«الجزيرة» - حازم الشرقاوي:
مع بداية عام 2007 اتبعت السوق المالية السعودية سلسلة جديدة من نشاطاتها المتعددة ما بين صفقات بيع وشراء يومية روتينية للأسهم وعمليات رصد لمستويات تذبذب حركة المؤشر العام وتحديد لأسعار الأسهم وأعداد وأحجام الصفقات المتداولة، وصولا إلى نتائج الأعمال اليومية التي تصف مجمل الأداء الكلي للسوق. لكنها سلسلة مترابطة ومتشابكة مع سلسلة أخرى أساسية متمثلة في عمليات التقييم والتحليل والتنبؤ وتوظيف أدوات القياس المالية لتوقع اتجاهات السوق إلى جانب تيار أخذ مكانه بشكل غير مباشر داخل حركة تقييم وتوقع الأداء وتفسير الأحداث وتوزيع المعلومات غير الموثوقة والمجهولة المصدر، والمتمثل في تيار الشائعات الذي كان يرافق بشكل غير مباشر أخبار السوق وتنبؤات أدائه المستقبلي، وخصوصا عندما بدأت السوق المالية السعودية تتبين اتجاه المؤشر العام وهي تستعد لاستقبال مجموعة اكتتابات 2007 التي أقرتها الهيئة.
دشنت الاكتتابات الجديدة بطرح أسهم شركة ملاذ للتأمين وإعادة التأمين، لتكون باكورة اكتتابات العام الذي جاء بعد أن شهدت السوق في 2006م طرح أسهم 11 شركة للاكتتاب العام الأولي بإجمالي متحصلات بلغ حوالي 28 مليار ريال، وهو رقم حققت به السعودية المرتبة الـ17 عالميا من حيث إجمالي الأموال التي جمعت من الاكتتابات الأولية، وتتابعت الاكتتابات الجديدة كحل من الحلول التي أجمع عليها أغلب المراقبين من أصحاب الاختصاص والخبرة في الأسواق المالية للخروج من الحالة التي خلفها اتجاه التصحيح الحاد على مؤشر السوق المالي منخفضا بعدما ارتفع لمستويات عالية قياسية، معتبرين التعديلات الأولية التي حدثت على المؤشر العام في 25 فبراير من العام 2006 كجزء من ردة الفعل تجاه الحماسة غير المبررة من قبل مجموعة واسعة من المستثمرين التي دفعت القيم السعرية للأسهم المتداولة لمستويات ذات روابط ضعيفة تجاه قيمها السعرية الحقيقية، ولتأتي سياسة الدفع بأعداد جديدة من الاكتتابات التي تبنتها هيئة السوق ضمن توجهاتها كسياسة مدروسة تستهدف تعميق السوق؛ الأمر الذي يحقق معدلات جيدة في نسب توازن حركة أداء المؤشر وبالتالي الوصول إلى أحجام سوقية متزايدة إلى جانب توفير التنويع في الأسهم والتعدد في طرح الشركات الاستثمارية للتخفيف من عمليات المضاربة والتلاعب بأسهم الشركات الصغيرة التي أخذت مسارها القوي داخل هيكل التداول اليومي للسوق، وللحد من فرص التنافس على أسهم شركات قليلة بإدراج عمق جديد للسوق عبر إدراج شركات مساهمة جديدة تتيح أدوات استثمارية متنوعة أمام المستثمرين وترفع من كفاءة السوق الأكبر في منطقة الخليج والمدعومة بمؤشرات نمو قوية داخل كل القطاعات الاقتصادية.
تتالي الأحداث
وتتالت أحداث السوق المالية وهي تستقبل مجموعة الاكتتابات الجديدة، التي وصل عددها حتى اكتتاب المملكة القابضة إلى 20 اكتتابا أوليا، وجاءت مبرمجة ضمن جدول زمني ينظمها، من خلال ما طورته هيئة السوق المالية على منهجية طرح الاكتتابات، فقد استقبلت السوق طرح شركات جديدة كبيرة كطرح 45% من أسهم شركة كيان السعودية والبالغ 6.750 مليار ريال سعودي، الذي يعد الأضخم في تاريخ السوق المالية، وأخرى صغيرة لتنويع مكونات السوق من الأسهم، وأيضا البدء في تنفيذ اكتتابات بصورة فردية أو مجتمعة كما حصل بطرح 6 شركات تأمين في توقيت واحد؛ وذلك بهدف تجنب انتظار أية شركة تستعد للاكتتاب فترة أسبوعين لثلاثة أسابيع حتى تتمكن من البدء في عملية الاكتتاب على أسهمها.
