«الجزيرة» د. حسن الشقطي:
أغلق مؤشر السوق هذا الأسبوع عند مستوى 7715.6 نقطة رابحاً 177 نقطة، وهو مستوى لم يكن متوقعاً الوصول إليه خلال هذه الفترة بعد طول استقرار لمدة تزيد على ثلاثة أسابيع ظل يحوم حول 7500 نقطة. وقد دفع هذا الصعود المتداولين من جديد لترقب مستويات أعلى للمؤشر وصلت لدى الكثير منهم إلى انتظار مستوى 8500 نقطة في وقت قريب. ولعل هذه التوقعات بالصعود وعودة الانتعاش تعيدنا من جديد إلى إثارة التساؤل الهام: هل في ظل هذا المسار الصاعد يمكن القول بانتهاء التصحيح نهائياً؟ هل انتهت كبوة السوق؟ هل توقف نزيف الدم في أسهم المؤشر؟ أم أن الوضع الحالي مشابه لما حدث في المسارات الصاعدة المؤقتة عند 17500 و14500 و10500 نقطة، بل و8500 نقطة؟ ... ولسوء الحظ لم يستقر المؤشر عند أيٍّ منها، فضلاً عن ذلك ... هل أصبح فعلاً مصير المؤشر دائماً هو أن هناك قاعاً جديداً؟ وهل فعلاً هذا القاع الجديد لا يأتي سوى بمسار صاعد؟ وإلى متى سيستمر ذلك؟ ومن جهة أخرى لا يزال الجدل يزداد من يوم لآخر حول أسهم قطاع التأمين وبخاصة مع الاستفسارات المتتالية من هيئة السوق لشركات هذه الأسهم حول الزيادات المستمرة في أسعارها، هذا الجدل يثير التساؤل حول لماذا تتعامل هيئة السوق بمكيالين في تعاملها مع الأسهم الجديدة عن القديمة؟ بل لماذا هذه الازدواجية في التعامل مع الأسهم القيادية وغير القيادية؟ أليس كافة الأسهم بها مستثمرين؟ ألا من العدالة أن تهتم الهيئة بمصالحهم جميعاً وبنفس الدرجة؟ أم أن مصلحة المؤشر الرمزي باتت تفوق في أهميتها ملايين المساهمين في السوق؟ وبخاصة مع وجود قلة من المحترفين الذين يجنون أرباح كل إجراء إيجابي تتخذه الهيئة!
مسار صاعد .. يُربح المؤشر 2.3%
يمر السوق منذ بداية هذا الأسبوع بمسار صاعد أعاد للسوق انتعاشته بعد فترة من الخوف والقلق ... بل إن بناء المؤشر حول 7500 نقطة، ثم الانطلاق منها لأعلى ساعد على إعادة كثير من الثقة المفتقدة لدى المساهمين. بالتحديد بدأت حركة التداول هذا الأسبوع على وضع اعتيادي لم تتجاوز فيه السيولة المتداولة حوالي 6.2 مليار ريال، ولكن تمكن المؤشر من الإغلاق على ربح بحوالي 42 نقطة. تلاه صعود يوم الأحد ربح خلاله المؤشر 49 نقطة، ثم صعود آخر يوم الاثنين ربح فيه المؤشر 74 نقطة، ثم صعود رابع يوم الثلاثاء ربح فيه المؤشر 47 نقطة، ولكن انكسر هذا الصعود يوم الأربعاء ليخسر المؤشر 35 نقطة. باختصار أغلق المؤشر عند 7716 نقطة رابحاً حوالي 177 نقطة أو ما يعادل 2.34% هذا الأسبوع.
مسار صاعد ... كم يطول؟
لا يعتبر هذا المسار الصاعد هو الصاعد الأول للمؤشر وبالطبع لن يكون المسار الأخير، ولكن ينبغي التعامل معه على أنه مجرد مسار صاعد ... ولتقييم هذا المسار، فإننا نلفت الانتباه إلى ما يلي:
أولاً: إن بناء هذا المسار لم يتم حتى الآن التأكد أنه جاء نتيجة لسيولة استثمارية دخلت السوق، بل إن مستوى السيولة لا يزال عادياً ما بين ال6 إلى 9 مليارات ريال، بل وحتى هذه المستويات لا تزال متذبذبة وغير مستقرة.
ثانياً: إن بناء هذا المسار جاء كنتيجة لتحركات من الأسهم القيادية على مدى الأربعة أيام قبل الأربعاء، وخاصة الراجحي والاتصالات. ثالثاً: إن هذا الأسبوع قد شهد انتعاشاً كبيراً نتيجة تحركات أسهم قطاع التأمين.
رابعاً: إن هذا الأسبوع يعتبر خالياً من الأطروحات الجديدة التي كانت تعكر صفو السوق.
خامساً: إن هيئة السوق قد أعلنت الأسبوع الماضي تقريباً عن عدم وجود اكتتابات خلال هذه الفترة، وبالتالي فإنها قد مهدت بالفعل لبناء هذا المسار. إن كل ما سبق ليدلل على أن هذا المسار ربما يشكل خطاً مرسوماً أو مرغوباً من قبل كافة الأطراف: صنّاعاً ورسميين ومضاربين.
ومن تجارب السوق .. فإن كافة هذه الخطوط المسارية الصاعدة يعقبها أمر غير عادي.
هل انقسم السوق على نفسه؟؟
سوق الأسهم هذه الأيام ومنذ بدء طرح أسهم القطاع التأميني الجديدة وهو منقسم على نفسه إلى قسمين ... سوق منتعش ويمر بطفرة سعرية تتشابه مع طفرة بداية 2006 وهو سوق أسهم التأمين الجديدة التي أحرزت ثلاثة منها زيادات سعرية تزيد على 1000% إلى 1700% خلال أيام معدودة ... وكل ما نراه هو طلب استفسارات واستيضاحات من إدارات هذه الشركات؟ وكالعادة تأتي توضيحات الشركات بأنه لا يوجد لديها جديد يستحق هذه الزيادات ... والمضاربون على حالهم في التكالب على هذه الشركات. وهناك سوق آخر وهو السوق المقيد الذي تسري عليه قواعد التصحيح، أي الحركة المقيدة، حيث إن التحركات المسموح بها في أي سهم قيادي هي تحركات في حدود نسبة تذبذب لا تزيد على 2% أو 3 أو 4% في الغالب.. رغم أن النسبة الرسمية في السوق تصل إلى 10%. بل حتى الأسهم التي يمكن تسميتها بنصف القيادية تخضع لهذا التقييد. وهذان النوعان من الأسهم يتم تقييد تحركهما لسببين... السبب الأول تصحيح السهم ذاته وعودته إلى الجاذبية الاستثمارية، والسبب الثاني تصحيح المؤشر. فضلاً عن ذلك، حتى الأسهم الخفيفة غير القيادية فإنها دخلت في دائرة تقييد الحركة التصحيحية نتيجة معرفة الجميع أن مؤشراتها المالية أصبحت عبئا على الجاذبية الاستثمارية للسوق ككل. ومن ثم فقد جرى الاهتمام بتصحيحها حتى تعود السمات الاستثمارية الكامل للسوق ككل. أي أنه على مدى الفترة منذ 26 فبراير وحتى الآن، فإن كافة الأسهم تدريجياً أصبحت تحت السيطرة التصحيحية التي بدأت أولا بقطاعات البنوك والصناعة والاتصالات، ثم الكهرباء، ثم الخدمات وأخيرا الزراعة.
