بدأت الإجازة الصيفية هذه السنة بالنسبة للطلبة الناجحين على مستوى المملكة. ربما يسافر القادرون مادياً إلى الخارج لتعلم اللغات أو السياحة ونسبتهم لن تزيد عن 40%. هناك فئة عمرية يزيد عددها عن المليون طالب،
أعداد ضخمة من الطلبة لن تسافر للخارج.
فمن هي الشريحة المستهدفة في هذا الموضوع تحديداً؟.. هم الطلبة الذين أنهوا مرحلة الدراسة المتوسطة ولم ينهوا المرحلة الثانوية لأن الذين أنهوها سينشغلون بالتسجيل في الجامعات في الداخل أو متابعة أمر البعثات لمواصلة الدراسة الجامعية ونتمنى لهم التوفيق والعون لأولياء أمورهم.
العمر المستهدف من 15 سنة إلى 18 سنة، عمر له أهميته في صقل الشخصية وخلق طريقة التعامل مع العالم خارج إطار المدرسة والأسرة الصغيرة. وبالنظر لهذه الفئة أثناء الدراسة نجد أنها منقطعة التفاعل مع الوسط المحيط بهم !... لماذا؟ لكي لا نخلق لهم عذراً في التقصير الدراسي!.. ماذا تولد عن ذلك؟
قصور في القدرة على التعامل والتفاعل مع الآخرين لعدم الاعتياد على هذا التعامل أصلاً.
لاشك إننا بحاجة ليستفيد أبناؤنا من هذه العطلة عبر تأهيلهم وتدريبهم علي وظائف يمكن أن تصبح لهم خياراً وظيفياً في المستقبل، وخصوصاً لمن لم يكتب لهم التوفيق في حياتهم الدراسية والأكاديمية إن تجربة الغرف التجارية بالمملكة في تأهيل وتدريب الشباب السعودي علي العديد من برامج العمل هي تجربة جديرة بأن تكثف خلال العطلة الصيفية حتى يستفيد منها أبناؤنا الطلاب حتى لا نكون أمام أمر محتوم ومجبرين على قبوله.. وهو عطلة صيفية برنامجها ألعاب كمبيوتر، وغرف محادثة (الشات) ومنتديات الإنترنت، أشرطة الفيديو، وتسمر أمام الفضائيات، وذلك في حدود اثنتي عشرة ساعة يومياً، لأن الاثنتي عشرة ساعة الأخرى نووووم... عدا من تطول به قدمه إلى المعسل والمقاهي المنتشرة في أطراف المدن، وأمور.. وأمور معظم الناس يعرفها، ولكن ليس كل ما يعرف يقال وما كل ما يقال يقال في كل حين!!
حتى المناسبات الاجتماعية وخاصة حفلات الزواج التي تكثر في العطلات الصيفية لا يشاركون فيها ويبقون في المنازل أو يخرجون بسياراتهم إلى البر!.
من خلال تجربة شخصية وجدت نفسي أمام مسئولية التعامل مع هذه الفترة عوضاً عن الاستسلام لها وتركها تذهب هدراً. أخذت أتفكر ووجدت أنه قد يكون من المفيد إرسالهم إلى البر وتركهم ليعيشوا مع البادية.
الكثير من الزملاء ممن صادفتهم وقابلتهم أعجبوا بهذه الخطوة وشجعوني عليها وأنهم يتمنون أن تتاح لأبنائهم ولكن ليس لديهم أقارب في البادية فقد سكن الجميع المدينة وأصبح الحال مشتركاً.
وهنا أود أن طرح اقتراح أو فكرة أتمنى أن تدرس وتطبق في البداية ولوعلي أعداد محدودة لمن يرغب انخراط أولاده فيها.
هذه الفكرة هي أن تقوم الهيئة العليا للسياحة بإعداد برامج تدريبية وتثقيفية حول الصحراء وثقافة السياحة الصحراوية لمدد في حدود، ويعلن عنها للراغبين في الانضمام لها. حيث تقام هذه البرامج في قلب الصحراء لتعيد إليهم سيرة وأسلوب حياة الأجداد, خيام وإبل وغنم، دون كهرباء أو هاتف أو مطابخ حديثة. الشاهد الوحيد على الحضارة ويكون ذالك برفقة جهاز طبي لمعالجة حالات الطوارئ فقط.
يتعلمون خشونة العيش والرماية, ويتعلمون ركوب الخيل والإبل ورعي الغنم وحلبها وتعليفها وذبحها، والتعامل مع الماء كثروة ثمينة للحياة, يتعاملون مع التكييف كنعمة ذات قيمة وليس حقاً لا نقاش فيه, يتعلمون نصب الخيام والارتحال، وأن يناموا فور وضع جنوبهم على الرمل بعد صلاة العشاء وليس بعد شروق الشمس، يتعلمون تحضير وجباتهم بأنفسهم, ويتعلمون الصبر.
ومن الأهمية بمكان الاستفادة من خبرات كبار السن غير المكتوبة بمشاركتهم وإشرافهم لبعث شعورهم بأهميتهم ودورهم في إنشاء جيل قادر قوي الشخصية لكي تتواصل تلك الخبرات مع النشء الحاضر لنرى شيئا من خصوصيتنا وأصالة الجزيرة العربية وقد أثرت في شخصية ونفسية هذا الجيل وفي بناء مقدراته العملية والإنتاجية.
ولكن لماذا الهيئة العليا للسياحة تكون المعنية بذلك؟
لأن هذه التجربة يمكن أن تصبح تجربة استثمارية ناجحة تخدم عدة فئات من المجتمع خصوصا الشباب وكبار السن المتقاعدين والذين سيحسون بأهميتهم في المجتمع وهذه مسئولية لابد لجهاز عام أن يحتضنها في البداية ليثبت نجاحها.
وفي الختام أرجو أن يدرس وأن يعرض عن هذا الموضوع... موضوع استغلال العطلات الصيفية لهذه الفئة من الأبناء بنظرة وطنية مستقبلية وفي نفس الوقت بفكر سياحي واستثماري راقي بعيد المدى يخرج بنا من مفهوم أن السياحة أداة لقتل الوقت وفي أفضل الأحوال تمضيته.. نعم قد تكون هناك سلبيات لهذه التجربة ولكن لا حدود لإيجابياتها.. والعرب في القدم كانت ترسل أولادها للبادية ليس فقط لتعلم اللغة العربية ولكن من أجل التعلم والتطبع بأشياء أخرى إلى جانبها، والله الموفق.
المستشار القانوني إبراهيم الكلثم - الرياض
Kaltham3@yahoo.com