شهد العالم في العقد الأخير من القرن الماضي أكبر موجة حرارية شهدتها الأرض منذ قرن حيث زادت درجة حرارتها 6 درجات مئوية. وهذا ما يجعلنا أمام مشكلة دولية معاصرة تضاف إلى المشاكل السياسية التي تهدد السلم والأمن الدوليين وتشكل خطراً داهماً على حياة الإنسان واستقراره المعيشي على الأرض.
فلقد ظهرت الفيضانات والجفاف والتصحر والمجاعات وحرائق الغابات، وهذا ما جعل علماء وزعماء العالم ينزعجون ويعقدون المؤتمرات للحد من هذه الظاهرة الاحترارية التي باتت تؤرق الضمير العالمي وأصبحت أحد أهم مهددات الإنسانية. وهذا معناه أن الأرض ستكتسحها الفياضانات والكوارث البيئية والأوبئة والأمراض المعدية بشكل متزايد. ولعل ما يعصف بالبشرية الآن من كوارث بيئية ابتداءً من فيضانات السودان وكوريا الشمالية وزلزال البيرو وإعصار قونو الذي كان الأول من نوعه في منطقة الخليج خير دليل على خطورة ظاهرة الاحتباس الحراري وأهميتها كمشكلة دولية وإنسانية معاصرة.
وفي هذا السيناريو البيئي نجد أن المتهم الأول هو غاز ثاني أكسيد الكربون الذي أصبح شبحاً تلاحق لعنته مستقبل الأرض. وهذا ما جناه الإنسان عندما أفرط في إحراق النفط والفحم والخشب والقش ومخلفات المحاصيل الزراعية فزاد معدل الكربون بالجو. كما أن اجتثاث أشجار الغابات وانتشار التصحر قلل الخضرة النباتية التي تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو مما جعل تركيزه يزيد به.
ما تقدم من حديث يجعلنا أمام مسلمة مفادها أن ثقافة التعامل مع الطبيعة ومجاراتها من أهم العوامل الضرورية في حياة الإنسان، فكما هي الحال مع الثقافات والقناعات الأيدولوجية السائدة مثل الديمقراطية والحرية والفردية والاقتصاد الحر التي أصبحت من مكونات العقل الحضاري العالمي يجب أن تكون قناعات التعامل مع البيئة والتصالح معها وحمايتها من أهم الأولويات في عالم اليوم، وذلك ما يتم من خلال تكريس القناعات والممارسات البيئية السليمة في المجتمع وإطلاق ودعم جهود التجمعات المدنية في هذا الصدد لخلق ثقافة بيئية جامعة تتكون وتتشكل من خلال نشر الوعي الثقافي عن البيئة ومخاطر إهمالها أو مصادمتها, كما أن جهود الأمم المتحدة في هذا المجال لازالت قاصرة نسبياً وتحتاج إلى مزيد من التفعيل والتنشيط وخصوصاً مع الدول التي تعتبر من أهم مصادر وأسباب الاحتباس الحراري وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر من أهم الدول وأكبرها في إخراج ثاني أكسيد الكربون حيث لازالت أمريكا ترفض حتى الآن التوقيع على معاهدة (كيوتو) الخاصة بالاحتباس الحراري لانتشاره معتبرةً التوقيع على البروتوكول الخاص بالاحتباس الحراري يشكل ضرراً على الاقتصاد الأمريكي ومعولة على تكنولوجيا جديدة تحد من انبعاث الغازات الضارة.
وأكثر ما يخشى منه أن تستخدم هذه التكنولوجيا المزعومة أو غيرها من أفكار التعامل مع انبعاث الغاز ومشكلة الاحتباس الحراري كحصان طروادة من أجل التهرب من الالتزامات الإنسانية والدولية الواجبة سواء على أمريكا أو غيرها من الدول التي تساهم في تصدير ثاني أكسيد الكربون إلى الجو والتي أصبح نشاطها التدميري للبيئة يفوق نشاط عدة دول مجتمعة.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244