أدى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى ظهور بعض الخلافات بين وكالة الطاقة الدولية ومنظمة الأوبك على خلفية مطالبة الوكالة للمنظمة بزيادة حصص الإنتاج اليومية لتغطية الطلب العالمي المتزايد على النفط. تعتقد الوكالة أن محدودية معدلات الإنتاج اليومية مقارنة بالطلب العالمي مسؤولة عن التغيرات السعرية الطارئة في أسواق النفط، وهو ما تعتقده بعض الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية.
الوكالة الدولية أشارت في تقريرها الأخير، الذي صدر حديثاً، إلى أن (الطلب العالمي على النفط سيرتفع بمعدل أسرع من المتوقع حتى عام 2012 في حين سيتراجع الانتاج مما يؤدي الى نقص الامدادات وتراجع الطاقة الفائضة لدى أوبك) وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي أشار في تصريحات صحفية إلى (أن أسعار النفط شبه القياسية لا صلة بينها وبين عوامل العرض والطلب في سوق النفط، وأن المملكة لم تتلق أي طلب من زبائنها بزيادة الامدادات)، ونقل عن المهندس النعيمي قوله (إن نقصاً في امدادات المنتجات المكررة مثل البنزين إضافة الى التوترات السياسية العالمية من العوامل التي دفعت سعر النفط للارتفاع الى 76 دولاراً للبرميل)، (79.93) يوم أمس الاثنين، وهو تفسير منطقي لما يحدث في أسواق النفط العالمية.
الوكالة الدولية ركزت على الجانب الاستهلاكي دون الأخذ في الاعتبار جهود الدول المنتجة لتعزيز قدراتها الإنتاجية خلال السنوات القادمة. دول الأوبك تستثمر مليارات الدولارات لزيادة طاقتها الإنتاجية مساهمة منها لمواجهة الطلب المتوقع، وحفظ توازن السوق والنأي بها عن الأزمات المستقبلية. هناك استثمارات ضخمة وجهتها الحكومة السعودية لقطاع إنتاج النفط، وهناك خطط طموحة لرفع معدلات الإنتاج بما يتوافق مع معدلات الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط.
إضافة إلى ذلك فإن السعودية، على سبيل المثال لا الحصر، دائماً ما تحتفظ بجزء من طاقتها الإنتاجية غير المستغلة تحوطاً للأزمات العالمية، وكم نجحت السعودية في استغلال طاقتها الإنتاجية الفائضة لسد عجز الإمدادات النفطية، وحفظ استقرار الأسواق خلال الأزمات السياسية والعسكرية الماضية. في الوقت نفسه، فإن الوكالة الدولية لم تشر إلى ارتفاع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة الأمريكية الذي بلغ في الشهر الحالي أعلى معدلاته خلال السنوات التسع الماضية، وهو أمر لم يكن ممكناً لولا وجود الوفرة الإنتاجية الكافية لمواجهة طلبات المستهلكين الأساسية، وطلبات التخزين القياسية!!
المهندس علي النعيمي تحدث عن (أزمة الإمدادات) بشفافية وأمانة قل أن تجدهما لدى الوكالة الدولية أو بعض الدول الصناعية التي دأبت على استغلال أسواق النفط العالمية لتمرير بعض استراتيجياتها السياسية والعسكرية.
الوزير النعيمي أشار إلى أن المملكة لم تتلق أي طلب من زبائنها بزيادة الإمدادات، وهو مؤشر القياس لمعدلات الطلب الصريحة، وكل ما يقال خارج هذا الإطار لا يعدو أن يكون محاولات بائسة لتجاوز الأسباب الحقيقية الكامنة خلف ارتفاعات أسعار النفط القياسية. كما أنه لم ينس أن يشير إلى نقص إمدادات المنتجات المكررة كالبنزين وأثره المباشر في رفع الأسعار.
أعتقد أن كل ما يحدث من تجاذبات حادة في أسواق النفط لا يمكن عزله عما يحدث على ساحة النزاع الأمريكي في المنطقة، وهو ما يمكن أن يقود إلى معرفة المتسبب الحقيقي في أزمة أسعار النفط الحالية، وزيادة معدلات الطلب المتوقعة التي يُعتقد أن يكون جزء منها موجهاً للخزن الاستراتيجي لا الاستهلاك المباشر.. هناك قلق دولي واضح من النوايا الأمريكية العسكرية في المنطقة، وما سينتج عنها من تداعيات مستقبلية قد تؤدي إلى التأثير في صادرات النفط الخليجية، وربما عمليات الإنتاج أيضا، وهو أمر لا يمكن استيعابه في سوق نفطية مضطربة تعتمد في استقرارها على صادرات النفط الخليجي.
فالأسعار العالمية للنفط الخام لا يمكن لها مواصلة الصعود القياسي مع توافر الإمدادات وزيادة معدلات العرض، وإن نقصت إمدادات المنتجات المكررة. أعتقد أن التوترات العسكرية، وانعكاساتها على عمليات الإنتاج والتصدير هي وحدها المسؤولة عما يحدث حالياً في أسواق النفط العالمية.
فضل بن سعد البوعينين
albuainain@hotmail.com.f