وقع بيديَّ العدد الرابع من المجلد السابع والثلاثين من المجلة الزراعية الصادرة بربيع الأول 1428هـ عن إدارة العلاقات العامة والإعلام الزراعي بوزارة الزراعة.. وقد حمل بين طياته الكثير من المواضيع والأخبار الزراعية المفيدة.. إلا أن ما لفت النظر ما نقلته المجلة عن حديث معالي وزير الزراعة في مجلس الشورى، من أن مخزون محصول القمح قد بلغ مليونين لدى الصوامع.. وأرى أن هذا الرقم الضئيل ليس محلاً لنسبه إلى الإنجاز الذي يمكن الفرح به.. ورغم أنني كنت ممن تابع بث مقتطفات مسجلة عن تلك الجلسة التي ناقش فيها مجلس الشورى معالي وزير الزراعة.. وكانت كغيرها من اللقاءات في مجلس الشورى أو اللقاءات والحوارات المتخصصة في القنوات التلفزيونية تفتقر إلى الطرف الآخر المتخصص الخبير.. الذي يطرح السؤال، ويرد ويصوب ما يحتاج لتصويب المعبر والمشخص لمشكلة الموضوع محور النقاش أو الحوار.. وبالعودة لكمية مخزون القمح في الصوامع نسأل هل (2) مليون يعتبر مخزوناً يمكن الاعتماد والركون عليه؟ إذا كان المواطنون والمقيمون على أرضنا الطيبة المعطاء تُقدر نسبتهم بـ(20) مليون شخص، فإن نصيب الفرد بفرض وقف استعمال القمح على رغيف الطعام دون الاستعمالات الأخرى، والفاقد من عمليات التعبئة والنقل والطحن وفاقد الطحين العجن.. لا يتجاوز (100) كغم للفرد.. مقسومة على ثلاث وجبات يومية.. فكم يوماً تكفي (100) كغ الفرد الواحد؟ ولو فرضنا أنها مخصص فقط لصنع رغيف الطعام وبمعدل 250 غرام للوجبة الواحدة فإن نصيب الفرد لن يكفيه أكثر من 133 يوماً.. بينما الدورة بين الحصدتين 360 يوماً. أَلا يستدعي الفرق العجب!! المشكلة في نظري ليست ندرة أو قلة في إمكانية إنتاج القمح.. المشكلة تكمن في عدم قدرة المزارعين على توفير الكميات الكافية لسد الفجوة بين المنتج وكميات المخزون المكافئ لعدد السكان المتزايد من مواطنين ومقيمين.. لمدة كافية تغطي الاحتياج خلال دورة زراعة واحدة - أي المدة بين الحصدتين- هذا العجز ناتج طبيعي لتقدير تكاليف الكيلو أو الطن أو تكلفة المساحة مقدرة بالدنم أو الهكتار تقديراً غير منطقي ولا معقول، أسس عليه مقدار الدعم (السعر) الذي تدفعه أو يستوفي به البنك الزراعي قروضه للمزارعين. فمن المعلوم أن الشركات الزراعية والحيازات الخاصة الكبرى أُجيز لها حيازة آلاف الهكتارات.. ومتطلبات إنتاج كيلو واحد أو طن أو دنم أو هكتار من عمليات زراعية قبل البذار أو أثناء وبعد البذار والري والتسميد والمكافحة والحصاد والتخزين والنقل واحدة. لا تتغير ولا تزيد ولا تنقص إلا بتأثير المساحة والكمية.. فكميات التقاوي (البذور) والري والأسمدة والمبيدات والعمليات الزراعية السابقة للبذار واللاحقة للحصاد واحدة.. لكن تكلفة إنتاج طن - كيلو على مساحة (50) هكتاراً تزيد بأربعة أضعاف عن تكلفة كيلو - طن مزروعة على مساحة (500) هكتار.. وذلك أن (500) هكتار يشرف عليها مهندس أو مزارع ممتهن متسلح بالخبرة والثقافة المهنية - توزع تكاليف المشرف على وحدة قياس كمية إنتاج (500) هكتار.. ومثله أجور ناقلات الوقود.. وكذلك الشركات والحيازات الزراعية الكبرى توزع تكاليف المعدات والآلات الزراعية وأجور العاملين على وحدة قياس إنتاج (500) هكتار.. وأقلها أمثلة يُقاس عليها.. حصادة القمح التي