حوار: تركي إبراهيم الماضي
الحوار مع شخصية أدبية وشعرية، مثل الأستاذ أحمد الدامغ هو حوار ذو شجون.. فأبوعبدالله من الجيل الرائد الذي بنى نفسه بنفسه متحدياً مصاعب الحياة في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ذلك فإن تنوع اهتماماته الأدبية ما بين الشعر والمقالة والتوثيق وإنتاجه الغزير في النشر الذي وصل إلى ستين كتاباً، وهو ما أثرى به المكتبة السعودية، وخصوصاً أنه نشر كتباً هي في جملة النوادر في مجالها، مثل كتابه عن (عبير الأدب الشعبي في وادي سدير) وكتابه عن (الضبّ). الأديب أحمد الدامغ في حديث الذكريات:
البدايات الأولى
* حدثنا يا أبا عبدالله عن بداياتك الشعرية؟
- البداية كانت بداية عادية لأي إنسان عادي، عشت في روضة سدير في أزقتها الضيقة، في طفولة حلوة مع الأصدقاء وأولاد الحارة وكانت لنا ملاعب في الشوارع الضيقة.
* ماذا عن دراستك يا أبا عبدالله؟
- دراستي ليست بالدراسة المنتظمة، دراستي كانت عند الوالد، كان يحرص ويدرسني مبادئ اللغة والقرآن، ثم سافر لطلب الرزق.
* لم تدخل المدرسة؟
- لا لم أدخل المدرسة.
* ولا حتى الكتاتيب؟
- دخلتها بعد ما سافر الوالد.
* كم عمرك وقتها؟
- سبع سنوات.
ثم أخذني عندما سافر إلى المنطقة الشرقية، كان عمري ست أو سبع سنوات، وهذه كانت السنوات الحلوة في الطفولة، هذه قضيتها وليس فيه غير والدتي وأخ لي صغير، وقد عانينا في تلك الفترة.
* في هذه الفترة هل درست؟
- دخلت الكتاتيب.
معلمو الكتاتيب
* تتذكر شيخك الذي كان يدرسك؟
- نعم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن نتيف، وحماد بن عمر، وأتنقل بينهما، وفيه واحد يقال له القريني - رحمه الله - كنا نرغب ندرس عنده؛ لأنه إنسان بسيط وفي الوقت نفسه جسمه صغير، وكنا نحرص عليه لأننا لا نجلس عنده كثيراً، لكن والدتي ترفض إلا أن أدرس عند ابن نتيف.
وقد حفظت جزءاً من القرآن، وسافرت بعدها إلى الرياض.
* كم كان عمرك تقريباً؟
- كان عمري حوالي 15 أو16 سنة في هذه الحدود.
الانتقال إلى الرياض
* درست في الكتاتيب في هذا السن ثم ذهبت إلى الرياض؟
- ذهبت إلى الرياض بهدف أن أشتغل؛ لأن الحياة بسيطة جداً.
* في أي عام هذا يا أبا عبدالله؟
- سنة 63 هـ وبقيت في الرياض أشتغل أشغالاً متنوعة، ودراستي ما أكملتها، لكني أكملتها بطريقة أخرى، بعدما عدت إلى روضة سدير صرت أدخل الاختبار يسمونه من المنازل غير منتظم، آخذ كتباً وأقرأها؛ لأن قراءتي جيدة، وكذلك لغتي وكل شيء.
* كم كان عمرك ذاك الوقت؟
- كان عمري 16 أو 17 سنة أو أقل في هذه الحدود، وإذا جاء الاختبار دخلت الاختبار ونجحت حتى إني استمررت على ذلك، حتى بعدما ذهبت إلى الرياض لم أجلس على كرسي أمام أستاذ أبداً آخذ الكتب وأقرؤها وأدخل الاختبار.
* ماذا حصلت من شهادات؟
- أخذت الكفاءة نظام ثلاث سنوات، والثانوية نظام ثلاث سنوات.
