التدهور هو العنوان الأبرز على الساحة العراقية، ويطول ذلك كلا المسارين؛ السياسي والأمني، فالأول انعكاس لفشل الثاني، ومن ثم فإن المشهد يبدو وكأنه تنافس على الانحطاط بين المسارين، وكل ذلك ينعكس وبالاً على الشعب العراقي، وإزاء ذلك لم تفلح التدخلات الخارجية سوى في ترتيب أوضاعها ومصالحها، وأيضاً على حساب المدنيين في ذلك البلد المنكوب.
على المسار السياسي تواصلت الانسحابات من حكومة المالكي، وانضم إلى المنسحبين من قائمة التوافق آخرون من جبهة القائمة العراقية بقيادة أياد علاوي، وكل ذلك يعرقل محاولات حكومة المالكي اكتساب صفة حكومة الوحدة الوطنية، كما يفاقم من عجزها تجاه قيادة عملية سياسية تخرج العراق من أزماته، فالأزمة السياسية تتفاقم مع التطورات الجديدة.
وفي المقابل فإن الوضع الأمني يسجل تراجعاً مهولاً مع تزايد وتيرة التفجيرات والعمليات الانتحارية والقتل الجماعي، مع العثور اليومي على الجثث مجهولة الهوية، وكل ذلك يرسم هالة أشد سواداً على الساحة العراقية.
المحاولات الأمريكية الإيرانية لترتيب الأوضاع العراقية تجري بين طرفين يفتقران إلى الثقة، ومن ثم فإن النتائج المتوقعة لن تراوح مربع عدم الثقة الذي يشملها بجميع تداعياته السلبية، حيث إن من الواضح أن الجانبين لا يستطيعان التجرد من صراعاتهما الثنائية بما فيها السياسية والنووية من أجل ترتيب الساحة الأمنية في بلد ثالث، ومن الخير لهما وللعراق أن يسهما في تقوية العملية السياسية من خلال حجب محاولات تأثيرهما بتقوية طرف على آخر. وسيكون من المفيد أن ينزع السياسيون إلى الاحتكام إلى قواعد اللعبة السياسية بمعناها الرفيع الذي يفترض أولا الترفع عن كل ما يمكن أن يدخل إلى ساحة السياسة أي مظهر من مظاهر العنف، بمعنى عدم الاستقواء بأي طرف مسلح من أجل فرض واقع سياسي معين، خصوصاً وأنه يسهل في الساحة العراقية تجييش النفوس وحشد السلاح، ومع ثبات عدم جدوى ذلك بل ضرره، يبقى من المهم دائما إفساح المجال أمام المزيد من الحوار، وهو أمر يستلزم استيعاب جميع ألوان الطيف السياسي في العملية التي تستهدف إنقاذ البلاد مما هي فيه.
وجانب من الأزمة القائمة الآن يبدو في محاولة البعض تقريب فصائل مسلحة معينة على حساب أخرى، أو الانحياز لطائفة دون غيرها، مع استبعاد كيانات سياسية كبرى كان يمكن أن تساهم في اكساب التحرك الجماعي السياسي الصبغة الوطنية الشاملة، ومثل هذا التحرك قد يقنع حتى المسلحين على الانضمام إلى هذا الجهد الجماعي سواء تمثل ذلك في حكومة تشمل الجميع أو تحرك يمهد لإقامة مثل هذه الحكومة.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244