د. حسن الشقطي*
للأسبوع السادس على التوالي يعيش سوق الأسهم مساراً صاعداً يسير في تماسك.. وقد انتقل هذا المسار في هدوء تام (متخطياً اثنين من جني الأرباح) من مستوى لآخر الأسابيع الأربعة الأخيرة كان آخرها انتقاله من مستوى الـ7900 إلى 8089 نقطة خلال هذا الأسبوع، رابحاً حوالي 188 نقطة. وقد برر البعض هذا الصعود بتحرك سابك يومي الأحد والاثنين وكسرها لمقاومتها الصعبة عند 131 ريالاً، ثم تحرك وصمود سهمي الاتصالات يومي الاثنين والثلاثاء أيضاً في ضوء صدور تقرير يشير إلى أن سهم موبايلي يستهدف سعر 81.3 ريالاً.. وهو الأمر الذي دفع الكثيرين للتعويل على أن المسار الصاعد في طريقه إلى الـ8100 نقطة إنما هو مسار مدفوع بالأسهم القيادية الرئيسة... ومن جانب آخر يوجد فريق ثانٍ يدحض هذا القول ويؤكد على أن هذا المسار الصاعد منذ بدايته هو مسار تأميني بحت تحرك بها وصمد بتوالي إدراجاتها.. بدأ بأليانز وتعزز بالأهلي تكافل بينما يوجد فريق ثالث يؤكد أن المحفز الرئيس للصعود والصمود فوق الـ8000 هو حالة سكون هيئة السوق وعدم صدور أية قرارات جديدة... تلك القرارات التي لا تخلو من اكتتابات تؤثر سلبياً في مستويات السيولة.... أي أنه خلال هذا الأسبوع يوجد لدينا ثلاثة محفزات تتصارع على الدفع والحفاظ على مسار هذا الأسبوع الصاعد، هي ازدياد حمية السوق نتيجة إدراج سهم الأهلي تكافل والذي أحرز 997.5% في يومه الأول.. وانتعاش القياديات (سابك وأسهم الاتصالات).. فضلاً عن استمرار حالة السكون لقرارات هيئة السوق... وهنا نتساءل أياً من هذه المحفزات هو الذي قاد بالفعل صعود وصمود المؤشر فوق الـ8000 نقطة ؟
السوق يربح 188
نقطة في أسبوع
انتقل السوق هذا الأسبوع إلى مرحلة جديدة في مساره الصاعد هي مرحلة ما فوق الـ8000 نقطة، فقد اخترق هذا المستوى يوم الأحد عندما ربح 87 نقطة، ثم تعزز التماسك فوق الـ8000 يوم الاثنين مدعوماً بصعود سابك عندما ربح 75 نقطة، وعلى الرغم من التراجع الطفيف للمؤشر يوم الثلاثاء بفعل جني الأرباح إلا أنه تمكن من الصمود ولم يخسر سوى نقطة واحدة.. تلاها يوم الأربعاء تذبذب بين الاحمرار والاخضرار حتى تمكن من الإغلاق على صعود رابحاً حوالي 15 نقطة. وقد تمكن المؤشر خلال كامل الأسبوع (بإغلاقه عند 8089 نقطة) أن يخرج رابحاً 188 نقطة أو ما يعادل 2.38%.
قطاع التأمين يخسر 4.5% في ضوء هبوط المؤشر
بنقطة واحدة
لقد تبلورت حقيقة المخاوف من حدوث تصحيح في أسهم التأمين يوم الثلاثاء الماضي في ظل موجة جني الأرباح.. تلك الموجة وعلى الرغم من أنها موجة طفيفة لم تتجاوز خسائر المؤشر فيها نقطة وحيدة... إلا أن خسائر قطاع التأمين تجاوزت فيها حوالي 4.5% أو ما يعادل 119 نقطة.. حيث شهدت كافة أسهم القطاع خسائر بنسب ليست صغيرة باستثناء الأهلي تكافل... ومع ذلك، فإن أسهم التأمين مؤهلة لمزيد من الصعود والانتعاش، وبخاصة مع معرفة أنه يوجد هناك خمسة أسهم تأمينية لا تزال تنتظر إدراجها في السوق.. أولها سهم الهندية للتأمين الذي سيدرج يوم السبت المقبل.. ويتوقع أن يستمر صعود أسهم التأمين حتى نقطة معينة.. تتحدد هذه النقطة من خلال عنصرين:
العنصر الأول: بلوغ وتجاوز سعر السهم لحدود 250 ريالاً التي عندها يتوقع توقف زخمه وثقل حركته.. بحيث إنه يصبح كالشبح الذي يسير في مكانه...
العنصر الثاني: هو إدارة عملية تصحيح كلية لأسهم القطاع التأميني... هذه الإدارة قد تبدأ باستحثاث سهم أو سهمين من أسهم القطاع... وبعدهما تبدأ عملية تصحيح القطاع ككل.
