Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/07/2007 G Issue 12714
الاقتصادية
السبت 07 رجب 1428   العدد  12714

قراءة في كفاح رجل
رحلة الفقر والغنى (2-2)

ولعل المواقف التي مر بها.. وخاصة ذات البعد الإنساني.. والتي تثبت أن الرجال ذاك الحين.. كلمة.. يقول فتحنا شركة مع المرحوم عمر باحمران وكانت لديه وكالة يشتري بموجبها الأراضي باسمه وذهب للأحساء وتوفي في حادث سيارة رحمه الله. ولكن أبناءه جزاهم الله خيراً افرغوا جميع استحقاقاتنا من أراضٍ باسمنا دون أي مطالبة منه بذلك حتى الأراضي التي اشتراها في الخرج دون علمنا وهذا دليل على الحرص على كسب المال الحلال والعف عن الحرام قال عنها شعراً:

ازرع ونق الزرع من شان تحصر

مثل الذي حصن ضيافاً بالاوثاد

ولا تتكل تندم ولياك ترقد

تكون ضحكة دوم للحضر والباد

اقنع بما تضبط ولا أقول ازهد

ترتاح إن رمته ويتعبك إن زاد

وعن موقف له مع الشيخ سليمان الراجحي عام 1377هـ حيث أرسل له تجار الرياض مندوبين عنهم حيث أرسل الشيخ عبد العزيز الحقباني أخاه سلمان رحمه الله مندوباً عنه وسليمان المقيرن أرسل ولده عبد العزيز وصالح الراجحي أخاه سليمان الذي ذهب معنا لأداء فريضة الحج وهذا الرجل منذ نشأته وهو آية من آيات الله زاده الله من فضله وكان إذا أصبح في منى وعرفة ذهب ولا يعود إلينا إلا في المساء وإذا قلت له أين كنت؟! أجاب أنا ابحث عن خالي يقولون انه حاج وإذا ذهبنا إلى مزدلفة ذهب ولم يعد إلا حلول الفجر. ثم عرفنا بعد ذلك انه يذهب لشراء العملات من الحجاج لأنها ارخص قيمة فهو يحج ويعمل وكان عمله بإخلاص النية وصفائها. والآن بفضل الله ومشيئته يعد من أغنى رجالات البلد. وهذا فيه درس للشباب حيث انه يسعى ويجاهد لطلب الرزق.

وعن إحدى رحلاته للهند مع الملك سعود رحمه الله حيث أوصاه بعض الأخوة على دهن عود يقول أبو إبراهيم اشتريت 500 تولة سعر الواحدة 40 روبية وهي تعادل 35ريالاً سعودياً وكنت أحياناً اشتري أربع تولات دهن عود أصلي بروبية.. ويا سبحان الله سعر التولة اليوم 8000 ريال.

وينتقل أبو إبراهيم للتحدث من خلال كتاب رحلة الفقر والغنى بما كان يربطه من علاقات مع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مبنية على الحب في الله والتعاون على البر والتقوى حيث بدأت الصداقة في حدود عام 1356هـ في رحاب مكة المكرمة واستمرت بحمد الله وزادت رسوخا ً عبر العمل الخيري الذي لم ينقطع ومنه انطلقت مؤسسة محمد وعبد الله السبيعي الخيرية وتمت ترجمتها عام 1423هـ بعد عرضها من قبل الأخوين على أبنائهما حيث باركت أسرة الأخوين هذا التوجه الذي تقوم عليه هذه المؤسسة لتقديم العمل الخيري بكافة أشكاله اجتماعياً.. وتعليمياً.. وثقافياً.. وصحياً.. وإغاثياً.

وتطرقت (هدى السبيعي) في كتابها عن والدها وعن الشعر في حياة أبي إبراهيم وقالت انه ليس مشغول الفكر بالتجارة فقط وإنما جمع بين عقل التاجر الصادق وقلب الشاعر المرهف ووجد في نظم الشعر المتنفس الوحيد بعد اللجوء إلى الله.. وقد قال في إحدى قصائده عن فضل الوالدين:

لو نجتهد كل الجهد ونتعنا

مثل الذي ينزح من البير بغطاه

كن الثرى مثل الثريا توني

حنا الثرى وهن الثريات رفيعات

وقال في أخيه عبد الله:

عضيدي شقيقي يقصر لمدح دونه

همام وفي طيباته تعدّدت

وقال أبو إبراهيم في زوجته:

مهما تعرض ومهما بي ثهلىّ

عندي كحيله أصيله من اصايل

مأمونة حرة وتشيل حملي

وتصبر على غلطتي ولو كنت عايل

حب أريش العين تل القلب تل

هو قايد الريم هو كث الجدايل

وفي رثاء الملك فيصل رحمه الله قال:

ظهر الثلاثاء حل بالمملكة كرب

يا الله عسى عقبه سعود نراها

هات أتعلم باملاه من تومة القلب

لعل يشفي علتي ما براها

وهات المطابع كلها واضبط الكتب

وأكد على كل الجرايد نباها

وفي الشعر كان لأبي إبراهيم كثير من القصائد من الموعظة وروح الطرافة والحكمة والرثاء والقصائد الوطنية وشعر الرد وغيرها من أغراض الشعر العربي المعروفة وقد جمعت في ديوان له مطبوع ومتداول بعنوان (من النوادر.. تاجر وشاعر) أتمنى إن شاء الله أن يأتي اليوم الذي اكتب عنه واستعرض هذا الديوان.

وأورد في الفصل السابع لكتاب رحلة الفقر والغنى بعضاً من وصايا ويوميات والد هدى السبيعي للشباب ورؤيته لمستجدات الحياة.. سألته مرة عن موضوع يشغل باله فقال: يؤلمني جداً عندما اسمع إن أمريكا اكتشفت قبل 350 سنه فقط وان سكانها الأوائل أميون وخلال هذه الفترة الوجيزة تألقوا بالعلم وسادوا العالم بسياساتهم ومخترعاتهم. وكذلك اليابان طورت من نفسها في فترة محدودة وأصبحت تشتهر بالصناعات الدقيقة جداً. أما منطقتنا فمختلفة على الرغم من أنها صاحبة حضارة عريقة عمرها آلاف السنين وقد برز فيها أبطال وعباقرة في كل مجال استفاد منهم علماء الغرب واكتسبوا من خبراتهم. والمؤسف أن بعض علماء العرب يذهبون إلى الغرب حيث يمنحونهم الجنسية ويغرونهم بالمال حتى يستفيدوا منهم في شتّى العلوم وهذا أمر مؤسف وبلادهم أحوج لهم.

وبحكم خبرته وتجربته الطويلة كان يوجه نصائحه للشباب قائلاً:

إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك فيها وحب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسك وإياك والعجلة في الأمور قبل أوانها وضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه.

وتحدث الكتاب طويلاً عن العلاقة بين الأخوين محمد وعبد الله السبيعي وكانت والدتهما تدعو لهما أن يجمع الله بينهما وكان أبو إبراهيم حريصاً إلى اليوم للتواصل مع أخيه عبد الله (المقيم في جدة) ورعايته حيث اعتنى به وحفظّه القرآن الكريم وألحقه بالمدرسة وعندما انتقلا بداية حياتهما من المسيجيد بالمدينة المنورة إلى مكة أدخله المدرسة في المعلاة حيث تتلمذ على يد الأستاذ عبد الكريم الجهيمان ثم درس الخط عند الخطاط الحلواني بباب الزيادة وكان أخوه عبد الله عضده وساعده ويقول الشيخ محمد مبيناً هذه العلاقة (أنا وهو كما قال معاوية ابن أبي سفيان لو كان بيني وبين الرعية شعرة لم تنقطع إذا جروها أرخيتها وإذا أرخوها شددتها فهو مكمل لي وأنا مكمل له).

وقال القائل لأخيه:

ينام الليل من له قلب خالي

ولا باع الهموم ولا شراها

فرد عليه أخوه قائلاً:

ينام الليل من له أخ مثلك

وكافيه الهموم اللي وراها

وفي الفصل العاشر والحادي عشر ما كتبه بعض أصدقائه عن (والد هدى) كانت الأولى من سمو الأمير سعد بن خالد - رحمه الله - والذي كان قريباً منه يقول سموه عن أبي إبراهيم:

بدأت علاقتي بالشيخ محمد السبيعي في أواخر التسعينات الهجرية وذلك عندما أصبحنا جيراناً في حيّ عليشة ومنذ ذلك التاريخ نشأت بيننا علاقة أخوية عميقة.

وتحدث سموه - رحمه الله - عن صديقه وجاره أبي إبراهيم بأنه لم يعرف عنه طوال العقود الأربعة الماضية إلا الإخلاص والولاء والمحبة الصادقة للوطن وأبنائه وولاة الأمر في السر والعلن.. وأضاف - رحمه الله - ما زلت اذكر موقفاً حضرته في مزرعة الملك خالد رحمه الله في الثمامة حيث كنا في جلسة وكان معنا مجموعة من أصحاب السمو الأمراء ودخل السبيعي وسلم على الملك ثم الأمير فهد وكان ولياً للعهد آنذاك فقال الملك خالد موجهاً كلامه للأمير فهد ما رأيك في هذا الرجل (أي يقصد أبا إبراهيم) فرد عليه قائلاً: إن لي موقفاً معه لا أنساه وهذا الموقف دليل على شهامته ومحبته لأهل الوطن ومازلت أتمنى أن يأتيني ويطلب مني شيئاً له لأرد له هذه الموقف لكن دائماً يأتي بطلب أو معامله لغيره محتاجاً كان أو عاجزاً.

