أزالت روسيا غبار السنين عن قاذفاتها الإستراتيجية فيما استعاد قادتها بعضاً من عبارات الماضي وهم يتأهبون فيما يبدو لاستئناف ما عرف سابقاً بالحرب الباردة، بعد أن هيمنت القوة الأمريكية لتبرز كقوة عظمى وحيدة تتحكم بوجودها العسكري والاقتصادي الكبيرين على الكثير من مفاصل الشؤون الدولية.
فقد عادت الطائرات القاذفة الروسية العملاقة إلى سماوات العالم لأول مرة منذ تسعينيات القرن الماضي وبعد سنوات من زوال ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي.
وجاء هذا التطور بينما كانت تدور واحدة من أكبر التدريبات العسكرية التي عرفها العالم مؤخرا بمشاركة روسيا والصين ودول أخرى منضوية تحت تجمع دول منظمة شانغهاي للتعاون في إطار التعاون لمكافحة الإرهاب.
وترى روسيا منذ بعض الوقت أن الوقت قد أزف للرد على تحركات أمريكية على خاصرتها الغربية وبالذات على الأرض التي كانت في يوم من الأيام ضمن امتدادات الاتحاد السوفيتي الذي كانت سطوته تتمدد في أجزاء من أوروبا الشرقية وآسيا الجنوبية وأقاصي الشرق الأقصى.
وقد فشلت لقاءات روسية - أمريكية عديدة في الحد من مخاوف موسكو مما يعرف بالدرع الصاروخي الأمريكي الذي بدأ ينتشر بالقرب من روسيا، رغم أن واشنطن تقول إن هذه الصواريخ تستهدف إيران وليس روسيا، لكن هذه الأخيرة تستشعر الخطر مما يحدث حولها وتخشى أن تصبح يوماً وتجد نفسها في مرمى أعتى وأقوى الصواريخ فتكاً، ويومها لن يجدي اللجوء إلى الترسانات القديمة الصدئة في مواجهة آخر الإصدارات من الصواريخ الأمريكية بالغة الدقة.
الكثيرون في أنحاء العالم وخصوصاً من بين الذين عايشوا سنوات الحرب الباردة تابعوا باهتمام التطورات ورأوا فيها تبرماً روسياً تجاه هذه الذراع الأمريكية الطويلة التي تتحرك في جميع أنحاء العالم وحتى إلى مشارف الأراضي الروسية دون أن تجد من يوقفها.
ولا يعرف المدى الذي ستذهب إليه النسخة الجديدة من الحرب الباردة، لكن الشيء المؤكد أنها قد بدأت وأن روسيا تحاول أن تضم إلى صفها دولاً أخرى مثل الصين المشغولة تماماً بتطوير قدراتها التقنية والاقتصادية والتي باتت اليوم تسجل حضوراً بارزاً ككتلة دولية يحسب لها ألف حساب.
ومع ذلك فالصين الحذرة والمنشغلة بالبناء الداخلي، وحالياً بالاستعداد لدورة الألعاب الأولمبية، التي تمثل بامتياز فرصة مثلى لممارسة علاقات عامة على المستوى الدولي، لا تبدو في الوقت الراهن مهتمة بالاصطفاف، بشكل واضح، إلى جانب دون الآخر، لكنها تعرف كيف تستخدم ثقلها المرموق هنا وهناك أحياناً ودون مبالغة تخل بأسلوبها الهادئ والمتكتم في العمل.