مع أن العالم العربي يحفل بالكثير من الجامعات الأكاديمية والعلمية التي يتفرع من تحت أغصانها كم هائل من التخصصات العلمية والأدبية, إلا أن البيئة العربية العامة ما زالت تحتاج وتفتقر إلى ثقافة البحث العلمي ومناهج الدراسة والتدقيق التي أصبحت في الوقت الحاضر سمة أساسية وضرورية في حياة الشعوب والكيانات السياسية, وذلك من أجل رصد الظواهر والمؤشرات التي تطرأ على المجتمع من حين لآخر, وإخضاعها للدراسة والتحليل بالطرق العلمية, التي تقود إلى النتائج السليمة ويمكن من خلالها ربط المقدمات بالنتائج بطريقة علمية صحيحة تساعد على استخلاص الحلول وأساليب العلاج للكثير من الإشكاليات التي تحفل بها البيئة العربية وخصوصاً في المجال الاجتماعي.
فالعالم العربي ينقصه في مجال البحث الكثير من الإمكانيات ولعل أولها مدى فعالية ووجود مؤسسات البحث العلمي وأيضاً مدى توفر التمويل اللازم لمثل هذه المؤسسات العلمية للقيام بمهامها الرصدية وتطبيق دراساتها التحليلية التي يزخر الواقع العربي بالكثير من مواضيعها الهامة التي أضحت بحاجة إلى دراسات علمية دقيقة لتحديد كيفية التعامل معها وطرق علاجها.
وكما أن اعتماد أساليب البحث العلمي تساعد على تحديد الكثير من الإشكاليات وطرق التعامل معها فإنها في الوقت ذاته تُعتبر داعماً ورافداً مهماً لتأصيل وترسيخ تجارب التنمية المستدامة وخصوصاً في مجال التنمية الإنسانية التي تُعتبر من أهم فروع التنمية بشكل عام، فالاعتماد على الدراسات والإحصاءات وطرق البحث العلمية السليمة تُعتبر من أهم أسباب التطور للكيانات السياسية سواء كان ذلك على مستوى السياسات العامة المعتمدة في داخل المجتمعات، أو على مستوى التعامل الشامل مع المحيط الدولي والبيئة الخارجية، التي هي بطبيعة الحال في سباق مع بعضها البعض في مسيرة التطور العلمي والتكنولوجي والحداثي.
لقد أصبحت الكيانات العربية وفي ظل المعرفة الشاملة التي تجتاح العالم في مرحلة ما بعد العولمة بحاجة ماسة إلى ثورة علمية ومعرفية تنطلق أولاً ومن حيث المبدأ من محراب الجامعة، وهو الأمر الذي يقودنا إلى القول إن الكثير من مؤسساتنا العلمية والأكاديمية بحاجة ماسة إلى التغيير في قناعات الدور والوظيفة وذلك من أجل إعطاء الجامعة كمؤسسة علمية ذات تخصص دوراً أكبر في إلقاء الضوء على الإشكاليات العامة والخاصة للمجتمع وتحديد طرق علاجها والتعامل معها بأساليب البحث العلمي والأكاديمي السليم.