في الحقيقة أنه من غير المنطقي مصادرة النجاحات الباهرة والمكتسبات الجزيلة التي كانت عنوان مشاركتنا في نهائيات أمم آسيا بمجرد خسارة المباراة النهائية عطفاً على انطباعات النقاد والشارع الرياضي التي سبقت البطولة حيث لم يكن أكثرهم تفاؤلاً يتوقع حصول الأخضر على المركز الثاني، فبالتالي المنطق يقول: إن الأمير نواف بن فيصل وأنجوس والمصيبيح وياسر ورفاقه قد كسبوا الجولة بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى بأداء رائع كانت وتيرته تتصاعد من مباراة لأخرى وأهداف تاريخية حطمت الأرقام القياسية السعودية منذ بداية المشاركات الآسيوية قبل 24 عاماً، أما روح نجوم الأخضر في المباريات خصوصاً أمام اليابان وإصرارهم وعزيمتهم على الفوز كانت تفوق الوصف، فقد أعادوا بتلك العطاءات غير المحدودة معاني وقيما كدنا ننساها مع توالي الإخفاقات منذ ثمانية ألمانيا الشهيرة ونقطة آسيا الوحيدة في الصين 2004م تلك الروح هي التي جعلت اللاعبين يشعرون بروح الأسرة الواحدة رغم تشويش بعض الصحف الوافدة التي لا تعي معنى المسؤولية الوطنية، لقد كسبنا الحارس الأمين ياسر المسيليم الذي انبرى بكل احترافية للكرات الهوائية والأرضية بأسلوب عبدالله الدعيع في سنغافورة 84 والدوحة 88 ويقظة محمد الدعيع في (أبوظبي) 96.. أما المدافع الصلب أسامة هوساوي فقد كان حجر الزاوية لخط الظهر السعودي ففي كل كرة خطرة تلوح أمام المرمى الأخضر كان أسامة حاضراً في كل اتجاه لإبعادها، وفي وسط الميدان كان أحمد الموسى هدية (أنجوس) للكرة السعودية والآسيوية يلعب بثقة الكبار وحيوية الشباب، ويعرف بإتقان أسهل الطرق المؤدية للمرمى، وعندما نصل لقائد الصقور الخضر الكابتن ياسر القحطاني فلا بد من تسجيل كلمة حق بأنه كان بليغاً جداً وهو يرد على من شكك في قدراته ومهاراته فراوغ ومرر وسجل ودافع وكسر الرقم القياسي المسجل باسم الكابتن ماجد عبدالله والكابتن يوسف الثنيان، وكذا فهد الهريفي وفهد المهلل الذين سجلوا أربعة أهداف خلال تاريخ مشاركاتهم في البطولة واختزلها ياسر في مشاركة واحدة ليرفع رصيده إلى 6 أهداف كأعلى معدل يصله لاعب سعودي وربما عربي خلال تاريخ المشاركات في أمم آسيا، لقد كسبنا مدرباً مميزاً صارماً في قراراته لم يلتفت وهو يقوم بإبعاد من لا يحتاجهم من اللاعبين....... بل أصر أنجوس على موقفه وراهن على الأسماء الشابة التي ضخها في شرايين الأخضر فكسب الرهان، لقد كسب الوطن كفاءة إدارية تمثلت في شخص سمو الأمير نواف بن فيصل أسير الشوق الذي وقف مع الأخضر وخاطبه بإحساس المسؤول العاشق: (اختلفنا مين يحب الثاني أكثر، واتفقنا أنك أكثر وأنا أكثر) ففي كل مباراة كان لنواف مواقف مشهودة مع نجوم الأخضر وهو يبتعد عن الأجواء الرسمية بينه وبينهم فشاركهم في التمارين وتناول معهم الوجبات الغذائية، وتحدث مع كل فرد على انفراد، فكانت النتيجة واضحة للعيان على أداء اللاعبين داخل الملعب بعد أن وجدوا الارتياح النفسي في المعسكر، وقبل ذلك الوقفة المعنوية الكبيرة والخط الهاتفي الملكي الساخن الذي كان يصلهم مباشرة من القيادة عقب كل مباراة دعماً