جرت العادة عندما يصدر أي قرار أن يكون هناك مهلة زمنية قبل أن تبدأ الجهة التي أصدرت هذا القرار بتنفيذه فعلياً، والقصد من إعطاء تلك المهلة هو أن تتاح الفرصة لمن سيطبق عليهم القرار أن يستعدوا لتطبيقه، إلا أن المشاهد والمؤلم في نفس الوقت أن هناك العديد من القرارات التي صدرت وأعطي مهلة زمنية لتطبيقها لكنها لم تطبق مطلقاً، كما لو أنها لم تصدر أساساً.
ولو استعرضنا قرارات السعودة التي صدرت وعلى مختلف المستويات لأدركنا غالبيتها لم تطبق على الرغم من أن تلك القرارات قد تضمنت مهلة زمنية لتطبيقها، وما قرارات سعودة الليموزين ومحلات الذهب والوكالات السياحية إلا أدلة مؤكدة على ذلك.
وخلال الأسبوع الماضي أوضح معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي أن وزارته عاقدة العزم على تنفيذ القرار الذي سبق أن أصدرته الوزارة بقصر أعمال البيع على السعوديين في خمسة وعشرين نشاطاً، مشيراً معاليه إلى أن وزارته قد حددت مهلة زمنية لتطبيق القرار انتهت في 1-1- 1428هـ، ومؤكداً معاليه أن الوزارة سوف تعمل بحزم على تطبيق هذا القرار.
ومع أنني لم أجد مبرراً على مرور أكثر من ستة أشهر على انتهاء المهلة الزمنية المحددة لتنفيذ القرار دون أن نرى أثراً للسعودة في تلك القطاعات والأنشطة التجارية، مما جعلني أجزم بأن مصير هذا القرار سيكون كغيره من قرارات السعودة الأخرى التي لم تتجاوز مرحلة التنظير، إلا أن تصريح معالي الدكتور القصيبي بعزم وزارة العمل على الوقوف بحزم لتنفيذه جعلني أتفاءل بقرب انفراج قضية السعودة، خصوصاً أن تنفيذ هذا القرار سيوفر مئات الآلاف من فرص العمل لأبناء وبنات الوطن.
وفي ظني أن الوقفة الحازمة لوزارة العمل في تنفيذ هذا القرار التي أعلنها الدكتور القصيبي تتطلب مشاركة الجميع، فالتنسيق بين وزارة العمل ووزارة الداخلية له أهميته، وبمشاركة المواطنين في تتبع تلك المحلات في مختلف المناطق والمحافظات، وإخطار الوزارة بذلك من خلال رقم هاتف مجاني أمر ضروري أيضاً، وما من شك فإن الدور الأهم يقع على عاتق وزارة العمل التي يجب أن تلتزم بعدم إصدار أي تأشيرة عمل في تلك المحلات مهما كان السبب أو المبرر.
وإذا كنا نثني هنا على ما تفضل به الدكتور القصيبي من أهمية الحزم في تطبيق هذا القرار، مما يعني أهمية البعد عن المجاملات التي لا تخدم الصالح العام، ولكن ليكن معلوماً بأن الأنظمة والقرارات لا تُنفذ ولا تُحترم ما لم يكن هناك عقوبات صارمة بحق من لا ينفذها، وهذا ما نتأمله وننتظره من الدكتور غازي القصيبي، فمعاليه يدرك بأن الخمسة والعشرين نشاطاً تجارياً التي تضمنها القرار لا تحتاج إلى شهادات عليا ولا إلى تدريب تقني عالٍ، ومعاليه يدرك بأن النسبة الغالبة من العمالة الأجنبية في المملكة إنما تتركز في تلك الأنشطة والمحلات التجارية.
ومعاليه يُدرك أن نجاح وزارته في تنفيذ هذا القرار سيوفر مئات الآلاف من فرص العمل لأبناء وبنات الوطن.
ومعاليه يدرك بأننا نُدرك بأن لا حول ولا قوة في عدم تنفيذ قرارات السعودة السابقة.
من أجل كافة تلك المعطيات التي يدركها معاليه، فإننا نرجو من معاليه أن تكون العقوبة المقررة بحق من لا ينفذ القرار صارمة حتى لو لزم الأمر استصدار قرار من مجلس الوزراء بتلك العقوبة، وقد يوافقني معاليه الرأي بأن العقوبة الأنسب والكفيلة بنجاح تطبيق هذا القرار هي إقفال المحل التجاري لمدة ثلاثة أشهر وفي حال تكرارها تكون العقوبة ستة أشهر وفي حال تكرارها يقفل المحل نهائياً.
معالي الدكتور غازي القصيبي، أنت فارس السعودة، والأمل بالله ثم بمعاليكم في نجاح قضاياها، ويعلم معاليكم بأن توجهكم لسعودة المحلات التجارية الصغيرة لهو خطوة جبارة في طريق نجاح السعودة خصوصاً أنها ستوفر مئات الآلاف من فرص العمل، ولكن ألا يعتقد معاليكم بأن نجاح الوزارة في تطبيق هذا القرار يتطلب دراسة تحديد حد أدنى لأجر العامل في تلك المحلات التجارية خصوصاً أن العمالة ستكون سعودية، ثم ألا يتطلب ذلك أيضاً تحديد ساعات العمل اليومية في تلك المحلات التجارية الصغيرة التي يفترض ألا تتجاوز سبع أو ثماني ساعات على الأكثر حيث إن في ذلك مراعاة للظروف الاجتماعية للعامل السعودي وكذلك مراعاة للظروف المناخية الحارة للمملكة، ومراعاة للهدر الاقتصادي الناتج عن فتح الكثير من المحلات التجارية طوال ساعات اليوم دون وجود حاجة ماسة لذلك. فما الذي يجعل محلات اللوازم المكتبية ومحلات المفروشات ومحلات لعب الأطفال والملابس النسائية، والعباءات، وبيع العطور، والعطارة، ومحلات بيع الزهور، ومحلات أبو ريالين ومحال بيع الساعات والمجوهرات وأدوات زينة السيارات.. وغيرها تشرع أبوابها من ساعات الصباح الباكر وحتى منتصف الليل!!! والله إنني لا أجد مبرراً لذلك يا معالي الوزير سوى أننا نهيئ تلك المحلات التجارية لتكون جاذبة للعمالة الأجنبية وطاردة للعمالة السعودية.
Drslsaleh@yahoo.com