د. حسن الشقطي:
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع على ارتفاع طفيف رابحاً نحو 50 نقطة بأقل من 1% وذلك رغم هبوط المؤشر على مدى ثلاثة أيام على التوالي من الأحد وحتى الثلاثاء. وقد تحرك المؤشر خلال هذا الأسبوع ما بين 7375 كأدنى قاع وبين 7559 كأعلى قمة. وهو ما يوضح ضيق نطاق حركة المؤشر هذا الأسبوع. وقد حدث هذا المسار شبه الأفقي رغم أن هذا الأسبوع قد شهد إعلان نتائج قياديات السوق، والتي يمكن القول بأن محفزات الانتظار قد انتهت بها. فقد أعلنت نتائج أعمال معظم الشركات المهمة مثل الراجحي والاتصالات والكهرباء وسابك.. وهنا يثار تساؤل هل يمثل مستوى 7501 نقطة أعلى قمة يمكن أن يصعد إليها المؤشر في ظل محفزات النتائج الإيجابية التي أعلنت لسابك على سبيل المثال؟ بمعنى آخر أصبح مستوى 7500 نقطة يمثل نقطة مقاومة صعبة للمؤشر؟ ومن ناحية أخرى، فإذا انتهت نتائج أعمال شركات السوق المهمة، فإلى أين يسير قطار المؤشر؟ وهل فعلاً آخر محطاته المعروفة الأعلى أصبحت هذه النقطة؟ من جانب ثالث، فقد كثر الحديث عن سوق تتعامل خارج نطاق شاشات تداول المعروفة تتم هذه التعاملات ليلاً ونهاراً ولا تعرف الإجازات ولا تحدد في نطاق السهم المدرج فقط.. كما أنه لا يعوقها أن هذا السهم معلق أو موقوف.. سوق أصبح البعض يشير إلى أنه يلجأ إليها عندما تغيب شمس السوق النظامية.. فكيف وبم ولماذا انتعشت هذه السوق؟ وكيف تتعامل معها هيئة السوق؟
صعود المؤشر 50 نقطة
أغلق المؤشر يوم السبت الماضي على ارتفاع بنحو 84 نقطة، ثم انكسر يوم الأحد ليخسر 72 نقطة، تلاه هبوط ثاني يوم الإثنين خسر خلاله 18 نقطة، ثم خسارة أخرى يوم الثلاثاء بنحو 19 نقطة، إلا أنه تمكن من الارتداد يوم الأربعاء ليربح نحو75 نقطة. وبإغلاق المؤشر عند 7501.56 نقطة يوم الأربعاء الماضي، فإنه يكون قد ربح نحو 50.2 نقطة، أو ما يعادل 0.67%.
7500 بالأمس قاع واليوم قمة!
بالأمس كان الجميع يتخوفون من هبوط المؤشر إلى مستوى 7500 نقطة، وكان الكثير يحذرون من أن ملامسة هذه النقطة تعني عهداً جديداً للسوق. ولكن اليوم الجميع يأملون في اختراق المؤشر لهذه القمة الصعبة.. فكيف تحولت الـ 7500 من قاع صخري إلى قمة مستعصية؟ وكيف - خلال شهر واحد - يمكن أن يعتاد المتداولون على مثل هذه التغييرات الكبيرة؟ إن تفسير ذلك في أيدي المهرة صناع السوق الذين إن أرادوا نقطة لم يقفوا عندها ولكن وقفوا تحتها بكثير حتى إن صعد المؤشر لنقطتهم أصبح التمسك بها أملاً.
صفقات استثنائية
والمحصلة لا تغيير
تمر تداولات سهم كيان بأوضاع غير عادية، حيث عروض ضخمة وطلبات ضئيلة ولكن حجم التنفيذ عال، وهو الأمر الذي يثير الريبة كيف تتم تغطية هذه البيوع الكبيرة؟ ولماذا لا تظهر الطلبات الموازية لهذه البيوع بشكل واضح على الشاشة؟ بل ما هو أهم كيف يتم مثل هذا الحجم الهائل من التنفيذ ثم لا يطرأ التغير المناسب على سعر السهم الذي لم يطرأ عليه أي تغيير خلال كامل تداولات هذا الأسبوع؟
أرباح سابك
استقرار سعر سابك منذ فترة وعدم انحداره إلى مستويات انحدار الراجحي والاتصالات وأخيرا إعلان نتائج أعماله بأرباح جيدة ثم انطلاقه الأربعاء إلى 128.50 ريال شكل العامل الرئيسي الداعم للمؤشر. أيضا تصريح معالي رئيس هيئة السوق المالية المكلف الدكتور عبد الرحمن التويجري الذي أشار إلى أنه لن يتم الإعلان عن اكتتابات جديدة في الأسابيع المقبلة.. إن الربط بين نتائج سابك وأيضا صدور نتائج أعمال معظم الشركات المهمة وبين إغلاق الباب في وجه التكهن باكتتابات جديدة يعتبر أمراً ليس محضاً للصدفة، وإنما يستهدف الحفاظ على توازن السوق الذي كان يمكن بدون هذا التصريح أن يضطرب اضطراباً شديداً في ظل توقع تصريف قوى ليس على سابك ولكن على أسهم عديدة ومهمة في السوق، وبالتالي لولا هذا التصريح ربما كنا شهدنا مستوى الـ6000 نقطة بداية من يوم الاربعاء. ولكن ألا يزال التكهن بالتصريف وارداً؟
مخاوف التصريف
السوق منذ انطلاقه الأول عند 6800 نقطة تقريبا، وهو يمر بحالة أشبه بالتجميع برزت هذه الحالة خلال الأسبوع الماضي على أسهم بعينها في ظل التكهنات بأرباح سابك والاتصالات. ولكن بعد الإعلان عن نتائج أعمال هذه الشركات.. هل يحدث التصريف؟ أم يسود المسار الأفقي؟ إن أفضل حالات السوق خلال الأسبوع المقبل هو المسار الأفقي الذي يمكن أن يحفظ توازن المؤشر ما بين 7400 إلى 7500 حتى يبني ثم يستطيع الاختراق فوقها.