أبواق إعلامية تتعمد إثارة روح التفاؤل المبالغ فيه
نعم كل متداول بالسوق يسعد كثيراً عندما يسمع أخباراً تتحدث عن الصعود أو الشراء أو التجميع، ولكن ألا يعود هو نفسه ويقول بأن من تحدث عن الشراء والتجميع قد خدعني ... عندما يكتشف أنه لا شراء ولا تجميع وأن المسار الصاعد قد انكسر خلال أيام ... في الماضي كنا نتحدث عن منتديات الأسهم ومدى خطورتها، والآن هناك قنوات ووسائل إعلام تتخذ ذات الخطى ناحية التغرير بالمساهمين، بالطبع صغار المساهمين الذين لا يفكرون في المعلومة التي يستقونها من هذه الوسائل. إن كل من يتحدثون عن شراء طويل أو تجميع قوي أو دخول سيولة استثمارية أو بدء ضخ سيولة استراتيجية أو بدء الشراء الاستباقي أو غيرها من المصطلحات الرنانة على مدى ما يزيد على الـ500 يوم الماضية قد اتضح أنهم إما جاهلون أو كاذبون. إن كان جهلاً.. فقد يكون مقبولاً، ولكنه ينبغي أن لا يستمر. ولكن إن كان كذباً وتغريراً ... فهو ما ينبغي وقفه. منذ بدء التصحيح في 26 فبراير، لا يمكن القول إن هناك سيولة استثمارية دخلت السوق، لأن كبار المستثمرين أكثر إدراكاً من الجميع بأن السوق يتخذ مساراً هابطاً طويلاً تتخلله مسارات صاعدة قصيرة، فكيف يمكن أن نقول إن هؤلاء المستثمرين سيضخون سيولتهم في محرقة هذا المسار الهابط الطويل ... إنهم يضاربون فقط ... إن كل من يتقولون بهذه السيولة الاستثمارية إنما يسعون للإيقاع بالمزيد من المساهمين تحت اعتبار أن دخول مساهمين جدد سيخفف من وطأة خسائرهم ... لا مشكلة في الدخول للسوق فهو لا يزال يمتلك مزايا كبيرة لمن يستغلها جيداً. ولكن المشكلة في الانخداع بأنك ستدخل وأن الطفرة ستتحقق وأنك ستجني أضعاف محفظتك ... هذا خداع ... وينبغي على كل مستثمر سواء فعلي أو جديد أن يعلم بأن السوق يمتلك مزايا ويمكن تحقيق أرباح به، ولكن ينبغي بناء توقعات صحيحة لمستويات الربح ومعدلات المخاطرة التي تحيط به.
إذا كنت ممن يجمعون فقط في فترات الصعود ... فخروجك من السوق أولى لك؟
خلال هذا الأسبوع ظهرت دعوات خفية ومجهولة المصدر تحث المستثمرين على الشراء والتجميع الطويل ... ولسوء الحظ فإنّ الواقع يشير إلى أن كثيراً من صغار المستثمرين تبنوا هذه الدعوة وبدأوا في عمليات شراء وتجميع، بعضهم ركز تجميعه على أسهم القطاع التأميني الجديدة. وما يسوء فعلا أن العديد من هؤلاء المستثمرين قد ركز مشترياته على تلك الأسهم التي حققت الصعود الكبير منها، والتي لا تزال هيئة السوق تستفسر وتستوضح عن ما بشركاتها لكي تحقق هذه الطفرة السعرية. أولئك المستثمرون على أمل من استمرار الطفرة وتحقيق هذه الأسهم أسعار فوق الـ200 ريال ... فهل هذا معقول؟ ... أيعقل أن يتم الشراء والتجميع في أيام مسار صاعد تشير تجارب الـ500 يوم الماضية أنه لا يستمر طويلا؟ هل يعقل أن ينتظر هؤلاء المستثمرون طويلاً وهم يبيعون لتغطية نفقاتهم المعيشية، ثم عندما يأتي الانتعاش والصعود يبدؤون في الشراء من جديد ليدخولوا في مصايد قطاع جديد قد يفاجأون في أي لحظة بمصطلح التصحيح التأميني به؟ إن كل من يتحدثون عن الشراء والتجميع الطويل في فترات المسار الصاعد إنما يسعون لخداع المتداولين ويسعون بجد إلى إطالة فترة المسار الصاعد التي يعلمون جيداً أنها لا يمكن أن تطول سوى من خلال تكثيف عمليات الشراء والتجميع. تارة يقولون أن المحافظ الكبيرة تستغل فترات الهدوء في السوق للقيام بعمليات شرائية استباقية... فهل هذا معقول؟ هل فعلاً يمكن أن يقوم كبار المضاربين بشراء استباقي في فترات مسار صاعد يعلمون جيداً ويقيناً أنه مسار مؤقت قد لا تزيد فترته على أيام أو حتى أسابيع قليلة؟ هل يمكن فعلا تصديق أن كبار المضاربين بخبراتهم الواسعة يمكن أن يكونون لقمة سائغة لصغار المستثمرين من خلال قيامهم بشراء اعتباطي؟ هذا الكلام لا يقبله أي عقل مهما كانت درجة سذاجته ... إن فترة المسارات الصاعدة التي لا يمكن أن نسميها سوى بالقصيرة - إلى اشعار يؤكد استقرار السوق كلية - إنما هي فترات مضاربة للمحترفين.. ما بين دخول وخروج... شراء وبيع خاطف... وينبغي أن يتحرك هؤلاء المستثمرون كالنحلة التي تتنقل من زهرة لأخرى تشهق رحيقها وبسرعة خاطفة... لم نر نحلة تخرج عسلها على أمل أن تجد زهرة أحلى عسلا!!! فهل النحل أكثر ذكاء منا؟
المضاربة في أي شركة ولكن البيات في الشركات الاستثمارية فقط
الكثير من المتداولين يأخذون كلام المحللين على محمله.. إن قالوا التأمين فهو التأمين فقط وإن قالوا الاتصالات... فهي الاتصالات ولا غيرها... إن كل توصية ترتبط بزمن معين.. فإن صحت هذا اليوم... قد لا تصح غداً... وإن صحت على سهم قد لا تصح على قطاع هذا السهم... والكثيرون يسألون: إننا نضارب ونربح ولكننا في نهاية المسار الصاعد نبقى عالقين في أسهم تتسبب لنا في خسائر تضيع كافة أرباحنا .. فماذا نفعل؟ إن هذا الأمر ينجم عن بطء حركة المضارب في تحركاته وقرارته ... إن الشركات التي تعطي أرباحاً أعلى هي الأسهم الخفيفة التي غالبيتها تنتمي لشركات خاسرة تقريباً .. لا عيب من المضاربة في هذه الشركات، ولكن العيب أن تضارب بالامتلاك أو البيات في السهم لأيام وأيام ... إن المضاربة الآمنة تتطلب عدم البيات في شركة خاسرة والاكتفاء ولو بنسبة ربح صغيرة على تحمل نسبة مخاطرة عالية ببيات السهم في محفظتك .... إن كافة الأسهم القيادية الاستثمارية تخضع لتقييد يخفض درجة مخاطرتها لدرجة كبيرة جداً ويجعلها أكثر أماناً للجميع رغم أن هذا الأمان يقل مع تحرك الهبوط الكلي للسوق... باختصار ينبغي أن يتحرك كل مستثمر بالمضاربة السريعة في أي أسهم سواء استثمارية أو غير استثمارية - وإن كان يفضل الاستثمارية - ولكن ينبغي أن يحرص على المبيت يوميا بقدر الإمكان في الأسهم الاستثمارية قليلة المخاطرة فقط.
هل ساب تكافل واليانز أفضل من سهم الاتصالات لكي يصلوا إلى أكثر من ضعفها؟
من عجائب السوق أن سهماً كالاتصالات بمركزه المالي القوي وشبه احتكارها لسوق يحوي أكثر من 10 ملايين مشترك يتداول بسعر 69 ريالا، في حين أن أسهم كساب تكافل وأليانز اس اف تتداول بأسعار 173 و165.5 ريالاً على التوالي وهي أسهم في مهد ولادتها الأولى بطبيعة النشأة والتأسيس. ماذا تمتلك هذه الأسهم لكي تنال كل هذه الطفرات السعرية؟ إذا كان الكثير من المحللين يرون أن سعر الاتصالات أقل من سعرها العادل أو ربما يرغب البعض في إبقائها جذابة عند أقل من هذا السعر العادل ... فهل هذه الأسهم التأمينية يعرف أحد أسعارها العادلة؟ إنها لا تكاد تعرف بالاسم .. إن كثيراً منا لا يعرف مقراً لهذه الشركات .. فهل سيعرف مركزها ومكرراتها المالية؟ أكثر من هذا ... فهل في كل مرة ننتظر حتى تقع الكارثة حتى نتكلم عن ضرورة تصحيح السهم؟ ومن هم الذين من المتوقع أن يتحملوا وزر هذا التصحيح؟ أليسوا هم صغار المستثمرين؟ وحتى إن كنا نلقى ببعض اللائمة على هؤلاء المستثمرين نتيجة قلة حرفيتهم ... أفلا نحميهم ونحن ندرك ما هم سائرون إليه؟
محلل اقتصادي ومالي
Hassan14369@hotmail.com