وتحدث سموه عن جاره وعن علاقته الحسنة بالجيران وانه حريص دوماً على زيارتهم والوقوف معهم في أفراحهم وأحزانهم وكنا نجتمع نحن سكان الحي إما عند أبي إبراهيم أو عند الشيخ علي البرغش أو في بيتي. ومن عادتي أن أمارس رياضة المشي بعد صلاة الفجر وفي يوم من الأيام رأيت الشيخ محمد السبيعي خارجاً من المسجد وقد وضع شماغه على كتفه وهو يردد بعض الأبيات الشعرية التراثية (يهيجن) كم تمنيت أن يرى جيل اليوم كيف هي بساطته بالرغم مما انعم الله به عليه وقلت له مازحاً: أبو إبراهيم أنت قبل شوي تستغفر وتسبح وتهلل والحين تهجن.. فرد مداعباً يا ابن الحلال ساعة لربك وساعة لقلبك.

وفي نهاية كلمة أبي خالد - رحمه الله - واسكنه فسيح جناته أثنى على عائلة وأسرة السبيعي وان الله انعم عليه بذرية طيبة وصالحة ولهم في قلبه الكبير رحمه الله كل المعزة والتقدير.

وكلمه أخرى ضمنها كتاب رحلة الغنى والفقر كانت بعنوان شاعرية السبيعي كتبها معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر أسهب من خلالها الحديث عن أبي إبراهيم وان الكثير من الناس لا يعرفه إلا رجل أعمال ومال ناجح وعدد صفاته الحسنة وأعماله الخيرية ومعاناته بداية حياته وانه كان يعمل (صبياً) عند عمّه بالأجر في مكة ويحمل زفة الماء طوال النهار وتحدّث عن شاعريته وانه من أول الأمور التي شاعت في قصائده حبه المنقطع النظير لزوجه أم أولاده واعترافه بجميلها عليه.. والثاني حبه لأخيه واعتزازه به وإشادته بالتعاون بينهما.

وأضاف معاليه: إن من الأغراض التي تتكرر في شعره حبّه لأولاده ورعايته لهم وحرصه على تعليمهم وإعطائهم حصيلة تجارب عمره في الحياة. وان قصائد أبي إبراهيم كل واحدة تحتاج إلى دراسة لان فيها ما يمكن أن يخرج به من حكم ومن حصيلة تجارب.

وشعره عفوي توحيه الساعة ويأتي به الظرف.. يستثيره شعوره أمر فيكب صافي فكره فيه شعراً ولهذا فقصائده سجل لما مرَ بذهنه من صور وما دغدغ صوره من عواطف. صلته بأهله، صلته بحكامه، صلته بأقاربه، صلته بأصدقائه شعوره في السفر. شعوره في الإقامة، شعوره وقت الشدة، شعوره وقت الرخاء.

وكانت هناك كلمات عديدة عن أبي إبراهيم من سليمان الراجحي، وعبد الله بن عبدالرحمن الخريف، والدكتور فؤاد بن سليمان الغنيم، ومساعد اليحيى السليم محافظ عنيزة المكلف، وصالح بن عبد الله العماش، جواهر بنت محمد بن سلطان، علي بن عبد العزيز الريس، وخالد بن عبد العزيز المقيرن.

وينتهي كتاب رحلة الفقر والغنى للأخت هدى السبيعي بانطباعات ومشاعر الأبناء والبنات يتحدثون من خلالها ويشاركون الأخت التي جاهدت من اجل إعداد هذا الكتاب عن والدهم.

هدى السبيعي أرى أنها نموذج رائع.. وهي تكتب من قلبها.. وجوارحها بعاطفة وبصدق.. ووفاء.. عن والدها.. وليس عن نفسها.. كم نحن في أمس الحاجة إلى مثل تلك اللمسات.. عندما يتذكر الأبناء.. الآباء والأمهات وخاصة ممن لديه ملكة الكتابة.. وكتابة المذكرات.. بتكريمهم بتدوين تجربتهم وان يكونوا كما فعلت الأخت هدى السبيعي في حياة الأب أو الأم.. إن هذا والله قمة الإحسان.. والوفاء للوالدين.. نكتب أو نكّرم الأب.. وألام.. والموظف.. ورجال الأعمال.. نكرمه في حياته.. ان هذا هو عين الوفاء.

عبدالله محمد آل الشيخ


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد