من العنوان (فجيعة في ساعة) نشعر أن هذا الحدث ليس عادياً، ومن المطلع تحس أن الشاعر يتألم كثيراً لما حل به:
|
وساعةٍ كالسوار حول يدي |
ضاعت، فأهوى ضياعُها جلدي |
ما زال يطوي الزمان عقربُها |
حتى طواها الزمانُ للأبد |
من الذي أضاعها؟ إن الشاعر لم يضعها، وإنما فعل ذلك نجلُه الصغير، وكلاهما عزيز عليه، فضرب الولد موجع، وفقد الشاعر ساعته موجع مؤلم:
|
ضيّعها نجلي الصغير، وكم |
حمّلني من خسارة ولدي! |
قالوا: فداءٌ له، فقلت لهم: |
كلاهما فلذتان من كبدي |
ورغم حبه لولده، فإنه لا ينسى حبه لساعته الجميلة، كما يذكِّر بعدم قدرته على شرائها:
|
قالوا: التمس غيرها.. فقلت لهم |
وهل معي ما يقيم لي أودي؟ |
ثم في حديث رائق، ومؤلم، يحدثنا عما ضاع منه بضياعها: (مواعيده، انتظام مواقيته) وها هو يسأل الناس عن المواعيد، واختلطت عليه الأمور..
|
مَنْ مُسعدي إن أكن على سفر |
ومن يفي لي بالوعد إن أعد؟ |
التبستْ أيامي علي، فلا |
أفرّق بين السبت والأحد |
واختلّ وقتي، فإن وعدتك أن |
أزورك اليومَ، جئت بعد غد |
كم رمتُ عدَّ السؤال مهتديا |
بالشمس، لكن غلطت في العدد |
وكانت الساعة تحمي الإنسان من السؤال وهو في غمرة العمل:
|
روّضتُ نفسي على السؤال، وما |
حملتُ ذلّ السؤال من أحد |
جهْلُ الفتى بالزمان أهونُ من |
سؤال غير المهيمن الصمد |
ثم يعدد بعض محاسنها، فهي ضابطة للمواقيت، مجمّلة لطلعتها، مؤنسة بدقائقها:
|
أمست يدي - بعدها - معطلة |
منظرُها في العيون كالرمد |
فمن لعيني بحسن طلعتها |
ومن لأذني بصوتها الغرد؟ |
كم آنست وحشتي بدقتها |
فالآن أصبحت شبه منفرد |
وتقدم خدمات أخرى جمالية ونفعية:
|
لا غرو إن أقض حقّ عشرتها |
عشرتُها لي طويلة الأمد |
وهي شديدة التمسك بي، ملتحمة بخطواتي، شديدة التمسك بذاتي كقطعة من جسدي:
|
قد لازمت معصمي سنين إلى |
أن أصبحت قطعة من الجسد |
وهي على صراط سوي، ولجمالها يكشف عن يده، ليرى الناس جمالها، ويتمظهر بها بين رفاقه:
|
على الصراط السويّ دائرة |
إن حادت الشمس عنه، لم تحد |
أرنو إليها إذا مشيت، وإن |
جلستُ في مجلس، كشفت يدي |
صبرتُ صبر الكرام، آمل أن |
تعود لي ثانياً، فلم تعد |
أسأت بالأصدقاء كلِّهمُ |
ظني، ففتشتهم، فلم أجد |
شتان بيني وبيْن لاقطها |
بات قريرا، وبت في كمد |
ليت الذي طوّقتُ بها يده |
في جيده حبلُ شُدّ من مسد |
كنا نتوقع أن يذكر لهذه الساعة مزايا ليست لغيرها، ولكنه لم يفعل، فساعته على هذا الأساس يمكن الاستعاضة عنها بأية ساعة أخرى، ولم يخل الأمر من روح الدعابة، إذ لا يمكنه تفتيش أصحابه، والدعاء على لاقطها بهذا القدر، ولن يرضى فيه أصحابه هذا الشك الذي أضفاه عليهم، بل لن يصادقه أحد منهم أو من غيرهم بعد اليوم، ومما يؤكد صيغة الدعابة عنوان القصيدة نفسها (فجيعة في ساعة) فكلمة (فجيعة) فيها تضخيم ومبالغة لا تحتملها غير الدعابة.
|
|