وشهدت السوق تطويراً في الكيفية التي تتم بها تحديد علاوة الإصدار، من خلال ما قام من تعاون ما بين المستشارين الماليين وهيئة السوق، بعدما أشركت الأخيرة لاعبا جديدا في عملية تقييم سعر الاكتتاب وهي المؤسسات المالية التي تقوم بدراسة تفصيلية للشركة التي يراد طرحها للاكتتاب ولمؤشرات التنبؤ بمستقبل القطاع الذي تعمل فيه وتحديد وضعها المالي والقانوني لتخرج تلك الدراسة التي يقوم بها محللو تلك المؤسسات المالية بتسجيل رغباتهم ببناء ما يسمى أوامر الشراء من خلال تحديد سعر الكمية المطلوبة من الأسهم ما بين حد أعلى وآخر أدنى؛ ضمانا لتحقيق سعر عادل لعلاوة الإصدار ضمن عملية يشارك فيها متخصصون في بيوت الخبرة المالية.
وجاء دور الهيئة الحيوي خلال فترة الاكتتابات الأخيرة للعام الحالي 2007 ليزيل آثار الفترة الزمنية ما بين موعد انتهاء الاكتتاب وموعد إدراج الأسهم والبدء بتداولها، حيث عملت الهيئة وبالتعاون مع المستشارين الماليين في المؤسسات المالية على تقليص تلك الفترة حتى لا تنعكس على سعر الإدراج بالمقارنة مع سعر السهم عند الاكتتاب، وذلك عن طرق تطبيق إعادة هيكلة الإجراءات المطلوبة للإدراج بحيث يتم الانتهاء من كافة إجراءات التسجيل وتأسيس الشركة وعقد الجمعية التأسيسية وتشكيل مجلس الإدارة والانتهاء من كافة الإجراءات الخاصة بوزارة التجارة والصناعة ونشر المواد الصحفية المتعلقة بذلك قبيل الاكتتاب، بحيث تعتبر الشركة مساهمة عامة بمجرد الانتهاء من الاكتتاب، ليبقى تنفيذ إجراءات الإدراج التي تنحصر في ثلاث مراحل، أولها تحديد عدد الأسهم (أي تخصيص الأسهم) ومن ثم رد فائض الاكتتاب، انتهاءً بإجراءات تحميل المعلومات على محافظ المساهمين، ولتأتي هذه العملية السلسة والمنظمة في صالح المستثمرين كونها تحقق سعر تداول عادلا، بعدما كان طول المدة الفاصلة ما بين انتهاء الاكتتاب وبدء التداول وخصوصا مع اتجاه السوق النزولي يطرح الأسهم بأقل من القيمة التي طرحت بها؛ الأمر الذي أدى إلى موجة كبيرة من التساؤلات والتكهنات الخاطئة وحالة انعدام الثقة بالاكتتابات من قبل شريحة واسعة من الجمهور وخصوصا تجاه دور هيئة السوق المالية.