سابك توزع ريالاً واحداً فقط
أعلنت سابك هذا الأسبوع عن أرباحها نصف السنوية بإجمالي 12.8 مليار ريال بزيادة مقدارها 45% عن النصف الأول من العام السابق، بشكل أشاع حالة من التفاؤل بين المتداولين، وتسبب بقدر واضح في تماسك المؤشر ليس اليوم التالي من الإعلان ولكن منذ بداية الأسبوع، وذلك لانتشار وتأكد شائعة أرباح سابك قبل إعلانها الرسمي بثلاثة أيام. بل إن الأمر المثير حقاً هو أن الشائعة لم تكن عشوائية، بل كانت دقيقة إلى حد تحديدها لقيمة التوزيع النقدي الذي ستقره الشركة، والذي تأكد عقب إعلان الشركة الرسمي. ولكن ما يهم هو أمر نسبة التوزيع النقدي من إجمالي العائد نصف السنوي للشركة، والذي بلغ حد الخمس أي واحد من خمسة ريالات. وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات : هل تمر الشركة بظروف مالية استثنائية نتيجة صفقة وحدة البلاستيك الأخيرة وسعيها للاقتراض؟ أم أن الشركة تنوي توزيع أسهم منحة؟ أم أنها ستحتفظ ببقية الأربعة أخماس كاحتياطيات؟ الأهم من ذلك، فهو ما هو الأفيد للمساهمين : هل التوزيع النقدي أم الأسهم المجانية أم الاحتفاظ بالاحتياطيات؟ إن البعض يثير جدلاً بلا فائدة بأن الاحتياطيات هي الأهم والبعض الآخر يعتبر الأسهم المجانية ذات قيمة للمساهمين.. ولكن اضطراب سوق الأسهم بل واضطراب إدارات الشركات ما بين صفقات وطرح سندات وصكوك وشراكات وغيرها من الأمور التي لا تصيب فيها دائما قرارات الإدارات التنفيذية للشركات . بل وأيضا في ظل ما يعانيه المتداولون في سوق الأسهم من خسائر واسعة ومستمرة. فضلاً عن كل ذلك، فإن لإدارات الشركات حسابات مختلفة عن حسابات المساهمين في هذه الشركات، فهي تأخذ في اعتبارها قيمة العائد ومكرر الربحية المتكون وغيرها من المؤشرات والأمور المالية المرتبطة بالهيكل المالي الإجمالي للشركة، بل إنها تقيم كل بديل من بدائل توزيع العائد حسب مرئيات خاصة بها تخدم مصالح الشركة فقط وأولا. في ظل كل ذلك، فإن البديل الذي ينبغي أن يتمسك به المساهمون ويسعون للنيل منه هو التوزيع النقدي. وهنا نتساءل.. لماذا يفتقد المساهمون للثقة في أنفسهم في السعي لإقرار ما يرونه مناسباً لهم في شركتهم؟ أين هم من الجمعية العمومية؟ لماذا لا توجد ترتيبات وتحالفات بينهم؟ لماذا هم واهنون بهذه الطريقة؟
سياسة الاستبعاد النقدي
معظم المتداولين إما داخلون بكل سيولتهم في السوق في أوقات الرواج وصعود المؤشر، وإما خارجون بها في أوقات الركود وهبوط المؤشر.. أي أنهم يشترون في أوقات ارتفاع الأسعار، ويبيعون في أوقات هبوط الأسعار، وهذه سياسة ليست حكيمة دائماً. ولكن ما هو أكثر إثارة للانتباه هو أن كل مستثمر يضخ أكبر قدر من سيولته أثناء ارتفاع الأسعار، بل إنه يعمد للتعامل مع محفظته ككيان واحد سواء رأسمالها أو أرباحها بدون أي تفكير في استبعاد أي جزء بشكل دوري حتى من أرباح هذه المحفظة. وبالتالي فكل ما يملك يدور في رحى هذه المحفظة. وهنا موطن خطر يشعر به المستثمرون حال الهبوط الكي الذي يصيب السوق والأسهم. إن السياسة الحكيمة التى تفرض نفسها الآن تتبلور في ضرورة استبعاد جزء نقدي بشكل دوري من كل أرباح تحققها المحفظة، ولنفرض نسبة من أرباح كل عملية ولتكن 25% إلى 50%. هذه النسبة ينبغي التفكير في استثمارها أو ادخارها خارج نطاق سوق الأسهم، ويفضل أن يتعامل المستثمر على أنها غير موجودة لديه عند تعامله في السوق. هذه النسبة يمكن أن تكون لدى المستثمر رأس مال جديد حبذا لو تمكن من استثماره.. ولكن هل إعادة استثمار هذا الجزء في سوق الأسهم يمثل تنويعاً للمخاطر؟
