تحفل المنطقة العربية برزمة من الأزمات والأحداث التي تهبُّ عليها من حين لآخر كرياح السموم لتعطِّل مشاريع التنمية الإنسانية بها وتقذف أبناء شعوبها إلى أتون الأحداث والملمات الساخنة، فيضرب بها الاستقرار وتقتل فيها الحياة الهادئة التي هي مقصد ومطلب كل إنسان على هذه البسيطة. ومع أن المجالين الاجتماعي والاقتصادي يلعبان دوراً مهماً في رخاء الإنسان وسعادته من حيث مدى توفر مقومات الحياة الاقتصادية الكريمة ومعايير العيش والاستقرار الاجتماعي, إلا أنه في العالم العربي وإن كانت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية به ليست بأحسن حال من خلال مقارنتها مع غيرها في البلدان الأخرى، تظل هذه الجوانب ضئيلة التأثير والسلبية نسبياً عندما توضع في خانة المقارنة مع تأثير الجانب السياسي والأيدولوجي. فقد أضحت الساحة السياسية العربية مرتعاً لسوء التقدير والفهم والابتعاد عن بديهيات القضايا ومسلمات الأمور التي تتضح بشكل جلي من خلال بعض ممارسات الفهم الخاصة للعقل العربي والأيدولوجي منه بالذات. حيث انتشرت ثقافة البندقية الضالة وشخصية المواطن الأجير الذي لا يمنعه أي مانع من إبداء الولاء علانية إلى دول وكيانات خارج إطاره وحدوده الوطنية، وغالباً ما يأتي ذلك عن طريق آفة التمذهب السياسي الذي جُند من خلاله الكثير من أبناء العالم العربي ليكونوا أحصنة طروادة تطير في فضاء الغير وتركض في ميادين خدمة مصالحه الخاصة. ولعل ذلك من أهم إشكاليات العقل الأيدولوجي المجيش في العالم العربي، حيث إن الأيدولوجيا السياسية والفكرية، وإن حدث بين أطيافها تباين في المعتقد والنسق المعرفي تظل جميعها مسخرة ومسيرة لخدمة الوطن الأم والتعبير عن وجهات النظر لتطويره وأخذه إلى بر الأمان بناءً على قناعات ووجهات نظر متنوعة إن حدث فيها شيء من التباين والاختلاف، إلا أنها في الأخير تصب لمصلحة الوطن وتتسابق لخدمته من خلال صهر القناعات الأيدولوجية والسياسية في بوتقته. وبذلك تكون الأيدولوجيا قد سخرت لخدمة الوطن بدلاً من إرباكه وإحداث القلاقل به وفتح أبواب الجحيم من خلال تهديد سلمه الأهلي وعيشه المشترك من أجل تنفيذ أجندات ومشاريع خارجية لا يمل ولا يكل محركوها من مغازلة الأيدولوجيا أو المذهب داخل الأوطان الأخرى.
إن إشكالية الأيدولوجيا والقناعة في العالم العربي تكمن في أساسها في تلك النزعة الشعوبية التي تحاول كسر حاجز الوطن والقطر والقفز فوق حدوده سواء كان ذلك بسب خلل في النسق المعرفي لكوادر تلك القناعات والأيدولوجيات أو لأسباب أخرى ابتدعها المأدلجون وغيرهم من أتباع التمذهب السياسي.