لأنني أكتب قبل مباراة الأمس، فهذا دافع قوي للتحرر من عواطفي وعدم الانقياد لانفعالاتي، والكتابة عن الأخضر بمزيد من التبصُّر والهدوء والعقلانية، وبقراءة موضوعية للواقع وما هو مفترض أن يكون عليه المستقبل، على ضوء ما حدث في أمم آسيا من تطورات وتحولات أثارت استحسان الجميع وزادت من معدل اطمئنانهم وثقتهم بمنتخب بلادهم، بغض النظر عن نتيجة الأمس فاز المنتخب أو خسر.
حينما يطلق مهندس الأخضر الجديد الأمير الشاب نواف بن فيصل لقب (منتخب الأحلام) على المنتخب الحالي، فهذه تسمية صحيحة وتحمل في مضامينها التأكيد على أهمية بنائه والمحافظة عليه وأنه ما زال في الخطوة الأولى على الطريق الصحيح، وأن استقراره لأطول فترة ممكنة أمر ضروري لزيادة تجانسه وانسجامه وخبراته، خصوصاً أن معدل أعمار عناصره يساعد على تحقيق هذا التوجه.
يبقى أن نشير إلى أن بناء وارتقاء منتخب الأحلام يحتاج إلى صياغة خطة مستقبلية شاملة ومبرمجة على المدى الطويل، يشارك في إعدادها عدد من المختصين إضافة إلى الجهازين الفني والإداري للمنتخب، وتتضمن إقامة المعسكرات والمباريات التجريبية أمام فرق عالمية ومنتخبات قوية، حتى في الأوقات التي لا يكون فيها استحقاقات رسمية للمنتخب، شريطة ألا تتعارض مع مواعيد المسابقات المحلية للأندية.
ظروف ومستوى وشكل ومكونات ونتائج وتعاطف الجميع مع منتخب الأحلام، كلها تُعد محفزات لنا جميعاً للتمسك بالأخضر الجديد، والتفاعل معه إدارياً وفنياً وجماهيرياً وإعلامياً، والعمل على تطويره وضبط تحركاته بأساليب علمية ومنهجية تختلف عن تلك التي هدت حيله وعرقلت مسيرته وكانت سبباً في تأزيمه وفقدان الثقة به، حتى أصبحنا أمام منتخب هش قابل للكسر في أية لحظة..!!
مدربون في مهب الفوضى!
كشف حديث الوسيط السعودي المعروف أحمد القرون ل(الجزيرة) وإيضاحه للطريقة التي تمَّ فيها ترشيح المدربين (أنجوس) للمنتخب السعودي، و(فييرا) للمنتخب العراقي، كشف جزءاً مهماً من إشكالية الكرة السعودية مع المدربين.. ففي الوقت الذي رفضت فيه إدارة الهلال ومثلها إدارة الشباب التعاقد مع (أنجوس) كانت إدارة الطائي هي الأخرى تستغني ببساطة وبعد فترة وجيزة عن خدمات المدرب (فييرا) وها هما يقودان الأخضرين السعودي والعراقي إلى نهائي كبرى قارات العالم.
ما حدث ل(أنجوس) و(فييرا) وغيرهما الكثير هو نتاج الفوضى الإدارية، وغياب المعايير والضوابط التي تحدد النتيجة المطلوبة والمنطقية في موضوع اختيار المدرب وإمكانية استمراره أو إلغاء عقده، والأندية السعودية جميعها واتحاد الكرة في مواقف سابقة كانت قراراتها في هذا الشأن تتم وفق أمزجة واجتهادات وقناعات شخصية، أكثر من اعتمادها على القياسات الفنية، وبالتالي دائماً ما تخسر أو تتورط أو تفشل في اتخاذ القرارات الصحيحة مع مئات المدربين..!! ولولا قناعة وبُعد نظر الأمير نواف بن فيصل بالمدرب (أنجوس) لخسرت الكرة السعودية مدرباً ناجحاً ومميزاً لا يتكرر بسهولة، مثلما خسرت عن طريق الطائي المدرب الداهية (فييرا) وقبله وبعده في أنديتنا الكثير..!
عراق الشموخ والصمود
وسط أنباء التفجير المروع والاقتتال اليومي وصور الدمار الشامل وإزهاق الأرواح البريئة والدماء الغالية على أرض الرافدين، وفي خضم الحزن والألم والبكاء وصرخات الاستغاثة اليائسة إلا من رب عزيز قدير، ها هو المنتخب العراقي يتألق بشموخ ويصمد بكبرياء ويبدع بسخاء ليقدم للعالم والتاريخ صورة عطاء نادرة تثبت أن للإرادة قوة خارقة تقهر المستحيل ولا تستسلم لمثبطات الحزن ومرارة الألم وعقدة الإمكانات.
إنجاز أبطال دجلة والفرات درس جدير بالاستيعاب والإلمام بقيمته ومعانيه وتفاصيله، ونموذج جميل ومثير ولافت وصالح للاقتداء به والاستفادة منه في كثير من تصرفاتنا وقراءة واقعنا وحل مشاكلنا.. ليس فقط على الصعيد الكروي وإنما باتجاه مختلف الأفكار والممارسات ومستوى التعاملات الفردية والجماعية.
ما صنعه منتخب العراق في أمم آسيا الحالية أكبر في أبعاده الإنسانية ودلالاته الحضارية من مجرد كرة وملعب وفوز وبطولة، وكثيرون يأملون بأن تنتقل وحدة العراق وتلاحم أبنائه من المنتخب إلى عموم أرجائه وأراضيه.. كما أن النجوم الذين سطروا الإبداع في بانكوك وكوالالمبور وجاكرتا وقبل ذلك في عدد من الدول العربية وبعيداً عن أهلهم وديارهم، هم في ذات الوقت يوجهون رسالة قوية ومعبرة مدادها الحب ولونها النقاء وعنوانها الأمن والسلام والاستقرار للعراق كل العراق، التاريخ والحضارة والعلوم والخير والمعرفة، بمختلف أطيافه وأعراقه وتياراته.
إخفاق هنا ونجاح هناك
ما سر إخفاق وتراجع المعلقين السعوديين مقابل نجاح وتطور المعلقين الخليجيين وبالذات في بطولة أمم آسيا الرابعة عشرة..؟!
الأكيد أن الثقافة تلعب دوراً كبيراً في تحديد شخصية وملامح ومستوى المعلق الرياضي، وللأسف الشديد فإن كثيراً من المعلقين السعوديين لديهم قصور في هذا الجانب ولا يهتمون بزيادة تحصيلهم ومداركهم واطلاعهم، ومعظمهم توقف رصيده المعلوماتي عند نقطة بداية التعليق قبل سنوات.. بينما نجد المعلق الخليجي حريصاً على الإحاطة والإلمام بكل المعلومات، وهو كذلك راصد جيد لكل الأخبار والمواقف والقضايا التي تدور في الأوساط الرياضية السعودية.
الإشكالية الأخرى تكمن في تصنُّع المعلق السعودي وتكلُّفه في تقديم نفسه وصياغة مفرداته، كما أنه يعجز عن التعبير عن رأيه وطرح وجهة نظره وقناعاته الشخصية خوفاً من أن يحسب على هذا النادي أو ذاك، لدرجة أنه لا يستطيع أن يمتدح أو يبدي إعجابه بأداء نجم أو ينتقد مباشرة وبوضوح تصرف أو تهور نجم آخر.. في الوقت الذي يتحدث فيه المعلق الخليجي بحرية تامة مدحاً أو قدحاً، وبلغة بسيطة وتلقائية ما زال المعلق السعودي يفتقدها، وهي التي ميزت إلى حد كبير المعلقين محمد البكر وناصر الأحمد..!
***
* تخيلوا لو أن مباريات المنتخب في أمم آسيا منقولة على القنوات المشفرة، فهل سيقدم نفس المستوى والعطاء وهل سيحظى بهذا الكم الهائل من الحب والترقب والتفاعل والمتابعة من ملايين المواطنين السعوديين..؟!
* الأقلام التي هاجمت المدرب أنجوس قبل بدء البطولة ها هي اليوم تحاول تغطية فشلها ليس بالاعتذار والتراجع عن موقفها المخجل وإنما بالقول إن الصحف النزيهة هي التي تحارب أنجوس والمنتخب..!
* الأخضر لم يبدع فقط في النتائج والمستويات وإنما بطريقة تسجيل نجومه للأهداف.
* اهتمام أنجوس باللياقة البدنية على عكس ما كان عليه ويعانيه المنتخب في السنوات الماضية دليل آخر على نجاحه.
* اللوم لا يقع على وكالات الأنباء في عدم دقة معلوماتها وإنما على أمانة اتحاد الكرة التي ما زالت تغط في سبات التخبط والضياع.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5297» ثم أرسلها إلى الكود 82244
abajlan@hotmail.com