الفهم الخاطئ لتنويع المخاطر
إن البعض عندما يذكر تنويع المخاطر يفكرون في تنويع أسهم المحفظة. ورغم صحة هذا القول، إلا إنه لا يعتبر مناسباً لطبيعة سوق الأسهم الآن. فالمخاطر لا تحيط بسهم دون آخر، ولكنها تحيط منذ أكثر من عام بالسوق ككل .. فعندما يهبط المؤشر تتهاوى كل الأسهم بلا استثناء رغم اختلاف نسب الهبوط .. إن الأمر المهم هو أن تنويع المخاطر الآن يبدأ بتنويع أسهم المحفظة ولكنه يمتد إلى تنويع الاستثمار إلى خارج سوق الأسهم، ما بين صناديق وسندات وصكوك وحتى عقارات أو أسهم أخرى خارج نطاق السوق .. وذلك لمن يرغب في التقليص الحقيقي للمخاطر.
السوق غير النظامية
هناك سوق سوداء غير نظامية وتعمل ليلاً ونهاراً، بل تمتد فترة عملها لنحو 24 ساعة وبلا إجازات. هذه السوق مثل الابن الضال الذي يرفض الأب النظر في التعامل معه.. فهل يرجع هذا الابن عن ضلاله لمجرد أن الأب لا يعطيه المال.. إن هذه السوق تتسع في هدوء وتمتد تعاملاتها إلى حدود قد لا يصدق البعض أنها يمكن أن تتم بشكل غير نظامي.. ما هي أسباب قيام وانتعاش هذه السوق؟ تتمثل أسباب هذه السوق في الثغرات المكانية والزمانية والصعوبات القانونية والإجرائية وغيرها من المعوقات والصعوبات التي تضطر المتداولين للجوء إلى مثل هذه التعاملات الموازية للسوق الرسمي. فأنت إذا احتجت لسيولة محفظتك في يوم الأربعاء بعد إغلاق السوق، قد لا تسعفك الظروف للانتظار إلى يوم السبت لكي تنتظر افتتاح السوق ولكي تبيع وتحصل على السيولة التي تريدها.. هنا تظهر تسهيلات السوق غير النظامية التي تتيح إجراءات معينة يعرفها كثير من المتداولين للبيع والشراء بعيداً عن أوامر تداول التقليدية.
ماذا سيحدث؟ سنكتب أوراقاً حفظاً للحقوق، ثم سنبيع ونشتري من محافظ بعضنا البعض بدون أن يعترض أحد.. إن هيئة السوق لا توجد لديها آليات حتى يمكن أن تعترض على هذه التعاملات فهي في الظاهر صحيحة 100%، ولا يوجد عليها غبار.
إن هذه السوق غير النظامية أوجدت حلولاً لم تستطع هيئة السوق إيجادها في العديد من الحالات من أبرزها حالات الأسهم المعلقة التي تم إيقاف التداول عليها منذ أكثر من أربعة أشهر. كما ان هذه السوق لا يمكن القضاء عليها لمجرد أن الهيئة تراها غير شرعية، ولكن القضاء عليها يرتبط بإيجاد وفتح القنوات الرسمية لسد الثغرات الموجودة حالياً في نظام وإجراءات التداول. إن السوق السعودية بالشكل الحالي الذي يقوم على تعامل غالبية المستثمرين بكامل سيولتهم، وحتى سيولة صناديق الخزينة في الشركات الخاصة بهم، إنما يتطلب آليات غير تقليدية في تحريك سيولة المتداولين.. فالبنوك أوجدت بطاقات ATM وبطاقات الفيزا والماستر لكي تسهل على المودعين إمكانات السحب المباشر والسريع في أي لحظة خلال الـ24 ساعة. فألا توجد هيئة السوق آليات مشابهة تمكن المستثمرين من البيع في فترات إغلاق السوق بأسعار خاصة لحظة الاحتياج الطارئ للسيولة؟ إنها أفكار قد تبدو غير منطقية، ولكن الزمن كفيل بالتفكير فيها لضمان عدم وجود سوق غير نظامية واحدة ولكن لضمان عدم وجود أسواق غير نظامية متعددة كل منها يلبي حاجة معينة للمستثمرين في السوق؟
محلل اقتصادي ومالي
Hassan14369@hotmail.com