وتطرح مجموعة الإجراءات المطورة والجديدة من قبل الهيئة مدى فعالية أدائها وتفهمها لدورها المتمثل في التنظيم والإشراف على السوق، البعيد عن دور الجهة التي تصدر التوصيات الاستثمارية، بل التي تسعى نحو تحسين المعايير التي تحكم السوق المالية الهادفة نحو تعميقه بتوسيع عدد الشركات المدرجة وتقويته بجذب الاستثمارات الحقيقية، ودخول مستثمرين راغبين في بناء محافظ استثمارية طويلة الأجل، وخصوصا مع تمركز لمجموعة من المضاربين داخل قاعات التداول اليومية ممن يبنون قراراتهم الاستثمارية على أساس حركة أسعار الأسهم في المدى القصير ومن خلال ذهنية تفتقر لأساسيات الوعي الاستثماري، حيث تلعب الهيئة دورا محوريا بهذا المجال في سبيل رفع درجة الوعي بمحددات طبيعة الاستثمار داخل السوق المالية من خلال خطة عمل تتضمن مجموعة نشاطات توعوية وكتيبات إرشادية توضيحية، إلى جانب ما تم مؤخرا بإطلاق موقع توعية المستثمر الذي جاء ليتوج جهود الهيئة في هذا المضمار من خلال جهد نوعي في عملية تطوير آليات الطرح وأساليب توضيح وإيصال المعلومات وتوظيف التقنية لذلك بالاستعانة مع شركة عالمية متمرسة في مجال توعية المستثمرين بكافة جوانب ومفاهيم الاستثمار في الأسواق المالية.
مهمة الهيئة والوعي الاستثماري
وما بين مهمة الهيئة في تحمل مسؤولية الرقابة على كافة مجريات السوق من خلال اتخاذ معايير التأكد من سلامة التداول فيه وتطبيق الأنظمة ومعاقبة من تثبت مخالفته وتحقيق أوسع مشاركة للناس في تنمية اقتصاد الوطن عبر تحقيق مناخ استثماري آمن وطويل الأجل من خلال التوسع في قاعدة السوق المالية بتعميقه عبر الاكتتابات المتتالية لأسهم الشركات، وما بين حقيقة الوعي الاستثماري لدى شرائح المتعاملين في السوق الذي يستجيب لتيار الشائعات المنتشرة بشكل كبير وتيار التحليل المالي غير الواعي الذي نادى طويلا لوقف الاكتتابات الجديدة، وخصوصا الكبيرة؛ لاعتقاده بأنها ستؤثر على سيولة السوق، تقف القرارات الصادرة من الهيئة لتدعم تبديد تلك الشائعات والآراء من خلال واقع ما يجري في الاكتتابات، ولنأخذ مثال ما جرى طيلة اكتتاب شركة كيان السعودية، ولنأخذ بالتحديد جزئية التخصيص، حيث لم يسلم مسار اكتتاب كيان منذ بدايته من حملات ترويج شائعات أضرت لحد كبير بصغار المستثمرين، فعملية التخصيص جاءت لتنحاز لمصلحة صغار المساهمين بعدما راعتهم الهيئة بمنح كل مكتتب بسبعة آلاف سهم وأقل كل الكمية المطلوبة، في الوقت الذي دفعت الشائعات بتوقع تدني نسبة التخصيص بشريحة كبيرة من صغار المكتتبين إلى الاكتتاب بالحد الأدنى أو أكثر قليلا، علما بأن الاكتتاب تميز بدرجات شفافية إعلامية عالية أشارت إلى اتخاذ مبدأ العدالة في توزيع الأسهم على المكتتبين وأن آلية التخصيص ستكون مختلفة.
وتأتي محصلة أداء الاكتتابات الجديدة للعام الحالي داعمة لعوامل تجدد الثقة بالسوق المالية، من خلال تفعيل آليات جديدة من قبل هيئة السوق المالية لتطوير هيكل أدائه الكلي عبر قرارات مدروسة تتفاعل مع الخبرات الحقيقية لدى المؤسسات المالية العاملة في المملكة، بل بسلسلة طويلة من المعايير التي تستشعر واقع السوق، وتخدم دعم ملاءته وتحرص على مصلحة المستثمرين؛ إذ إن مهمة الهيئة الآن هي السير نحو تفعيل آليات تعميق السوق وتوسيع قاعدة الشركات المدرجة فيه وصولا إلى مستويات مشاركة واعية ونوعية من قبل كافة المواطنين؛ للحفاظ على مجمل الأداء العام للسوق، حيث إن أعداد الاكتتابات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أي منذ بدء الهيئة لأعمالها، يفوق ما تحقق من اكتتابات خلال العشرين سنة الماضية.