يتمحور مبدأ ميكافيللي حول أساس واضح وصريح وهو أن (الغاية تبرر الوسيلة)، أي أن الوصول إلى الهدف المرسوم يبرر كل الإجراءات المتخذة بغض النظر عن كنه هذه الإجراءات. ولكي نصل إلى الهدف لا يمنع هذا من تجاوز كل العوائق التي تقف أمامنا أياً كانت وبكل الوسائل الممكنة!! السوق المالية ليست أسهماً فقط، بل سوق متكاملة تشمل سندات المديونية سواء كانت عامة أم خاصة،
بل وحتى السلع الإستراتيجية والثمينة كالذهب والألماس والنفط، سوق توفر المدخرات اللازمة للاستثمار. كما أن فيها يتحدد العائد على الأسهم والسندات. سوق الأسهم يعد وليد هيئة سوق المال الوحيدة في الوقت الحاضر، فهو يحتاج إلى عناية ورعاية وتنشئة سليمة متكاملة، فليس من المعقول إذا مرض هذا الوليد أو أصابته نازلة أن تعطيه الهيئة جرعة علاجية أكبر من حاجته؛ لأن هذا سيؤدي إلى هلاكه أو إعاقته.
إذاً الهدف هو نمو السوق المالية بشكل متوازن، بحيث تخدم الأهداف الإستراتيجية الوطنية على المدى البعيد. حقيقة الأمر أن هناك بعض الملاحظات التي أرغب في طرحها كي أدلل على أن الهيئة تتبنى مبدأ ميكافيللي في تسيير أمور سوقنا المالية:
1- هيئة سوق المال ما تزال تنصت دون إجابة لكل النداءات من قبل المختصين وغير المختصين، إذ تطالب الهيئة بجدول زمني واضح ومعروف سلفاً لكل الطروحات الجديدة، وهذا على الأقل من مبدأ الشفافية الذي تسعى الهيئة لزرعه وتثبيته في السوق.
العجيب في الأمر التعجل في طرح اكتتابات جديدة متوالية رغم ما تعانيه السوق من ضعف واضح في سيولته، وبنيته الهيكلية، وفي عدم رسوخ جذوره.
أحاول أن أجد أسباباً مقنعة تصب في مصلحة السوق، لكن لا أجد إلا إجابة واحدة، وهي تعميق السوق بغض النظر عن النتائج!! التعميق مطلب ضروري ولمصلحة سوق قوية ومتوازنة، لكن ليس بصورة متعجلة وغير مدروسة.
غالبية المكتتبين يهدفون من الاكتتابات إلى المضاربة وتحقيق ربح سريع، وليس إلى استثمار طويل الأجل، ولذلك فإن أي انخفاض في أسعار أسهم هذه الطروحات دون سعر الاكتتاب سيؤدي إلى الإحجام عن الاكتتاب مستقبلاً، ما سيضر بتمويل المشروعات المستقبلية ويضر بسمعة المملكة المالية في المحافل الدولية.أليس التعميق بشكل متسرع يفضي إلى فقدان الثقة في السوق؟!
نعرف جيداً أن الحلم هو العقل أو التعقل، والأناة هي عدم الاستعجال والتروي في اتخاذ أي قرار، أليس حري بالهيئة أن تتروى في اتخاذ أي خطوة مستقبلية تؤثر على السوق بشكل كبير؛ لأن مثل هذا القرار ستترتب عليه آثار اقتصادية واجتماعية يجب أن تؤخذ في الحسبان.
ما رأي الهيئة لو وضعت استراتيجية لجعل السوق أقل جاذبية وأكثر عمقاً خلال عشر سنوات مثلاً دون الإضرار بأموال الموطنين في خطوات غير مسبوقة؟ تستطيع الهيئة أن تحافظ على السوق والتدخل بطرح اكتتاب جديد كلما دعت الحاجة إلى ذلك، بحيث تحافظ عليه من الارتفاع غير المسبوق، ومن الهبوط غير المبرر.
في الأدبيات الاقتصادية ما يسمى باقتصاد الرفاهية، حيث عرف الاقتصادي الإيطالي (باريتو) الرفاهية العامة بسبب تغيير (ما) - بأنها الوضع الذي تتحسن عنده حالة فئة معينة من السكان بسبب هذا التغيير دون أن تسوء حال الفئات الأخرى - المشاهدات الحالية وواقعنا اليوم لا يتفق مع هذا!!
2- سوق الأسهم تعكس الواقع الاقتصادي المزدهر الذي تعيشه المملكة، وإن كان بصورة غير مباشرة - قطاع النفط هو العامل المؤثر بصورة مباشرة - فأي انخفاض حاد لهذه السوق سيثير كثيراً من علامات الاستفهام حول قدرة الجهات المعنية بهذا الأمر في علاج مثل هذا الخلل.
نرغب إلى الهيئة قبل أن تعلن عن أي اكتتاب جديد، ومن مبدأ الشفافية أيضاً أن يكون المكتتب على علم تام بالشركة الجديدة وبما تقوم به من نشاط سواء داخل المملكة أم خارجها، وكذلك توقعاتها بتواريخ التشغيل إن كانت إنتاجية أو بتواريخ الخدمة إن كانت خدمية، والتواريخ المتوقعة لتحقيق الأرباح (الخسائر)، والعائد على السهم حتى يكون المكتتب لديه تصور تام قبل الإقدام على أي اكتتاب جديد.
واقعنا اليوم فيه كثير من الشواهد لشركات تم الاكتتاب فيها من سنوات، ولم تبدأ في الإنتاج إلى اليوم!!
3- التأكيد على الأولوية في الطروحات الجديدة.
بودنا لو نعرف ما الأسس والمعايير التي تستخدمها الهيئة لكي توافق على اكتتاب دون غيره؟ هل هناك دراسات جدوى اقتصادية معلنة ومنشورة للملأ لهذه المشروعات؟ الأسس والمعايير الاقتصادية والمحاسبية لها؟
لا بد في حقيقة الأمر من التركيز على المشروعات التي تخدم الوطن، المشروعات التي فيها إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني، المشروعات التي فيها توظيف للأيدي العاملة الوطنية.
عوداً على بدء، فالاستفادة من خبرات الدول المتقدمة التي سبقتنا بمراحل في تطوير أسواقها المالية أمر محمود، بحيث تتم الاستفادة من كيفية إدارة هذه الأسواق المالية ومعالجة الأزمات وقت وقوعها، وكذلك تنظيمها والفترة الزمنية التي استغرقتها لنضوجها بما يتناسب مع حاجاتنا، آخذين في الاعتبار كوننا بلداً ناشئاً في هذا المجال ولنا خصائصنا الدينية والاجتماعية والسياسية التي تميزنا عن كثير من غيرنا.
لنتوجه إلى وضع إستراتيجية شاملة لسوقنا المالية بمعناها الواسع والمحافظة على غرستها التي وضعناها في أرضنا المباركة كي تنمو وتحقق الأهداف المرسومة لها التي وضعها وباركها قادتنا - حفظهم الله - من أجل مستقبل مشرق لمملكتنا الغالية.
أستاذ الاقتصاد بكلية الملك عبدالعزيز الحربية