* يعني بعدما رجعت إلى الروضة فتحت المدارس النظامية؟
- نعم فتحت، لكن ما دخلت اشتغلت بأعمال أخرى في الرياض عند صاحب محل يبيع البز، وعند واحد يبيع الأدوات المنزلية، وأتنقل بين التجار أجلس عند كل واحد شهرين ثلاثة أربعة، ولا أنسى أني سقيت (أبيع الماء) ثلاث قرب أحملها وأمشي وأنادي موية موية، لمن يريد أصب له ويعطيني نصف ريال ربع ريال في هذه الحدود، وبعضهم يتفق مع راعي الحمار الذي معي أن أصب له رد ردين فقط، ولا أدري كم الفلوس فهو الذي يحاسب.
* هل أكملت الثانوية في الروضة؟
- لا، في الرياض.
العمل في التعليم
* وبعدها؟
- تعينت بعد الكفاءة مدرساً عام 75هـ في الخطامة، بقيت فيها سنة، ونقلت إلى الرياض، اشتغلت في الرياض في مدرسة كبيرة يقال لها الأهلية أو التذكارية ومنها وصل أزمة في المدرسين، نقلت إلى مدرسة متوسطة مدرساً؛ لأنه حصل مشكلة مع مصر وسحبوا المدرسين.
اختاروا من المدرسين الأكفاء لينقلونهم إلى المتوسط وكنت أنا من ضمن هؤلاء، درست في المتوسطة الثالثة كان لها مدير يقال له عبدالعزيز الفريح، ودرست فيها في حدود سنتين، وبعدها حولت إلى العمل الإداري، وبقيت في إدارة التعليم لا أدري سنتين أو ثلاث.
تعين زملائي الذين كانوا معي وصاروا مديرين ومديرين عامين؛ فلذلك استقلت من التدريس.
وقد كان مدير التعليم في ذلك الوقت محمد العثيمين - الله يرحمه - إن كان ميتاً، ويوفقه إن كان حيَّاً رفض قبول استقالتي.
* كنت تريد أن تتحول إلى العمل الإداري؟
- لا، أنا أصبحت إداري، ولكن كنت أريد أن أستقيل من قطاع التعليم، صرت في إدارة التعليم موظف قسم الامتحانات، ولكن زملائي ترقوا وصاروا مديرين عاميين.
وأنا جالس في عملي هذا، جئت لمدير التعليم وقلت له: والله أنا كذا وكذا، يا إما أنكم ترقونني وتبحثون لي وظيفة زينة، وإما هذه استقالتي، رفض الرجل - الله يذكره بالخير - قلت له: نذهب معاً للوزير وذهبنا.
* من الوزير في ذالك الوقت؟
- والله نسيت اسمه.
* دخلت عليه أنت والعثيمين؟
- قال له العثيمين: هذا الشخص ما يفرط فيه وراتبه قليل، وزملاؤه كلهم ترقوا، وابحثوا له عن حل.
قال الوزير: حالاً إلى وكيل الوزارة يقال له محمد شمس، ذهبنا لمحمد شمس أحالنا إلى واحد من الموظفين يقال له: عابد شيخ، رأيت الأمور بدأت تتعقد، قلت: أتركهم أفضل، وبعدها بأربعة أيام يصدر إعلان عن وظائف في وزارة الزراعة، وأدخل مسابقة وأنجح في وظيفة أمين مستودعات، كان الراتب 700 ريال، وكان راتبي في التعليم 300 ريال، الفرق ما هو بسيط، أكثر من الضعف، بقيت في وزارة الزراعة.
العمل في الزراعة
* إلى أن تقاعدت؟
- لا مازلت أطالب بترقيتي خلصت ثلاث سنوات أو أربع سنوات حسب النظام؛ لكي أترقى ولم يرقوني، فقلت لهم: يا جماعة أنا كذا وأستحق الترقية، قالوا: ليس هناك وظيفة نرقيك عليها مجانسة لوظيفتك في المستودعات، قلت لهم: حولوا وظيفتي أو حولوني أو ابحثوا لي عن حل.
قالوا: اصبر، قلت: أصبر إلى متى؟ ذهبت لوزارة التجارة وقلت لوكيل الوزارة: القصة أنا موظف بوزارة الزراعة وأستحق الترقية، ولا رقوني وأنا أتيت إليك لتنصفني، قال: على طول كذا؟ قلت له: أنا وضعت ثقتي فيك، قال: وأنا كذلك طالما وضعت ثقتك في، المهم أكتب لوزارة الزراعة بقبول نقلي مع ترقيتي وآخذ الخطاب لوزارة الزراعة، وقلت لهم: هؤلاء ناس ينقلونني بترقيتي، قالوا... تشاوروا. المهم قلت لهم: إما تنقلوني وإما لا تضطروني أن أستقيل. والحكاية طويلة في المستودعات والأمانة، ضحكت عليهم وقلت: ضعوني في مستودع ثان، ثم وضعوني في مستودع الأدوات البيطرية، وأنا كنت في مستودع المعدات الثقيلة، وهم كانوا بيصفون الدركترات، قلت ما يخالف، صفوا وبعدها قلت لهم أعطوني براءة ذمة ويوم أعطوني براءة ذمة قلت: ما أستلم المستودع ترقوني وإما لا، وذهبت لوزارة التجارة وبقيت في وزارة التجارة في إدارة مقاطعة إسرائيل فترة طويلة إلى أن وصلت إلى مدير خدمات بوزارة التجارة، وأحلت للتقاعد وأنا مدير للخدمات في وزارة التجارة، هذا العمل الوظيفي، أما الأعمال الثانية فحدث ولا حرج.
مشوار طويل في كل شيء.
البدايات الشعرية
* متى بدأ اهتمامك بالشعر يا أبا عبدالله؟
- الشعر كنت مهتماً به منذ صغري، الشعر العامي وأنا عمري 12 - 13 سنة.
* هل تعلمت الشعر؟ أم كنت تقلد أحد؟
- أبداً أبداً لا أحد علمني، ولا كنت أقلد أحداً كنت أتغنى بالشعر في المزارع، أغني ويوافق هذا هذه وهذا هذه حتى أصبحت أدرك أن الكلام المركب هذا عندنا يعني شعر.
* يعني ما كنت تعرف أو تستمع لأشعار الوقت؟
- ما أدري كيف تصير شعر من الأساس!
* من الذي سمع قصائدك الأولى؟
- ما كان عندي إلا أخي يسمعني وأنا أغني في المنحات ويقول لي: أيش هذا؟ أقول له: أنا أصلحه، قال: تمام، وهو يعرف الشعر ومشيت على هذا الشعر العامي كما تعلمت اللغة عن طريق أبي، وقد عشقت الشعر الفصيح، وعشقت خصوصاً شعر المتنبي.
* تذكر أغراض الشعر الأول كان في الغزل أو في الحماسة؟
- طبعاً في الغزل، وأي شاعر يقول إن بدايته ما كانت في الغزل فهو كاذب؛ لأن الغزل أمره ميسر وبسيط وسهل صعب، ومهما كان من شاعر إلا كانت بدايته غزل.
هذا الذي أعرفه وربما يكون هناك واحد أو اثنين غير ذلك ولا يقاس عليه.
دواوين مخطوطة
* القصائد التي كتبتها يا أبا عبدالله ما عددها؟
- والله لا أتذكر، لكن لدي ديوان في الشعر الفصيح بعنوان: (الواقع) وديوان آخر بعنوان (جد وهزل).. وهما مخطوطان لم يطبعا بعد.
