أن يعترف الأمريكيون بورطتهم في العراق، فهذا ليس بالشيء الجديد، فقد اعتادت أمريكا على نشر غسيلها المتسخ صباح مساء كنوع من الصراحة مع الذات وتصحيح الواقع، وأن يفتح الأمريكيون قنوات اتصال مع عدوهم المشاغب واللدود في العراق؛ ونعني به طهران، فهذا أيضاً ليس بالشيء الغريب على البراغماتية الأمريكية والنفعية السياسية المعروفين بها، ولكن ما يخشى منه أن هذا الاتصال قد يقود إلى تنسيق فيما بعد شامل ينتهي إلى ما يشابه الثنائية الاستراتيجية التي تلتقي بها المصالح وتتقاطع بها خطوط المستقبل، فينتهي العراق ككعكة حرب وصراع تقتسم بين قوتين بمعزل عن هويته العربية ومستقبله السياسي الذي لا يمكن الحفاظ عليه إلا برسم خريطة طريق جديدة تبنى على المصالحة الوطنية، وتفتح بها قنوات الاتصال مع جميع مكونات الشعب العراقي لتشكيل رزمة جديدة من المصالحات التي تتيح مشاركة جميع ألوان الطيف السياسي بما فيها الطيف السني الذي يخشى أن يكون ضحية هذا الاتصال والتنسيق الإيرانوأمريكي.
اللجنة الثلاثية التي أعلنت واشنطن وطهران والعراق إطلاقها أخيراً تحت مسببات ودعاوى تعزيز الأمن والاستقرار بالعراق والقضاء على الإرهاب كان عليها بدلاً من أن تكون لجنة ثلاثية أمنية تتقاسم وتشترك في مهام الأمن، وكلنا يعرف ماذا يعني الأمن في العراق، وأن المقصود في هذا الأمن هو أمن النفوذ والسيطرة وشرعنة التدخل والاحتلال. هذه اللجنة كان ينبغي عليها أن تأتي تحت قصد وهدف طلب المصالحة بدلاً من طلب الأمن المفقود الذي لن يقود طلبه إلا إلى المزيد من عسكرة القضية العراقية وتدجيجها بالسلاح وتهميش الأطراف الآخرين تحت اسم الإرهاب الذي اتخذ وعلى مدى طويل قميص عثمان، وذريعة واضحة لإقصاء بعض الأطراف العراقية وطمس شرعيتها ووجودها، ولعل إنكار الحكومة العراقية وواشنطن أيضاً المقاومة العراقية كظاهرة واقعية وإفراز طبيعي للاحتلال خير دليل على عقلية السيطرة والإقصاء التي باتت تسيطر على العراق.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244