وعليه، فإن موجات جني الأرباح المتوقع حدوثها خلال الأيام المقبلة لن تتسبب سوى في خسائر مؤقتة لأسهم التأمين... ويتوقع أن يستمر ذلك الوضع حتى ينفض كبار المضاربين أيديهم عن القطاع عندما يجدون قطاعاً جديداً يلبي رغباتهم المضاربية... بشكلٍ مماثل لما حدث مع القطاع الزراعي.
أيهما يقود الآخر... صعود المؤشر أم تزايد السيولة؟
إنه سؤال محيّر فعلاً...هل صعود المؤشر هو الذي يقود تزايد السيولة المتداولة؟ أم أن تزايد هذه السيولة هو الذي يدفع المؤشر للصعود؟ أم أن هناك من يمتلك القدرة على قيادة الاثنين معاً؟ في أي سوق آخر يُجاب عن هذا التساؤل بأن تزايد السيولة وانتعاش التداول يزيد من قوة الدفع لصعود المؤشر... ولكن في السوق المحلي قد تكون الإجابة عكس ذلك... حيث إن بدء تحرك المؤشر لأعلى هو الذي يعزز تزايد السيولة المتداولة حتى تبدأ هذه الزيادة في تقوية المسار المبدئي للمؤشر وتحويله إلى مسار صاعد حقيقي... وهو ما حدث خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث إن المسار الصاعد بدأ يقوي من حجم السيولة المتداولة التي مكنت المؤشر من اختراق مقاومته الصعبة عند 8000 نقطة.
غياب التقارير المتخصصة لتقييم أسعار أسهم الشركات الخاسرة
من الجوانب الجيدة التي برزت في السوق مؤخراً هي صدور تقارير مالية عن جهات متخصصة لتقييم الأوضاع المالية لشركات الأسهم، فقد طرح أحد هذه التقارير هذا الأسبوع توقعاته لسهم اتحاد الاتصالات بأن يستهدف 81.3 ريالاً، أي أن التقرير توقع ارتفاع سعر السهم من 69.25 إلى 81.25 ريالاً أي توقع حدوث زيادة سعرية بحوالي 17%. وبالفعل ارتفع السهم بحوالي 5.4% خلال اليوم الأول لصدور التقرير، ولكنه تراجع في اليوم التالي مباشرة (الأربعاء) ليجني أرباحه ويخسر نسبة 2.4%. ومبدئياً، فإن كل متابع للسوق يمكن بسهولة أن يتوصل إلى أن حركة سهم اتحاد الاتصالات خلال يومي الثلاثاء والأربعاء ربما تكون قد استنفدت كامل المحفز الجديد.
وقد سبق هذا التقرير تقارير أخرى، تنبأ أحدها لسابك سعراً عادلاً عند 155 ريالاً، وتنبأ آخر بسعر عادل للاتصالات عند 80 ريالاً. إلا أن الأمر اللافت للنظر حقاً أن كافة التقارير المتخصصة حتى الآن لا تقيم سوى أسهم بعينها تتصف بكونها أسهماً قيادية، وأنها أسهم تنتمي لشركات مرموقة سوقياً ومالياً، وأن هذه التقارير دائماً ما تتنبأ بأسعار أعلى من الأسعار الحالية لهذه الأسهم. وهنا نتساءل: أليس من المفضل للسوق وللمتداولين أن تسعى هذه الجهات لتقييم شركات (الجدل الأكبر) وهي شركات اللون الرمادي إن أرادت أن تخدم السوق؟ تلك الشركات التي هناك شكوك حول ربحيتها أو خسائرها؟ بل أليس من المفضل تقييم تلك الشركات المثار الجدل حول إمكانية تعليق أسهمها في أي لحظة؟ أليس من المفضل تقييم الشركات ذات الأوضاع المضطربة نتيجة اضطراب قرارات جمعياتها العمومية أو اضطراب صفقاتها؟ وعليه... فينبغي التساؤل حول معايير اختيار الشركات التي يتم تقييم أسهمها؟ أهي معايير عائد وتكلفة؟ أم أنه يتم اختيار الأسهم التي هناك أهمية لتحريك ركود التداول عليها؟ وعلام تبنى هذه الأهمية ؟
هل يحقق سهم الهندية للتأمين ثالث صعود بـ 1000%؟
البعض يقلل من شأن أسهم قطاع التأمين تحت اعتبار أنها تنتمي لشركات صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع في التأثير في مؤشر السوق... وأنها مجرد أسهم مضاربية قد يجني المضاربون أرباحاً مرتفعة منها فقط... إلا أن هذا الرأي غير عادل لهذه الأسهم التي شكلت وتشكل حالياً قوة الدفع الرئيسة للمسار الصاعد للسوق... فالمسار الصاعد بدأ يتحرك بقوة وفي اتجاه غير متذبذب في تاريخ 23 يوليو وهو ذات التاريخ الذي تم فيه إدراج سهم أليانز والذي حقق 997.5% في يومه الأول، واستمر السهم في صعوده حتى حقق 1000% صعوداً آخر ليلامس قمة 202 ريال... وحركة التداول العنيفة على السهم أعادت للمضاربين نشوة انتصاراتهم من جديد لكي يهتموا بالسوق والتداول... ثم في 18 أغسطس ومع بدء فتور التداول على أليانز... أعاد إدراج سهم الأهلي تكافل نشوة المضاربة من جديد بتحقيقه نفس الـ1000% في اليوم الأول، وبصعوده بالنسبة القصوى خلال كافة الأيام التالية... والأمر الغريب حقاً أن سهم الأهلي تكافل أغلق الأربعاء الماضي على سعر 160.25 ريالاً، أي بمعدل زيادة 1502% خلال خمسة أيام... أي أنه تداول عند أعلى أسقف مسموح بها للصعود.. ويأتينا السبت المقبل سهم الهندية للتأمين الجديد، والذي تشير التوقعات إلى عدم اختلاف مساره عن سابقيه... بل إنه مهيأ للوصول إلى مستوياتهما بسرعة أكبر... فهو سهم خفيف (4 ملايين سهم) ويدرج في فترة انتعاش مضاربي بسبب اخواته من التأمينيات.
