارج يستحيل معه إيجاد نوعٍ من التواصل الداخلي بين الجماعات والأحزاب العراقية، كما أن مثل هذا التوجه يعلي في الكثير من الأحيان أهداف ومرامي الآخرين على الشأن الوطني الداخلي..
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم
أرسلها إلى الكود 82244