تكلفتها (500) ألف ريال تستهلك خلال عشر سنوات توزع تكلفتها على وحدة قياس إنتاج المساحة خلال عشر سنوات.. بينما المزارع الفرد الذي مساحته المسموح لها بها بموجب ما خصص له من كميات توريد القمح للصوامع تتراوح بين (30) إلى (100) هكتار.. لن يقوم بتأمين حصادة قمح بخمسمائة ألف ريال ولا بتأمين حراثة بمائة وأربعين ألفاً، ولا لبانة بثلاثين ألفاً، ولا بذارة بثلاثين ألفاً، حيث لا تتحمل المساحة المتاحة له أقساط هذه المعدات فيما لو ابتاعها من البنك الزراعي.. مما يضطره للاستئجار.. تكلفة حصاد الهكتار من القمح (200) ريال.. وتلبين التبن (95) هللة للبنة الواحدة، وإخراج اللبن (20) هللة، وتكلفة نقل (25) طناً من القمح إلى الصوامع من مسافة لا تزيد على (50) كم ستمائة ريال للشحنة الواحدة، وثلاثمائة ريال تُضاف على قيمة (25) ألف لتر ديزل. حيث إن المزارع البسيط لا تمكنه إمكاناته من فتح حساب خاص يودع فيه مقدماً قيمة استهلاكه من الديزل لدى بترومين.. ولولا الإطالة لبينت أن تكلفة الكيلو الواحد لدى المزارع الذي تتراوح مساحته بين (50) (200) هكتار، هي بين (63 ، 87) هللة للكيلو الواحد.. بينما هي لدى الشركات والحيازات الزراعية الكبرى قد لا تتجاوز (30) هللة.. وتخصيص الشركات أو الحيازات الكبرى لإنتاج القمح فيما لو أُخذ كخيار لمواجهة ارتفاع تكلفة إنتاج المزارع البسيط، يقضي على شريحة تتجاوز 40% من شرائح المجتمع.. فالمزارع البسيط يتحرك بحركته ويدور في فلك مهنته.. أصحاب الناقلات والقلابات والحصادات والحراثات، واللبانات، ومحلات بيع المستلزمات والمعدات الزراعية المختلفة.. ويؤدي للقضاء على المزارع السعودي الذي هو ركيزة الأمن الغذائي.. ويمتهن ويقتات ويعسل أسرته من مهنته الزراعية.. حيث إن الشركات والحيازات الكبرى تلجأ لتوفير احتياجاتها من مصادرها الرئيسية.. تتخاطب وتتعاقد مع سابك، ومع بترومين ومع مصدري المواد واللوازم والمعدات الزراعية في الخارج.. أي أن الشريحة المقدرة بحدود 40% من المجتمع. لا علاقة تفاعلية أو تبادلية أو سببية فيما بينها وبين الشركات والحيازات الزراعية الكبرى فكل بمنأى عن الآخر. ولا أظن القياس على تكاليف وإنتاجية الشركات قياساً صحيحاً ينطبق ويطبق على ما نسبتهم بحدود 40% من المواطنين مصدر رزقهم يدور ويتمحور بالزراعة والمزارعين.. فلو أُعيد النظر في مقدار الدعم للمزارع الذي توريداته للصوامع المصرح له بها لا تزيد على (300) طن.. بمقدار الفرق بين تكلفة الشركات والمزارع البسيط وهو فرق مقدر بحدود (50) هللة بحيث يُصار إلى دعم يصل ريالاً وخمسين هللة لمن توريداتهم للصوامع دون (300) طن مع إبقاء السعر لما زاد على (300) طن عند ريال واحد. لتحقق التوازن بين تكاليف وفوائد المزارعين والشركات والحيازات الكبرى، وإلزام الشركات الزراعية بتوريد كميات سنوية لصوامع الغلال كحصص ملزمة.. لحققنا لأنفسنا أمناً غذائياً مطمئناً.
فالمملكة - ولله الحمد والمنة - تنمو نمواً شاملاً، وتزداد احتياجات الفرد فيها إلى منتجات مشتقة من القمح كثيرة.. ولا أقل أن يكون مخزون القمح بين الدورتين في صوامع الغلال عن (6) ملايين طن. أي أزمة تعصف لا قدر الله بالمنطقة.. سندرك كم هي (2) مليون طن كمية ضئيلة. والله ولي التوفيق.
إبراهيم بن موسى الطاسان