الارتباط الوثيق للقضية الفلسطينية والعضوي بشؤون المنطقة يجعل من غير المعقول أن يستمر هذا الجدال المحتدم والذي تتأجج نيرانه يوما بعد الآخر بين فتح وحماس، هذا فضلا عن الانعكاسات السلبية المتعاظمة على الشأن الفلسطيني الداخلي، فقد أصبحت كامل الحالة الفلسطينية رهناً لهذه الخصومة الفاجرة بين الجانبين، فالسجال الدائر لا يوفر تعبيرا نابيا إلا ودفع به إلى ساحة الصراع، حيث سادت تعبيرات التخوين والعمالة وبقية الألفاظ الخارجة تماما عن أدب الخلاف السياسي.
فخصوصية القضية توشك أن تلتبس بهذا التدني في التعاطي، وفيما يدعي كل طرف أنه ينطلق من ثوابت وطنية وديمقراطية فإن ما يجري يظهر بوضوح عدم احتمال الجانبين لأبجديات التعامل بذلك، بل وضيقهم بمقومات الحوار السليم، وتأهبهم وتحرشهم كلٌّ بالآخر، بالمضي قدما إلى نهاية المطاف؛ أي إلى مواجهة مسلحة أخرى.
ويمكن بالطبع تصور مآل أي مواجهة أخرى مسلحة والساحة الفلسطينية لم تتخلص بعد من إفرازات معارك غزة التي أدت إلى هذا الوضع السلبي.
وتبقى إسرائيل هي الكاسب الأكبر من هذا الصراع بل هي تسعى إلى صب المزيد من الزيت على نيرانه طالما أن ذلك يتيح لها الحفاظ على المكاسب التي تحققت لها باعتداءاتها المستمرة، فهي تظل بمنئي حتى الآن عن المهددات الكبرى التي يمكن أن تتحقق من خلال وحدة فلسطينية، كما أنها غير مطالبة في الوقت الحالي بالتعامل مع أية مبادرة للسلام، والسلام هو أكثر ما يخيف إسرائيل، لأنه يلزمها بإعادة ما سرقته من أراض وإزالة كل مظاهر الاحتلال.
و الأهم من ذلك أن إسرائيل ترى أنها مطلقة اليدين للاستمرار في اعتداءاتها اليومية ما ظل الفلسطينيون مشغولين بأنفسهم وبتكديس السلاح من أجل معارك قادمة بينهم، وبانصراف كل جهدهم للتآمر ضد بعضهم البعض.
لقد ظل الشعب الفلسطيني طوال سنوات نضاله الطويلة على قناعة تامة بهذه الأبجديات في مجريات الصراع، وعلى الرغم من وجود تباين في الرؤى والمواقف بين الفصائل فقد ظلت إسرائيل دائما هي العدو الأول لدى جميع القوى السياسية الفلسطينية، بينما تحورت بالكامل الآن صيغة العداوة، وصار إخوة السلاح لا يتورعون عن وصف بعضهم البعض بالانحياز إلى إسرائيل والوقوف معها ضد هذا الفصيل أو ذاك.
ويبقى أن استمرار هذه الحالة السلبية سيفلح فقط في تعزيز الوضع الإسرائيلي من ناحية، فيما يعمل تمزيقا في الصف الفلسطيني من الجانب الآخر، في ظل المفاهيم التي تتنامى حاليا لدى كل طرف فلسطيني والتي يخشى أن تتحول إلى ثوابت جديدة تحل محل الثوابت الفلسطينية المعروفة التي ألهمت طوال أكثر من ستة عقود من الزمان المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني بالقوة والاستمرار.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244