كان أتاتورك بمظهره المسيطر حاضراً في كلمة الفائز في الانتخابات التركية رجب أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) فقد كان أردوغان المزهو بفرحة الفوز يتحدث وصورة لأتاتورك، مؤسس تركيا العلمانية، في خلفية المشهد، وقال أردوغان لجماهيره إن تركيا ملتزمة بكافة مبادئها بما في ذلك المبادئ العلمانية، ويعطي ذلك مؤشراً للوضع الخاص المتميز للحالة التركية، إذ إنه على الرغم من التعارض البين والواضح بين الإسلام والعلمانية فإن القيادات الإسلامية في تركيا تحرص على ألا تمس من قريب أو بعيد ما توافقت عليه مختلف الاتجاهات التركية من الحفاظ على صورتها العلمانية.
وكانت من بين التعليقات اللافتة التي أعقبت النتيجة التي أعطت للإسلاميين سيطرة شبه كاملة على البرلمان، تعليق من جانب مناهضي الإسلاميين يقول: (الحمد لله إن لدينا الجيش)، وذلك في مؤشر على سطوة الجيش من خلال المجلس الأعلى، حارس العلمانية، وذلك على الرغم من تصريحات سابقة لأردوغان ان هذه السطوة التي يتمتع بها المجلس الأعلى العسكري قد تقتصر على دور استشاري لا أكثر من ذلك.ومن الواضح أن أردوغان، السياسي المحنك، يُدرك أبعاد ما هو مقدم عليه وسط حساسية كبيرة في الساحة التركية فيما يتصل بوضعية حزب إسلامي في مؤسسة تركية سياسية راسخة تعلي كثيراً من شأن العلمانية ممثلة في الأحزاب الكبرى والمجلس العسكري الأعلى، وهو لذلك ربما اختار التعايش مع واقع يفرض قدراً من التنازل، لكن نتائج الانتخابات الأخيرة قد تدفع إلى الأمام بمحاولاته للانتقاص من دور المجلس العسكري، باتجاه فرض رؤى حزبه معتمداً على الشعبية الكبيرة التي أوصلت حزبه ليحقق أغلبية برلمانية.وتركيا من جانبٍ آخر لها وجهها وتوجهاتها الأوروبية التي تستوجب ضمن أشياء عديدة ان تستوفي كامل مقتضيات الديموقراطية، وهي قد أوفت بذلك من خلال هذه الانتخابات وما سبقها من انتخابات، وليس ثمة غبار على هذا الجانب، غير أن الكثيرين من القادة الأوروبيين لا يستسيغون فكرة مثل هذا الوجود الإسلامي بين ظهرانينهم، وهناك من بين القادة الأوروبيين من يرى في تركيا رأس حربة إسلامي لاقتحام قارتهم المسيحية، ولهذا فإن إشارات أردوغان المؤيدة للتمسك بالعلمانية ليست فقط للتسويق الداخلي وإنما يقصد بها أيضاً طمأنة الدول الأوروبية بأن هذه البلاد ما زالت على نهجها القديم على الرغم من وصول الإسلاميين بقوة كاسحة إلى قاعة البرلمان وبأغلبية تتيح لهم تشكيل حكومة.ومع ذلك فإن هذه الأغلبية لا تفي بما هو مطلوب من مقاعد لاختيار رئيس الجمهورية من داخل البرلمان، ولهذا فإن أردوغان يحتاج إلى تعاون الأحزاب الأخرى العلمانية في ذلك الاختيار، الا إذا احتكم إلى الشعب في انتخابات مباشرة مؤهل للفوز بها إن لم يتدخل الجيش.