استمرار حالة السكون الإيجابي للهيئة.. وطرح اكتتابات جديدة؟
على الرغم من كل ما ذكر أعلاه من محفزات قادت المسار الصاعد، إلا إن المحفز الرئيس الذي خلق البيئة الخصبة لتحرك فعلي للمؤشر هو حالة الاستقرار التي عاشها السوق نتيجة خلو الفترة الماضية وبخاصة الأسابيع الثلاثة الأخيرة من اكتتابات جديدة... وعلى الرغم من كل ما يقال عن إيجابيات هذه الاكتتابات وعلى الرغم من كل ما يقال عن ضخامة حجم السيولة المتاحة لدى الأفراد والمؤسسات لتغطية أي اكتتاب جديد، إلا أن مجرد الإعلان عن اكتتاب جديد يترك أثراً سلبياً على مزاج المتداولين... ولدى الهيئة خلال الفترة الحالية أربع شركات تأمين ستُدرج على التوالي.. ربما تستخدم أسلوب إدراج واحدة تلو الأخرى كل أسبوع ستبدأ بالهندية السبت المقبل.. وجميعها ستعزز المسار الصاعد للمؤشر... إلا أنه يوجد لدى الهيئة أيضاً جدول زمني متضخم بالاكتتابات الجديدة التي تنتظر، وهو عدد يبدو هائلاً بالنظر إلى الشركات التي تعلن يومياً عن أنها في سبيل تقديم أوراقها لهيئة السوق للطرح العام... إلا أنه يمكن توقع استمرار حالة السكون للفترة الممتدة حتى عيد الفطر المبارك سواء من خلال عدم طرح اكتتابات جديدة نهائياً أو من خلال طرح شركات صغيرة لا تؤثر كثيراً في السيولة المتداولة بالسوق.
الاكتتابات الجديدة تحد من قدرة كبار المضاربين على افتعال المسارات الصاعدة
إن مجرد الإعلان عن اكتتاب جديد يترك أثراً سلبياً في مزاج المتداولين، وبخاصة نتيجة توقع غياب حالة الزخم لدى أصحاب المحافظ الصغيرة الذين يبيعون للتمكن من الاكتتاب (فغالبية صغار المستثمرين لا يستطيعون الاكتتاب إلا بحصيلة بيع ما في محافظهم) وهم أساس حركة الانتعاش بتحركاتهم كالقطيع... إن أساس انتعاش حركة التداول في السوق المحلي هي رؤية القطيع يتحركون... هذه التحركات وحدها تكاد تكون القادرة على خلق مسار صاعد قوي ومؤكد بعيداً عن الافتعال.... والدليل على صدق ذلك هو أن كبار المضاربين عندما يسعون لافتعال مسار صاعد فإنهم يلجؤون إلى السيولة المصطنعة التي تستهدف حث حركة القطيع وبالتالي يضمنون بدء مسارهم المرغوب.
أخيراً، فإنه على الرغم من كل ما ذكر من محفزات وعلى الرغم من توقع استمرار المسار الصاعد حتى مستوى 8500 نقطة (والتي حددناها الأسبوع الماضي) في ضوء حمية المضاربات على أسهم التأمين، وعلى الرغم من التحركات التي أبدتها غالبية القطاعات الأخرى، إلا أنه ينبغي معرفة أن انعكاس اتجاه المؤشر لا يبدو بعيداً أو غريباً.. وبخاصة في ظل معرفة أنه لا يمكن حتى هذه اللحظة تأكيد انتهاء المسار الهابط... وعليه فإن الحكمة تقتضي عدم البيات الكامل في أسهم تنتمي لشركات ذات أوضاع مالية غير آمنة... والسعي دوماً لاقتناص كل فرصة للتحول التدريجي للمحافظ ناحية تعزيز مكانة الأسهم الاستثمارية التي بدأت تستفيق من سباتها العميق.
(*) محلل اقتصادي ومالي
Hassan14369@hotmail.com