وتشجيعاً ومؤازرة، كل هذه المعطيات تبشر بعودة قوية للأخضر إلى مكانه الطبيعي فارساً للبطولات بمختلف مسمياتها، ودعوني هنا أوسع دائرة المكاسب السعودية من البطولة الآسيوية لأقف احتراماً لأحد المصانع السعودية في فيتنام وأعتقد أنه (مصنع الزامل)، فعندما أرى مدير المصنع جماهير الأخضر يتم حرمانها من مؤازرة المنتخب بسبب حجوزات الطيران من جاكرتا إلى هانواي بمباركة أسوأ اتحاد قاري في تاريخ البشرية قام بإغلاق المصنع ومنح جميع العاملين إجازة وقطع تذاكر لهم ولعوائلهم لحضور مباراة المنتخب الوطني أمام اليابان وهم يرتدون الزي الأخضر، ويحملون راية العز، فإذا كان هذا التصرف ليس مكسباً فلا خير في نظرتنا للمكاسب.. (لقد كسبنا من تلك البطولة- التي قوضت خيامها قبل أيام- مرتادي المعرض الثقافي السعودي في جاكرتا وتلك المرأة المسنة الإندونيسية تذرف الدموع وهي تحتضن مصحفاً من إنتاج (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) وتحمل صورتي المسجد الحرام والمسجد النبوي، وتقول: إنها منذ 7 سنوات تصلي في آخر الليل، وتتهجد وتدعو ربها بأن يمنّ الله عليها وتؤدي فريضة الحج وحسبي أن ذلك المشهد المؤثر الذي بثته القناة الرياضية في إحدى رسائلها اليومية قد وصل للمسؤولين ليحققوا أمنية تلك المرأة الطاعنة في السن، وإذا ما تم ذلك فأعتقد أنه أحد أهم المكاسب التي جنيناها من أمم آسيا 2007م، ورغم تلك المكاسب التي تغنينا عن كأس البطولة أقول: إن اللاعبين كان بإمكانهم إهداء الكأس للوطن لولا الإرهاق الذي لحق بهم جراء الانتظار لساعات في المطارات، وكثرة التنقل الأمر الذي جعل معدل اللياقة لديهم ينهار في آخر خطوة أمام منتخب العراق الذي وجد الضوء الأخضر من الحكم الاسترالي ليمارس أنواع الضرب والرفس في مفاصل ياسر وزملائه حتى بدا وكأنه نهائي أمم آسيا للمصارعة الحرة، وليس كرة القدم خصوصاً مدافعي العراق حيث تقرأ في محياهما وهم ينقضان على ياسر تهور وراوغهما.
أنا لا أبرر إخفاق جميع نجوم الأخضر في تلك المباراة وعدم ظهورهم بمستواه باستثناء المسيليم بقدر ما أنقل وجهة نظري لما شاهدته وشاهده الملايين، فلو كان الأخضر يواجه منتخباً نظيفاً في أدائه وأخلاقه لا نقلب الحال، ولكانت النتيجة عكس ما آلت إليه.
بالمختصر المفيد
* الفشل الذريع لتنظيم البطولة في أربع دول نصفها لا تعرف (كرة القدم) كان أكبر من (ترقيعه) بحضور بلاتر!
* أحدهم عندما شاهد السيد ابن همام رئيس الاتحاد الآسيوي يتحدث طويلاً مع الكابتن يونس محمود قبل المباراة ظن بأنه المدرب العراقي يقوم بتوجيه آخر التوصيات لكابتن منتخبه!
* الحكم الاسترالي كان مثيراً للجدل وهو يغض الطرف عن الألعاب الخشنة التي مارسها العراقيون في بداية اللقاء.
* في (الميّلس) كان الفوز عراقيا والفرحة قطرية والرقص بحرينيا.
* لم أتصور أن هزيمة الأخضر ستجلب كل هذه السعادة.
* الاتحاد الآسيوي دخل التاريخ من أوسع أبوابه عندما اعتمد مشاركة ستة منتخبات دون تصفيات اعتباراً من النسخة القادمة.
* أعجبني تبرير مدرب اليابان الفلتة عندما عزا خسارة منتخبه إلى الإرهاق.
محمد السالم - الرياض