أثبتت تجارب التاريخ في الدول التي تعاني من هزات سياسية داخلية يتخللها تدخل خارجي، فشل الحلول الأمنية والعسكرية التي تعتمد على قناعات الضبط والربط وعسكرة القضايا الساخنة واعتماد أساليب التمترس بدلاً من فتح قنوات الاتصال مع الأطراف المعنية بالحدث من أجل إيجاد أرضية مشتركة تعتمد على جمع القدرات السياسية النافعة في بوتقة سياسية واحدة تنصب جهودها صوب خلق مناخ سياسي جامع لمدخلات ومخرجات المصلحة الوطنية العامة.ما يقودنا إلى هذا الحديث هو ما أعلن حول إنشاء منطقة خضراء على غرار ما هو موجود في بغداد حيث تطرح فكرة المنطقة الخضراء الصومالية من أجل حماية المسؤولين والزوار الأجانب من الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة، ومع أن الهدف هو حماية الأرواح من القتل الذي يعيث بالبلاد إلا أن ما يحتاج إليه الصومال وغيره من البلدان العربية التي تعاني من حراك سياسي محموم ومحتدم بين أقطاب أطيافها السياسية بات يهدد سلمها الأهلي ومشروع عيشها المشترك هو أكثر من إقامة المناطق الخضراء والمحميات الأمنية؛ حيث يتعدى الأمر ذلك إلى ضرورة إعادة غربلة الجو السياسي من جديد وإقامة مصالحة وطنية تعتمد على الحوار وتفعيل دوره كحل وحيد للتعامل مع أزمات الاختناق والتضخم السياسي التي أثبتت التجارب أن مقارعتها بالأساليب الأمنية والبوليسية بعيداً عن عقلية الحوار الجمعي قد باتت أمراً محكوماً عليه بالفشل؛ فها هي بغداد تسبح في غياهب الدماء والمفخخات والعبوات الناسفة وتتشبع بثقافة الانتحار والتفخيخ والإقصاء والتهميش والمذهبية، وها هي المنطقة الخضراء في بغداد من حين إلى آخر تصحو على دويّ الصواريخ والقاذقات التي تصل إليها كدليل على فشل عقلية التمترس والانعزال عن المجتمع وما يعيث به من ملمات وكوارث تحصد أرواح الأبرياء بشكل يومي. إن أكثر ما أصبح يهدد كينونة ودوام الدولة القطرية هي آفة مناطق التدويل الخضراء التي - للأسف الشديد - يلعب كثير من أبناء الوطن في كثير من الدول دوراً مهماً وجوهرياً في تقديم مسوغاتها، سواء كان ذلك من خلال اتشاح عباءة التمذهب السياسي أو التشبع بثقافة وقناعات الإقصاء والتهميش ومدّ الجسور والاتصالات مع الجهات الأجنبية وابتداع الذرائع لتبرير التدخل الأجنبي وإضفاء الشرعية على وجوده وعلى أساليبه العسكرية والأمنية.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244