في ظل كشف الشرطة البريطانية عن سيارتين مفخختين أثارتا الرعب في أوساط المجتمع البريطاني تعود الآن الثنائية الإشكالية في علاقة الحكومات الغربية مع المسلمين الموجودين على أراضيها، وهذه الإشكالية تنطلق من ممارسات وعقليات التعميم، وأخذ الحق بالباطل في مسألة اعتبار جميع الجاليات المسلمة الموجودة في أوروبا المهجر منطوية تحت لواء الإرهاب الأسود كلما انفجرت عبوة هنا أو كشفت خلية إرهابية هناك؛ ما يستدعي مضايقة أفرادها بالمتابعات الأمنية وأجهزة التنصت والتحجج من أجل الترحيل القسري من البلدان الأوربية تحت ذرائع محاربة الإرهاب، حيث سقط في دهاليزها كثير من أبناء الجاليات ووقعوا من خلالها بين مطرقة التعميم الغربي سواء كان حكومياً أو شعبياً وبين سندان ترسخ قناعات الانتماء والثبات المعيشي الذي أصبح ديدن كثير من أبناء العالم الإسلامي ممن أنسوا القيم الديمقراطية والليبرالية الغربية، واستطاعوا أن يمزجوا بينها وبين ثقافتهم الإسلامية والعربية ضاربين أروع الأمثلة في احترام القانون والثقافة المستضيفة، ولم يعد هناك ما ينغص عليهم معيشتهم سواء وصمهم بالإرهاب من خلال تصرفات بعض اللامسؤولين من المسلمين ووضعهم الدائم تحت عين المجهر الأمني من قبل الأجهزة الأمنية الغربية.
إلا أن الجاليات المسلمة لا يمكن تصنيفها في خانة الضحية على طول الخط في هذه المسألة، فبحسب مقتضيات الموقف، فإن أقل ما يطلب منهم هو احترام ثقافة العقل الجمعي الليبرالي الذي احترم الإسلام كدين، وسمح ببناء المساجد على أرض بلدانه ليتيح لأبناء المسلمين أداء مناسكهم الدينية بكل يسر وسهولة وتقدير؛ ما يفرض عليهم كأبناء للعالم الإسلامي المدافعة والمنافحة عنه بالتي هي أحسن من خلال دفع وصمة الإرهاب التي ألصقت به ظلماً وذلك ما يمكن أن يتحقق باتباع السلوك الحضاري السليم الذي يعبر عن الثقافة والديانة الإسلامية السمحة التي لا تقل رقياً عن القيم الليبرالية الغربية مع اختلاف الرؤى وفلسفات الحياة، كما أن ناشطي الجاليات الإسلامية والعربية من مفكرين وأدباء وسياسيين لا زالوا مطالبين بكثير من الجهد والعمل من داخل هذه المجتمعات المضيفة من أجل تبرئة الشخصية الإسلامية من اتهامات الإرهاب والتطرف والتأكيد دائماً على أن الإرهاب عدو مشترك للدين الإسلامي وغيره من الديانات والأيدولوجيات الأخرى حتى يقطع الطريق على من يريد أن يصطاد في الماء العكر، ويكرس قناعات معاملة المسلمين كعدو بديل للثقافة الغربية والليبرالية بعد سقوط عدوها التقليدي السابق والمتمثل بالشيوعية والخطر الأحمر.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244