بدا لبعض الوقت وكأنَّ الولايات المتحدة بصدد إطلاق حرب أخرى، وهذه المرة في باكستان، وهو أمر أثار غضب حكومة إسلام أباد المثخنة بالجراح والمصاعب، فقد أدهش حكومة إسلام أباد إعلان أمريكي حول توجيه ضربات جوية في منطقة القبائل، باعتبار أن ذلك لو تم يمثل تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية.
وعلى الرغم من أن الحكومة الأمريكية تراجعت عن تصريحاتها، فإن الأثر الذي تركته ربما لا يزول بسهولة، خصوصاً أن إسلام أباد كانت ولا تزال من أقرب أعوان الولايات المتحدة في حربها التي تشنها في المنطقة المضطربة والمتمركزة خصوصاً على الحدود الباكستانية الأفغانية، حيث تفيد معلومات حديثة للمخابرات الأمريكية أن (القاعدة) تعيد تنظيم صفوفها.
وجاءت التصريحات الأمريكية في وقت تبدو فيه حكومة مشرف أكثر حاجة لابتعاد الآخرين من خطوطها الحمراء التي تمثل حدود السيادة والأمن الداخلي، فباكستان لم تطلب عوناً فيما تفعله، وتبدو مصممة على إنجاز مهامها بنفسها، وسيكون من المحبط لها أن تتدخل قوة أخرى دون إرادتها، فهي لا ترفض التعاون لكن تتطلع أن تكون لها الكلمة الأولى والقيادة فيما يتعلق بأمن أراضيها.. كما أنها الأكثر قدرة على التفريق بين الإرهابيين وبين المواطنين العاديين، بينما الطائرات التي تلقي بحممها من أعلى ربما أحرقت الجميع على الأرض دون فرز بينهم، وهذا سبب آخر للنقمة المتزايدة على الولايات المتحدة في المنطقة. فالغضب العارم من الحروب الدولية في المنطقة تزايد كثيراً في الآونة الأخيرة عندما تحولت الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة إلى حرب ضد المدنيين، حيث يتم تسجيل عدة هجمات سقط فيها عشرات المدنيين برصاص قوات التحالف في أفغانستان المجاورة لباكستان، وتبرر قوات التحالف سقوط المدنيين بأنه أمر غير مقصود في حد ذاته، بل يأتي ذلك في سياق ملاحقة عناصر طالبان.. فالقوات الأجنبية لا تتردد في هدم منازل بأكملها على رؤوس ساكنيها لمجرد ملاحقة بضع عناصر من طالبان، ومع تواتر هذه العمليات وتكرارها بدأ الناس هناك يعتقدون أن الأمر سيان سواء حملوا البنادق أم لم يحملوها، فالنيران المكثفة تنهمر على الجميع، ولذلك فإن التقارير درجت على الإشارة إلى أن طالبان منهمكة في إعادة ترتيب تشكيلاتها واستعادة نفوذها، طالما أن كل الرصاص لا يصيبها، وذلك يتفق مع الاعتقاد السائد أن هذه الحروب التي تشنها الولايات المتحدة نجحت في توسيع نطاق الإرهاب بدلاً من القضاء عليه.
إن نماذج مما يحدث هناك تحدث بالفعل في العراق، حيث يسقط عشرات القتلى برصاص قوات التحالف خلال مطاردة المسلحين، ويخشى الباكستانيون أيضاً أن تكون بلادهم ساحة أخرى لهجمات لا تفرق بين الإرهابي والمناهض للإرهاب.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244