Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/07/2007 G Issue 12714
مقـالات
السبت 07 رجب 1428   العدد  12714
الخنزير.. وجزيرة العرب
د. محمد ناصر الحقباني

يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ}(3).

كذلك يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(145).

يجهل البعض منا أن تحريم لحم الخنزير ومشتقاته في القرآن الكريم بسبب ضررها على صحة الإنسان كان من معجزات نبوة النبي الأمي محمد صلى عليه وسلم التي أثبتها العلم.

يقول المرتد ابن وراق Ibn Waraq في كتابه الجائر (لماذا أنا ليس مسلماً؟) Why I am not a Muslim?: مرض داء الشعرية Trichinosis سببه دودة خيطية طفيلية تسمى دودة التريخينا Trichinella spiralis تنتقل للإنسان من اللحم غير المطبوخ جيداً والملوث، والتي تتواجد دائماً في لحم الخنزير.

يؤكد ابن وراق أن من أعراض هذا المرض الحمى، وآلم في العضلات، و قرحة في العين، وانحراف في الصحة.ويمضي ابن وراق فيقول: غني عن البيان لا يوجد أحد في التوراة الشرق أوسطية قد عرف أي شيء عن هذا المرض أو علاقته بالخنزير والبشر.

لم يكتشف العلماء وجود هذه الدودة الطفيلية في عضلات الإنسان إلا فقط في السنة الميلادية 1835 (أي قبل نحو 172 سنة)، و لم تعتبر آنذاك مضرة بصحة الإنسان. لم يدرك العلماء أن هذه الدودة الطفيلية تنتقل للإنسان من أكله للحم الخنزير ومشتقاته وربما تسبب الأمراض للإنسان إلا في السنة الميلادية 1859 (أي بعد 24 سنة من اكتشاف هذه الدودة).

ويشير ابن وراق في كتابه الضال أنه يوجد ما لا يقل عن 350000 عدوى جديدة سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية ومع ذلك فقط 4.5% من الحالات تظهر عليها علامات تدل على و جود المرض!

وهنا يعبر ابن وراق عن استغرابه واندهاشه من معرفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بضرر لحم الخنزير ومشتقاته لصحة الإنسان قبل اكتشاف علماء الغرب له بأكثر من 1400 سنة.

وسبب استغرابه الشديد هو أن الخنازير لم تكن معروفة عند العرب قبل الإسلام، وهو ما ذكره وأكده العالم بليني Pliny في كتابه التاريخ الطبيعي Natural History والذي أشار فيه إلى عدم وجود الخنازير في جزيرة العرب آنذاك.

ويتساءل ابن وراق: (إذا كان هذا هو الحال، لماذا يحرم محمد (صلى الله عليه وسلم) حيواناً من غير المحتمل أنه كان موجوداً في جزيرة العرب، فضلاً عن تحريم أكل لحمه؟) يقصد ابن الوراق بهذا الكلام أنه طالما أن الخنزير لم يكن موجوداً في الأصل في جزيرة العرب كيف علم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بضرر لحم الخنزير على صحة الإنسان وجعله يحرم لحمه ومشتقاته؟ في هذا الجدل من قبل ابن الوراق دليل على عالمية رسالة الإسلام وعدم خصوصية هذه الرسالة السماوية بجزيرة العرب.

قال تعالي:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).

تشمل تعاليم الإسلام العرب وغير العرب، وليست مقيدة بزمن أو مكان معين، بل هي صالحة لكل الأزمنة والأمكنة.

لم يكن الخنزير من اللحوم التي يتناولها العرب في عصر النبي محمد صلي الله عليه وسلم، ولو كان كذلك لذكره الله سبحانه وتعالى كما ذكر الآيات المحرمة للخمر وللميسر المتفشيين آنذاك في الجزيرة العربية، لذا ففي تحريم لحم الخنزير دلالة واضحة على شمولية رسالة الإسلام لبني البشر أجمعين وليست فقط العرب.

بهذه الحقائق المثبتة علمياً بخصوص لحم الخنزير ومشتقاته يقف المرتد ابن وراق عاجزاً أمام معجزة من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وكغيره من المرتدين يحاول ابن الوراق تقديم حجج واهية غير علمية على الإطلاق في تفسيره لتحريم لحم الخنزير في القرآن الكريم. فتارة يقول: (إن منع الخنزير ومشتقاته ما هو إلا محاولة من المسلمين في إيجاد تعريف لهويتهم وعقيدتهم، خصوصاً عند مقارنتهم باليهود).

يبدو أن ابن وراق يتجاهل أن لحم الخنزير قد حرم أيضاً في الديانة اليهودية! وتارة أخرى يذهب ابن وراق أبعد من ذلك ويدعي أن تحريم الخنزير ومشتقاته وصل إلى جزيرة العرب من بعض الطوائف اليهودية والنصرانية التي حرمت لحم الخنزير! مرة أخرى يتجاهل ابن وراق أن رسالة الله في الأرض واحدة نادى بها جميع الأنبياء والرسل، وهي: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف:59)، وأن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم - برسالته الخاتمة لكل الأديان السماوية والشاملة لجميع البشر لم يكن ينطق عن الهوى ولكن كان ناقلاً صادقاً لكلمة الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه أعلم بما ينفع و يضر خلقه.

قال الله تعالى واصفاً نبيه الأمي الأمين محمداً صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم، 3-4).

يحاول ابن وراق أن يقنع قراءه من الغربيين - المعنيين بلحم الخنزير والذين يخاطبهم في كتابه - أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) هو مؤلف القرآن الكريم، وأنه قد علم بالخنزير من اليهود والسامرين في فلسطين، وأنه لذلك لم يأت بشيء جديد.

ولكن ابن وراق فشل في إقناع قراءه ونفسه - بطريقة مقنعة وعلمية - كيف توصل هذا النبي الأمي إلى حقيقة علمية (وغيرها كثير في القرآن الكريم) لم تكن معروفة في عصره وهي أن لحم الخنزير له أضرار على جسم الإنسان.

إن منهج ابن وراق في هجومه على الإسلام لا يختلف كثيراً عن منهج غيره من المرتدين، وهو محاولة التشكيك في شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومحاولة قلب الوقائع لتتماشى مع أهوائهم و أهدافهم في تشويه سمعة الإسلام في الغرب الذي ربما يجد في هؤلاء المصدر الوحيد للإسلام، خصوصاً أن معظم هؤلاء الحاقدين على الإسلام يجدون الدعم من المؤسسات المعادية للإسلام التي تعمل على إخراج هذه الكتب بلغة فلسفية أكاديمية راقية تحاكي عقلية الغربيين المهووسين بهذا النوع من الكتب.

أستاذ اللسانيات النفسية والتطبيقية - المساعد بكلية الملك فهد الأمنية

alhuqbani@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد