دون أدنى مجاملة.. قدمت صحيفة (الجزيرة) من خلال منبرها الرياضي عملاً احترافياً حيادياً ينم عن مهنية متقدمة تتمثل في استفتائها الرياضي الكبير الذي أنصف الجهود, ومنح كل ذي حق حقه في تقييم شامل لفعاليات الموسم الرياضي المنصرم, وكأني بها تقدم العمل الإعلامي النموذجي في التقييم والحيادية وفق معايير الأفضلية بعيداً عن انجذابات الميول والألوان.. وهي في هذا الصدد لم تخرج عن سياق أصداء واقعية ملموسة لنتائج موسم رياضي طويل وحافل كان فيه الأهلي العنوان البارز بإنجازاته في كرة القدم والألعاب المختلفة، وكانت فيه الأندية الأخرى تتقاسم وبنسب مختلفة أدوار البطولة في مسرحها الفسيح.. وعندما يشارك هذا الكم الكبير من الإعلاميين المحايدين والمختصين الرياضيين في الاستفتاء، فنحن حتماً سنفتح قلوبنا قبل أعيننا للتعرف على خلاصة التقييم ونتائجه لنجد في النهاية أن من حصد هم فعلاً من زرع وعمل وتعب واجتهد واجتاز كل العوائق والعثرات ليتوج في الختام بالذهب وينال حظاً وافراً من التقدير والاحترام.
** الأندية ومنسوبوها من إداريين ولاعبين جزء لا يتجزأ من جسد رياضة هذا البلد، وإذ لم تحظَ بالتشجيع والمؤازرة وإنصاف العمل، فإن الهمة والطموح سيضعفان طالما أن الوسط الرياضي شهد مؤخراً بعض المنغصات التي تحاول تثبيط الهمم، وتسويف القيم والالتفاف حول الذمم.. وما من شك في أن الإعلام يعد دعامة حقيقية واقية إذا ما سار في مساره الطبيعي دون تكلف ليقدم الناجحين دون تكلف أو تزييف للواقع، وهو من هذا المنطلق يقوم بدور حيوي واعتباري ليكون المرآة الصادقة للعمل والجهد والنجاح أو ضده في معترك المنافسة، ويعكس جودة المعيار في الاختيار للأفضل ليمنح من يستحق وهج التشجيع لتكون معنوياته المرتفعة خير دافع له لتقديم عمل أرقى وأجمل في المستقبل.
** وإذا كان الاستفتاء الناجح يعبر عن نفسه بالاختيارات المثلى للنجوم، فإن ذاكرة المتلقي ستعيره اهتماماً كبيراً كونه يحاكي الواقع الفعلي لعمل اتسم بالاستقرار والفعالية. فعندما يختار من نادٍ واحد رئيسه واثنين من لاعبيه، فإن ذلك يعطي دلالة واضحة على جودة المعيار والتقييم المنطقي لعمل نتاجه تحقيق بطولتين على مستوى الفريق الأول لكرة القدم، وكون النادي الأهلي هذا الموسم كان العلامة البارزة ليس فقط لأنه حقق بطولتين، بل لأنه قدم كماً وافراً من النجوم واللاعبين الشباب للمنتخب الأول والمنتخب الأولمبي، وتلك شهادة أخرى ترجح جودة معيار الاختيار إضافة إلى أن كل عمل مثمر وراءه حوافز مشجعة تتمثل أحياناً في حكمة إدارة وجهد رئيس وذلك الجانب أهم في وجهة نظري من اعتقادات تظن أن المال وحده يجلب كل شيء ويحقق كل مراد!!
** فأحمد المرزوقي الرئيس الذهبي الذي استحق عن جدارة لقب أفضل رئيس نادي الموسم المنصرم حسب استفتاء (الجزيرة) الذي جاء انعكاساً لنبض الشارع الرياضي, تصدى في البداية لمهمة صعبة قد تكون أصعب مهمة تمر على رئيس نادٍ يجب أن يصب كل اهتمامه على إعداد فريق للمستقبل ثم المغامرة به في غمار المنافسة الشرسة، وأمام جاهزية فنية أفضل وخبرات أكبر للمنافسين، وقد نجح في هذه المهمة باقتدار، وقدم الأهلي بطلاً بميزانية قد توازي نصف ميزانية الهلال أو نصف ميزانية الاتحاد علاوة على أن الرجل أكسب ناديه التفاف مختلف الشرائح الرياضية الأخرى ومحبتها، والانتماءات المختلفة بأخلاقه العالية وتواضعه الجم وعدم ميله للإساءة للآخرين وحبه للعمل الهادي المثمر الذي يتحدث عن نفسه.. وهذه السمات إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن الرجل يعد مكسباً ليس لناديه فحسب بل حتى للرياضة السعودية.. ولا أدل على ذلك من إشادة أعضاء الشرف به ورؤساء الأندية الأخرى؛ لأنه عزز في الأهلي سمة يتصف بها دائماً، وهي الحرص على توطيد العلاقات مع الجميع، وأن يكون الاتفاق والاختلاف في إطار العقل وعدم التجاوز عن أسس المنافسة الشريفة.
** ويأتي اختيار مالك معاذ كأفضل مهاجم، وياسر المسيليم كأفضل حارس مرمى كاستشفاف لإبداع هذين اللاعبين طوال موسم كامل مع الأهلي وعلى مختلف الأصعدة في المشاركات المحلية والخارجية، واستشفاف آخر لواقعهما الحاضر في تمثيل المنتخب الأول والمساهمة مع زملائهما في الذود عن حياض إنجازات كرة القدم السعودية، فمالك معاذ يعد حالياً المهاجم الأبرز محلياً مع (القناص) ياسر القحطاني، و(الحرّيف) سعد الحارثي. كما أنه أحد مرتكزات خطة أنجوس في المنتخب لبراعته وتحركاته المزعجة وجهده الدؤوب ولدغاته المميتة، وما يعزز منطقية الاختيار نجاحه في حيازة الأفضلية في استفتاءات أخرى أقربها اختياره كأفضل لاعب في استفتاء صحيفة (الرياضية) الشهر الماضي، إضافة إلى أنه قدم لنا كمتابعين فاصلاً من الأهداف الجميلة والممتعة هذا الموسم، بل إن ملامح تلك الأهداف وصفت حينها بأنها (حصرية) على هذا النجم وعلى قناة إبداعاته.. أما النجم الآخر ياسر المسيليم الذي نال لقب أفضل حارس مرمى، فهو الحارس الأمين للمنتخب بمميزاته وبسالته وثقته الكبيرة في نفسه وقدراته، ولعل اهتمامه بالتطوير الدائم لإمكاناته مع الأهلي وحرصه على هذا الجانب كان له الدور الأكبر في الوصول السريع للنجومية. كما أنه من أفضل اللاعبين اطلاعاً وثقافة وخلقاً، وهذه الصفات تسهم بلا شك في النضج المبكر للاعب، وتختصر عليه مسافة طموحاته..
** وصادق الاستفتاء على حكمة الأهلي في التعاقد مع مدرب الوحدة السابق بوكير عندما اختاره كأفضل المدربين الموسم المنصرم لعمله التدريبي المتميز مع الوحدة، حيث نجح في إيجاد فريق شاب متجانس عدد من عناصره الآن يمثلون المنتخب الأول, وهو مدرب يتصف بالواقعية والحماس والشجاعة والميل للعمل المنظم، وهناك من يتوقع أن يواصل نجاحاته في الأهلي، وإن كان المقياس الأمثل هو قوة الفريق وعروضه. أما البطولة فلها اعتبارات أخرى ويتدخل فيها عامل التوفيق.
** أحببت أن أسوق تلك الأمثلة كمسوغات لاختيارات الاستفتاء، وهي من دون مجاملة اختيارات موفقة شهدت إجماعاً كبيراً من شريحة كبيرة من المنصفين والعقلانيين الرياضيين.. شكراً ل (الجزيرة) ولمنبرها الرياضي الحر، وكل التوفيق للأخضر السعودي في مهمته الآسيوية بشبابه الطامحين لرسم مجد جديد للكرة السعودية.
كاتب رياضي ومدير المركز الرياضي بنادي الأهلي