تمر بلادنا حالياً بتحولات اقتصادية كبيرة، حيث ترغب وتعمل الحكومة نتيجة للمعطيات الحالية والتغيرات المستقبلية على نقل الكثير من مهامها (التطويرية والتمويلية والتشغيلية) وفي معظم القطاعات إلى القطاع الخاص الذي من المفترض أن ينهض بها بكفاءة عالية لما يتمتع به من إمكانات كبيرة، ومرونة وقدرات تنافسية (لا تتوفر للقطاع العام) تمكنه من التكيف مع المتغيرات بما يتناسب وسرعتها.
وكلنا يعلم أن عملية النقل هذه عملية ليست مستحيلة كما أنها ليست بالسهلة، ذلك أنها تنقلنا من معادلة ألفناها وتوازنا مع متغيراتها إلى معادلة جديدة قد تسبب لنا اختلالات يصعب السيطرة عليها خصوصاً إذا تمت بارتجالية على أساس التجربة والخطأ بدلاً من الرجوع إلى الخبرات والاستفادة من التجارب الناجحة محلياً وعالمياً.
ولكي يكون التحول الاقتصادي سليماً وهادئاً وذا آثار إيجابية على الجميع بحيث يتوازن الناس معه دون مصاعب ودون معاناة، بادر القائمون على القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي كل من طرفه إلى تدارس الوضع للوصول إلى أفضل السبل للمضي قدماً في عملية النقل لاغتنام الفرص المتاحة وتجنب المخاطر المحتملة، بما يحقق نمواً اقتصادياً كبيراً ينعكس إيجاباً على جودة حياة المواطن السعودي.
ومن تلك المبادرات المتميزة مبادرة غرفة الرياض في إطلاق منتدى الرياض الاقتصادي بهدف إيجاد آلية فعّالة لمناقشة القضايا الاقتصادية الأهم فالأهم، للخروج بتوصيات يمكن توظيفها لتحسين البيئة الاستثمارية بتعزيز الإيجابيات ومعالجة السلبيات، ولقد لاقت هذه المبادرة المتميزة دعماً منقطع النظير من الحكومة تمثلت بالرعاية الكريمة للمنتدى من لدن خادم الحرمين الشريفين أيده الله، والتي عززها بتوجيه الجهات الحكومية وعلى رأسها المجلس الاقتصادي الأعلى بالعمل على الاستفادة من توصيات المنتدى والنظر في تنفيذها.
كما لاقى المنتدى دعماً مالياً مناسباً من كبريات الشركات السعودية التي لم تتوانَ في رعايته لكي يستطيع أن ينهض بالمهام المناطة به، وهم مشكرون على ذلك جزيل الشكر، وإن كان المنتظر أكثر بكثير على اعتبار أن القطاع الخاص سيكون المستفيد الأكبر من توظيف وتفعيل توصيات المنتدى.
ولقد رأى القائمون على المنتدى ضرورة تطوير منهجية خاصة به تمكنه من تحقيق أهدافه المنشودة التي عبروا عنها في شعاره (نحو تنمية مستدامة)، وذلك لكي يحقق الدور المناط به في ظل التحولات الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها بلادنا، ولكي يكون المنتدى وسيلة فعّالة في دعم صانع ومتخذ القرار ببناء صورة واضحة متكاملة ومترابطة العناصر لكل قضية ذات أبعاد اقتصادية يراد قراراًَ بشأنها. المنهجية التي اعتمدت حسب ما أعرفه، تقول بضرورة الاستمرارية في التحضير لفعاليات المنتدى نحو عامين كاملين تقريباً، وذلك باستقطاب ذوي الدراية والمعرفة والاختصاص للبحث في اختيار المحاور والدراسات التي سيناقشها المنتدى والتي تم اختيارها بناء على لقاءات متعددة مع ممثلي القطاع الخاص، على اعتبار أن توسيع المشاركة والحوار المعمق من قِبل النخب الممارسة ذات الخبرات المهنية القادرة على تقديم خبراتها ومعارفها لصالح الاقتصاد الوطني سترفع جودة التوصيات بما يجعلها حلولاً منطقية وواقعية قابلة للتطبيق كعلاجات ناجعة للموضوعات والقضايا التي تشكل محور اهتمام الدولة والقطاع الخاص.
ومن الطبيعي أن تتطلب هذه المنهجية إمكانات مالية وبشرية وتعاونية ضخمة تتناسب والمهمة الكبيرة من ناحية وحجم الاقتصاد السعودي وقضاياه من ناحية أخرى، وهذا ما حدا بالقائمين على المنتدى لبناء هيكلة خاصة بالمنتدى، حيث أصبح له مقر دائم، كما أصبح له مجلس أمناء يضم خبراء ومختصين وعاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وله أمانة عامة ذات خبرة واسعة في مجال البحث والإعداد والمتابعة.
ولكن للأسف الشديد وعلى الرغم من اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بالمنتدى، وعلى الرغم من أهميته لكونه يتداول قضايا اقتصادية جوهرية، وعلى الرغم من تفرده بمنهجية تحقق أعلى درجات الجودة الممكنة للخروج بتوصيات سليمة وقابلة للتطبيق، إلا أنه يعاني من ضعف الإمكانات المالية التي تمكنه من تحقيق الأهداف النبيلة التي يسعى لتحقيقها، خصوصاً تلك التي تتعلق برفع درجة الوعي بالقضايا الاقتصادية لدى كافة قطاعات التنمية الثلاثة (الحكومي- الخاص- غير الربحي ) لتتكامل في تحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة.
وكلنا ثقة بحكومة خادم الحرمين الشريفين لدعم هذا المنتدى مالياً ومعنوياً ومن ثم برجال الأعمال القائمين على كبريات الكتل الاقتصادية بدعم المنتدى مالياً وفكرياً، ليصبح المنتدى - كما يراد له -آلية مثلى وفاعلة في بناء وعي اقتصادي عام يساهم في تعزيز إمكانية القطاعين العام والخاص للقيام بعملية التحول الاقتصادي بهدوء وبدرجة عالية من النجاح، لتنطلق بلادنا في تحقيق النهضة الاقتصادية المنشودة في عالم تتزايد في المنافسة على كافة الصعد، وإذا لم يتحقق ذلك فإن المنتدى سيبقى ذا أهداف نبيلة وإمكانات متواضعة، وكلنا يعرف ما معنى ذلك؟!
د. عقيل محمد العقيل
alakil@hotmail.com