في الأزمة المتفاقمة بين فتح وحماس هناك قليل من المؤشرات على تقارب بين الجانبين، وفي المقابل هناك أكثر من طرف يصب الزيت في النار المشتعلة، وفي هذا السياق السلبي للتطورات فإن القضية الفلسطينية برمتها تشهد تراجعا مع الإصرار على المضي بالصراع إلى نهاياته القصوى..
وفي هذه الأجواء المأزومة بدا وكأن الإرث السياسي الكبير للقيادات الفلسطينية ينحسر أمام التبادل المريع للاتهامات إلى الدرجة التي ينحدر فيها السجال بين الجانبين، في بعض الأحيان، إلى درجات متدنية المستوى، وكل ذلك من شأنه فقط أن يفاقم من الأزمة، كما أن كل ذلك يجري في غياب مبادرات فاعلة يمكن أن تسفر عن تبريد هذه الأجواء، ونحن نعرف أن الساحة الفلسطينية لا تفتقر إلى الكيانات التوفيقية التي كان يمكن أن تقود طرفي الصراع إلى مربع يمكن فيه التعاطي مع الأزمة بما تستحقه من أدب سياسي يخرج بها عن إطار المهاترات..
وتتوفر إزاء ذلك بيئة مثلى لنشاط إسرائيلي على كافة المستويات من السياسية إلى أقصى درجات العنف والقمع العسكري، فخلال شهر يونيو المنصرم، والأزمة في أوجها قتلت إسرائيل 49 فلسطينيا، حيث لم تستثن آلة الحرب الإسرائيلية حتى الأطفال وكبار السن، هذا فضلا عن حملات اعتقالات محمومة في الضفة الغربية وقطاع غزة..
ولا يخفى السعي الإسرائيلي المتواصل لزيادة الفرقة في الصف الفلسطيني، فهي تبدو وكأنها تحابي طرفا على حساب الآخر، فهي على سبيل المثال تفرج عن أسرى من فتح دون الفصائل الأخرى، لكنها في النهاية تفضل أن ترى الفلسطينيين من كل الفصائل والجبهات في حالة من الخور والضعف، ومن أجل ذلك فهي تحاول الانفراد بفصيل تلو الآخر..
ويدرك الفلسطينيون بمختلف فصائلهم النوايا الإسرائيلية وقد خبروها جيدا طوال عقود هذا الصراع الممتدة منذ أكثر من نصف قرن، ومع ذلك فإن حيثيات الصراع بين الفصائل تبدو وكأن لها الغلبة حيث أصبحت تطغى ولو بعض الوقت على المقومات التي يمكن أن تحفظ للشعب الفلسطيني وحدته وتعاضده، ومن هنا فإن الكثيرين يرون أن القضية الفلسطينية هي الخاسر الوحيد في صراع الإخوة الذي باتت فصوله تتكرر بشكل متواتر يخشى معه أن تكون هي الصورة الظاهرة والدائمة للحالة الفلسطينية..
ومن الواضح أن هناك حاجة ملحة لإعادة التوافق على عدم المس بالثوابت وبعدم الانزلاق إلى درجات من الصراع يستحيل معها إعادة اللحمة إلى الصف الفلسطيني، وإلى التأكيد على أن الاختلاف في الرؤى والتوجهات ينبغي ألا يصل إلى درجات الاتهام بالتخوين، وأن يسعى الإخوة الفلسطينيون إلى حصر الصراع في إطاره السياسي الذي يحفظ لكل طرف كينونته في جو ديموقراطي معافى.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244