يبدو من وقائع أزمة الرهائن الكوريين في أفغانستان أن نهاية دامية ما تلوح في الأفق مع تعقد المشاورات الجارية التي يتولاها مسؤولون قبليون عديدون من بينهم زعماء سابقون من طالبان انضموا للحكومة، وتحيط بالمفاوضات حالة من الضبابية بسبب المطالب المتغيرة لطالبان، وفي الجانب الحكومي بدا أن ليس كل القرارات بيدها، ويخشى أنها لا تملك حق الإفراج عن مقاتلي طالبان الذين يقال إنهم في سجون القوات الأمريكية.
وإذا كان ذلك صحيحاً فهو يلفت النظر إلى أزمة أكبر في أفغانستان تتمثل في غياب مقتضيات السيادة والانتقاص من سلطة الدولة على أمور عديدة بينها حق التصرف في السجناء، وهذا ما يشير إلى وضع أقرب للاحتلال تمثله القوات الأجنبية.
لقد بدت وقائع عديدة تشير إلى هذا الخلل البيّن في وضع الحكومة الأفغانية، فمع ازدياد سقوط المدنيين ضحايا للغارات الجوية لقوات التحالف أبدى الرئيس الأفغاني تبرمه للقوات الأجنبية مما يحدث من تقتيل للأبرياء، مستشعراً الضغط الشعبي المتزايد والاحتجاجات على ما يحدث، وعلى الرغم من تجاوب الحكومة الأفغانية مع المشاعر الشعبية تجاه هذا الانفلات فقد تواصلت عمليات قتل المدنيين.
ولن تكون أزمة الرهائن ببعيدة عن هذه الحالة التي تتمثل في عدم امتلاك الحكومة للقرار، ما يعنى أن أمر الرهائن قد يتقرر في عواصم أخرى وليس في كابول، وبالطريقة التي تختارها تلك العواصم.
وكان الرئيس الأفغاني تعرض لانتقادات شديدة حينما أفرج في وقت سابق من العام الجاري عن معتقلين لطالبان مقابل تحرير رهينة إيطالي.. ولذلك فإن المتابعين للأزمة الراهنة يشيرون إلى إحجام الرئيس الأفغاني على الإقدام على خطوة مماثلة كي لا يقع مرة أخرى تحت الانتقادات.
ومن الواضح أن أزمة الرهائن هي مجرد واقعة أخرى في الأزمة الكبرى التي تواجهها أفغانستان حيث يتفرق الصف الوطني إلى أجزاء وجماعات متناثرة، ولذلك يصح القول إن الأفغان مطالبون بإعادة اللحمة إلى بلادهم كي يمتلكوا قرارهم وكي يعودوا إلى الوضع الطبيعي الذي تتحقق فيه السيادة على أنفسهم، فالجميع مطالبون بتأمل الوقائع لاستخلاص الدروس، ولعل أولها أن وحدتهم وتوافقهم على تسوية سياسية ما قد تنقذ كل البلاد مما هي فيه من تمزق، وأن هذه القوات الأجنبية مهما قدمت من مساعدة للحكومة فإنها في النهاية تضع مصلحة دولها فوق أي مصلحة أخرى، ولهذا فإنه من الخير أن يتوافق الجميع على صيغة من شأنها إنقاذ البلاد والعباد مما هم فيه، وقد تكون التنازلات من كل جانب خطوة نحو حلٍّ ذاتي يمكن أن يعلي كثيراً من مصلحة الوطن فوق أيّ مصلحة أخرى.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244