* هذا فيه شيء من الظرافة كما يظهر من عنوانه؟
- صحيح.. كما أنني أشتغل الآن في ديوان جديد اسمه (الموطأ) جعلت لكل قصيدة توطئة ما هي الأسباب الداعية إليه؟ أسبابه كذا لعلك رأيت التوطئة وعلى هذا المنوال كل قصيدة أضع لها توطئة والأسباب التي دعت إلى أني قلتها.
* ولماذا لم تطبع الديوانين اللذين قلت عنهما وهما جاهزان للنشر؟
- فيها قصائد غزلية وما حرصت على طباعتها لأني كلما قرأت للشعراء تصاغرت، أحس أنها ليست على المستوى كلما قرأت للشعراء كالمتنبي وغيره، حتى الحديثين البارودي الجواهري الرصافي.
* لكن الشعراء يتفاوتون في المستوى، فهل هذا الذي منعك أن تنشره؟
- نعم، لأني إذا قست شعري بشعرهم أتصاغر أمامهم!
* إذا كانت المقارنة هكذا يا أبا عبدالله فلن يطبع أي شاعر ديوانه؟
- أقدر أقول:
إذا أنا لم أعط المكارم حقها
فلا عزني خالٍ ولا ضمني أبٌ
انظر كيف يقول المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
المتنبي يقول حتى الآن وهم يختصمون في شعره، وهو صادق والناس يختصمون في شعره يحللون وينتقدون وكذا وهو صامد كالجبل هو وشعره، فإذا قرأت أنا الدواوين هذه تصاغرت، ولذلك بقيت دواويني بدون طباعة، (الواقع) و (جد وهزل) و(الموطأ) كلها على الرفوف.
* قل لي مادمنا في معمعة الشعر، هل هناك قصيدة تذكر لها قصة مهمة في حياتك؟
- والله ما أتذكر وأنا ذاكرتي كما قلت لك أصبحت ضعيفة ولكن يحضرني أنه من خمس أو ست سنوات - أنا من عادتي إذا انتهى فصل الصيف ألبس لباس الشتاء حتى يدخل فصل الصيف ثم أخلعه وألبس لبس الصيف حتى ينتهي فصل الصيف - في سنة من السنوات خلعت ثياب الشتاء ولبست لباس الصيف ما هي ببعيدة يمكن أربع سنوات خمس سنوات لما لبست الثوب بدأ والله أنه طويل إيش فيه؟ ما أعرف، هو ثوبي الأول لا زدته ولا شيء، سألت قالوا: لأنك أنت أهدفت حميته فطال، فقلت:
يا ثوبي كأنك تنمو نهاراً وليلاً
ويا.........
يا مشلحي قد غدوت طويلاً
كأنك تنمو نهاراً وليلاً
ويا ثوبي صرت كعبي
وصرت على الأرض تسحب ذيلاً
نشرت هذه في (الجزيرة).
* تتذكر غير هذه القصة قصائد كتبتها في مناسبات؟
- كثير، ولكن لا تحضرني الآن.
مساجلات شعرية
* ألا تتذكر أحداً من الشعراء في روضة سدير كنت معه في مساجلات شعرية؟
- هناك التفاتة، أن بعض الشباب أو كل الشباب الذين لهم هواية في العدل أن ينظروا إليها، كنا مدرسين في عام 75 وما بعد 75هـ كان فيه إجازة غير يوم الجمعة، هذا عن حكاية الشعر ليلة الجمعة نجتمع أربعة خمسة أشخاص ونطلع رمال المعيزية خارج الرياض نستأجر ونيت يوصلنا ونأخذ معنا دجاج وغيره ونقول لراعي الونيت تتعشى معنا - حياك الله - يقول: لا، فلا نعطيه الدراهم نخاف يروح ينام ويخلينا، المهم ونكون جاهزين هذه الليلة لمساجلات شعرية, يعني أقول بيت ثم الآخر يرد ببيت آخر وهكذا.
* ما أعماركم في ذالك الوقت يا أبا عبدالله؟
- يعني خمسة وعشرين ستة وعشرين في الحدود هذه نقول بيت قافيته قاف يبدأ هو البيت الثاني بالقاف ونسهر الليل كله ندور أبيات قافيتها صعبة بالزاي والشين حتى إذا تقابلنا كل واحد يعجز الثاني وعلى هذا حفظنا من شوارد الأبيات الشيء الكثير.
* بيت واحد يقوله من المعروف أم هو الذي يقوله؟
- لا من الشيء الذي يحفظه.
* من كان معك ألا تتذكر أحداً؟
- ما أتذكر أساميهم كانوا من أهل الرياض كل جمعة نطلع وبعدين تركنا الشعر فترة وصرنا نكتب مواضيع هذه المواضيع ما أسفت أنا إلا عليها عندما ضاعت.
* ما هي هذه المواضيع؟
- نختار موضوع نتحدث فيه عن الصبر مثلاً بشرط أنك ما تكتب إلا سطرين ثلاثة عن الصبر الصبر مفتاح الفرج الصبر هو.. ثم تحته توقيعي أحمد أعطيه لتركي ينظر ما كتبت ويكتب هو عن الصبر ينتهي يعطيها لهذا أحيانا يأخذها معه إلى البيت ويأتي بها الأسبوع القادم كاتب فيها بحيث إنه ما يتجاوز أربعة سطور خمسة سطور. وهذه صار فيها كراسات كثيرة فقدت مني ولا ندمت مثل ندامتي عليها.
* تتذكر ما هي الموضوعات أيامها التي كنتم تكتبونها؟
- موضوعات اجتماعية كلها عن الفقر عن الزواج عن التجارة مواضيع اجتماعية نختارها ونتفق على أن تكون عنوان بحثنا كراسات ندمت على ضياعها، انتقلت من بيت إلى بيت.
* كم استمريتم في هذه المساجلات الشعرية؟
- تقريبا ثلاث سنوات أو خمس سنوات 75، 76، 77، 78، 79 نحن وزملاؤنا على هذه الوتيرة.
* من الذي كان يتفوق في المسابقة الشعرية؟
- ما ظنيت أحد تفوق لأنها كانت شواهد من شعر الشعراء لا من عندنا تعتمد على الذاكرة وتعتمد على المراجعة لأنه فيه مجال تأخذ الدفتر معاك وترجعه الأسبوع القادم.
الشعر الشعبي
* نتكلم عن اهتمامك بالتراث الشعبي متى بدأ يا أبا عبدالله؟
التراث الشعبي في القصص والأساطير والأشياء المروية
- أكتب التراث الشعبي منذ صغري وقد أهدى إلي والدي كتاباً اسمه كليلة ودمنة، اختبرني وأهدى إلى هذا الكتاب وديوان معروف الرصافي وكان أعطاني موضوعاً وقال هذا الموضوع إذا كتبت عنه لك جائزة.
* تكتب عنه كيف يا أباعبدالله؟
- يعطيك قصة ويقول لك اكتب عنها بأسلوبك أنت أحياناً يعطينا شيء مكتوب ويقول اقرؤوه ثم اكتبوا عنه بأسلوبكم وأحياناً يحكي لنا حكاية ويقول اكتبوها، ومن الجوائز كتاب كليلة ودمنة لعبدالله بن المقفع وديوان معروف الرصافي فمن نوادر القصص والحكايات في كليلة ودمنة فيها العجب العجاب هذا الذي بدأ معي والكتاب هذا أوصي بقراءته وهو يشرح للصغير وللكبير وللسياسي وللحربي وللتجاري وللفلاح هذا الكتاب ما قرأت مثله أبداً ترجمه عبدالله بن المقفع.
* هذه كانت البداية التي أثرت فيك؟
- نعم هذه هي البداية كليلة ودمنة هذا شيء عظيم أذكر منه قصصاً ما نسيتها إلى الآن.
كليلة ودمنة فيها قصة يقولون فيه حمامة كان يمرها ثعلب في رأس النخلة عندما تفقس فراخها ويقول لها ارم فراخك وإلا صعدت عليك وأكلتك معهم ثم صارت ترمي ويأكل ويمشي، وفي مرة من المرات حزنت على فراخها وسألها ملك الطيور لماذا أنت حزينة هكذا؟ قالت: والله هذا الثعلب يعمل كذا ويأكل أولادي قال يأتي عندك؟ قالت: لا، يقول إما ترميهم وإما رقيت إليك وأكلتك معهم وأرميهم له، قال: يا غبية إذا هددك قولي له ارق خليه يتعب وطيري وخليه، المهم عندما جاء مرة من المرات وقال لها كذلك قالت له: لا أرمي عليك واصعد قال: سأصعد، قال: من الذي قال لك هذا؟ قالت: ملك الطيور، قال: ملك الطيور طيب، راح لملك الطيور على شاطئ البحر وقال له: أنتم يا عالم الطيور أحسن منا ياعالم الجحور أنتم تطيرون في السماء وتنظرون المحل الذي يعجبكم وتنزلون فيه والذي لا يعجبكم تتجاوزونه لكن نحن أحسن منكم في حالة، قال: ماهي؟ قال: إذا جاء المطر والبرد دخلنا الجحور ولا جاءنا لا مطر ولا برد، ولكن أنتم لا حيلة لكم إذا جاكم البرد والمطر من الشمال ماذا تسوون؟ قالوا: إذا جاءنا الريح من الشمال نحط رؤوسنا تحت جناحنا الأيمن ونغطيه، قال: وإذا جاءكم الريح من شمال ومن يمين من يساره وأيش تسوون؟ قال: أحط رأسي بين رجليّ وأفرد جناحيّ قال: هذه صعبة ما تقدر تسويها، قال: لا، قال: سويها أشوف، قام وحط رأسه بين رجليه وفرد جناحيه قام هجم عليه وطبق عليه وقال له علم نفسك لا تعلم الحمامة.
* كيف أكملت يا أبا عبدالله مشوارك في التراث الشعبي؟
- في الأدب الشعبي بعد ذلك قصائد قرأتها لمحسن الهزاني للمتأخرين كابن لعبون أقرأ قصائد للعاميين.
* أي شيء تميل له الفصحي أم العامية يا أبا عبدالله؟
- كانوا أول عندي متساويين لكن الآن الفصحى أفضل!
* أي شيء غيرك؟
- لأني منذ أربع سنوات نويت أطبع الديوانين (الواقع) (جد وهزل) ولما فكرت في طباعتهما قلت أرجع للشعراء القدامى المتنبي البارودي. لما أعدت قراءة ديوان المتنبي وأعدت قراءة البارود وأعدت قراءة الرعيل الأول هذا وجدت شعري ما يساوي هللة عندهم فأحجمت لكني بعد ذلك عشقت الشعر الفصيح ولكني ما نسيت الشعر العامي أقول قصائد بالشعر العامي وظل لي دواوين يمكن لي أربعة أو خمسة دواوين الآن.
العامي أم الفصحى
* يعني ترى أنك في العامي أفضل من العربي؟
- في الأول نعم كان لي ديوان اسمه (همس ومس) و (عبارة وإشارة) وغيرها خمسة دواوين منها (عبرة وابتسامة).
هناك شعراء عاميون لا أعترف فيهم ولكن هناك شعراء أقوياء يعني شعراء وشعراء إنما تنقصهم اللغة وهذه ليست عيباً لأن ما عندهم مقدرة أن يعرفوا المترادفات في اللغة والصرف والنحو وغيرها هذه كلها من أدوات الشعر الفصيح.
* هناك شعراء شعبيون تجدهم عظماء في الشعر الشعبي لكن تجده في العربي ضعيف لأن مخزونه اللغوي من مفردات العربية ضعيف لكنه في المفردات الشعبية عنده مخزون كبير؟
- لأنه يمارسها والشعر العامي فيه بساطة من حيث المفردات لا من حيث الموضوع تقدر تكيفها تحط فتحتين تحط ضمتين تنون وتحرك وتقيم الوزن ولا هو متقيد باللغة.
كتاب عن الضبّ
* كان من ضمن كتبك كتاب عن الضبّ لماذا جاء هذا في بالك؟ هل له قصة؟
- كان سببه أني كنت أكتب كتابا عن الجور في صيد الضبان بدأت أكتب وبمجرد أن أكتب مقالة للجزيرة كتبت وقلت لنفسي لماذا لا أستشهد بأبيات من الشعر لأني دائماً وأبداً جميع كتاباتي لا تخلوا من شواهد من الشعر أبداً لأني أعتبر الشعر ملح الأدب فرحت أبحث عما قيل في الضب لأضمِّن المقال طلع عندي موضوع ضخم لا يصلح لمقال انطلقت أبحث عن سلوكيات الضب وجدت رسالة ماجستير استفدت منها ووجدت لأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ولكن كتابته مختصرة وجميلة استفدت منها في باب الأحاديث وأقوال الأدباء فيه وفيه بعض الموضوعات التي في المجلات وبخاصة المجلة العربية التي لا تبخل على الأدب وتستفيض وشيخنا حمد القاضي أبوبدر رجل طيب ورجل حبيب يختار للمجلة الموضوعات التي يرضى عنها القارئ، فصار عندي جزء استمريت في هذه الأقوال من أقوال الشعراء فيه وجدت الكثير دونت صار كتاب.
* كيف كان الإقبال عليه لما صدر الكتاب؟
- أنا من الناس الذين لا يعرفون التسويق من الناس الذين لم يكن لهم حظوة عند الكتاب المشهورين والأدباء حتى أنهم ما كانوا يتلقفون ما أكتبه وأطبعه.
* مع أن الكتاب نادر في موضوعه وظريف؟
- نادر في موضوعه لكن قال هات من يفهم؟ قال هات.. الخ. ستون كتاباً لي في المكتبات من ضمنها كتابي الأخير هذا كبير الزاوية التي كنت أكتبها الأدب المثمن ستة عشر جزءاً كنت أكتب في هذه المواضيع الأدب المثمن وصار كلام حول كلمة المثمن وقال بعض الأدباء إنك أخطأت في العنوان، قالوا إنك قلت المثمن إذا كنت تقصد أنه له قيمة فلا يصلح له المثمن بل الأدب الثمين. قلت لهم لم أقصد ذلك وإنما أقصد أني ألزمت نفسي فيه بما لا يلزم فسميته بما ألزمت نفسي به وهو أني جعلت لكل موضوع ثمانية أبيات فأصبح أدبا مثمنا لكل موضوع ثمانية أبيات على قافية واحدة اما لشاعر واحد فلا بل خمسة شعراء أربعة شعراء شواهد على الموضوع الذي طرقته وسميته الأدب المثمن.
* أنا أتذكر مرة جئت إليك يا أبا عبدالله إلى مكتبتك وقلت لي إنك مصنفها كم كتابا تقريباً يا أبا عبدالله تقتني؟
- كثير كثير غير الدواوين عندي ألف وسبعمائة ديوان واثنا عشر ألف كتاب.
* هل كلها أدبية أم فيها سياسية؟
- كلها عن الأدب والقليل جداً سياسية.
* أتذكر أنك قلت لي أن عندك كتباً ونوادر عن منطقة سدير ألم تفكر في جمعها؟ الأشياء التي تؤرخ؟
- عندي من نوادر سدير كتبت كتابا اسمه عبير الأدب الشعبي في وادي سدير وفيه طرائف وشيء من شعراء وادي سدير.