*«الجزيرة» - عبدالله البديوي
يدخل سوق الأسهم السعودية مطلع هذا الأسبوع الشهر السابع في مشواره خلال العام الحالي 2007، وهو الشهر الذي يمثل أهمية خاصة في نظر المتعاملين والمتداولين في السوق، هذه الأهمية اكتسبها شهر (يوليو) نظرا لأمرين مهمين: أحدهما أنه الشهر الذي تفصح فيه الشركات عن بياناتها ونتائجها النصف سنوية، والآخر: أن هذا الشهر هو بداية موسم الصيف الذي يمثل الشهر السابع والثامن وجزء من التاسع في كل سنة ميلادية.
وينظر العديد من المتداولين إلى هذا الموسم نظرة يسودها التشاؤم، ويرون أن الصيف غالبا ما يكون تأثيره سلبياً على مسيرة السوق، لأن السيولة تخرج من السوق خلال هذه الفترة مما يجعل نسبة البيع تفوق نسبة الشراء، والسيولة المتداولة تقل شيئاً فشيئاً، وهو الأمر الذي سيؤثر مباشرة على أسعار الشركات المدرجة في السوق، ويخفض من قيمتها السوقية نظراً لأن تلك الأسعار تحكمها قاعدة العرض والطلب.
إشاعة هجرة السيولة للسوق وركوده وانخفاض الأسعار خلال فترة الصيف لها ما يبررها في نظر المتشائمين، ويرون أن هذه الفترة تعتبر إجازة لشريحة كبيرة من المتداولين في السوق الذين يفضلون الانقطاع عنه واستغلال هذه الفترة في قضاء الراحة والاستجمام أو السفر، بل إن البعض يقوم بتسييل محافظه أو جزء منها لتغطية نفقات هذه الراحة!
المشكلة هنا أن السوق يعاني كثيرا من المشاكل خلال هذه الفترة، وتعد مشكلة نقص سيولة التداول اليومية وقلة الشراء هي الأولى في سلم تلك المشاكل، وبالتالي فإن الوضع لا يحتمل أكثر مما هو عليه الآن، وأي خروج للسيولة سيؤثر تأثيراً كبيراً ربما أوصل المؤشر العام لأرقام دنيا جديدة، وسيؤدي ذلك لانخفاض أسعار الشركات ودخول السوق من مرحلة جديدة من مراحل الهبوط ولتأكيد أو نفي إشاعة هجرة السيولة للسوق في فترة الصيف يحتاج هذا الأمر لدراسة السيولة المتداولة وحركة المؤشر العام خلال المواسم الماضية، ومقارنتها بالسيولة في مواسم الصيف، حتى يتسنى لنا المجال باصدار الحكم نفيا أو تأكيدا، وبالتالي توقع حركة السيولة المستقبلية وبالنظر إلى السنوات الخمس الأخيرة بدءاً من العام 2003 الذي يعد البداية الحقيقية للطفرة في سوق الأسهم السعودية نجد أن هروب السيولة في فترة الصيف لم يكن واقعاً إلا في عام 2003 الذي انخفض فيه معدل التداول اليومي خلال شهري 7 و8 عن متوسط التداول خلال ذلك العام، وكانت المحافظ التي تتداول في ذلك العام لا تتجاوز الـ300 ألف محفظة وكان متوسط التداول اليومي أقل من الثلاثة مليارات ريال فقط، أما في الأعوام التالية وابتداء من عام 2004 فلم تتغير السيولة المتداولة في السوق خلال أشهر الصيف عن متوسط التداول اليومي في الأشهر المتبقية بل على العكس من ذلك فقد شهد السوق نشاطا أكبر، ويكفي أن نعلم أن متوسط التداول اليومي في عام 2005 م قد بلغ 13.8 مليار ريال، بينما بلغ متوسط التداول اليومي في صيف ذلك العام 14.5 مليار ريال، أي أن نشاط السوق قد زاد في فترة الصيف بمعدل 5% تقريبا وهو أمر ايجابي جدا، وعند النظر في تداولات العام 2006 م نجد أن متوسط السيولة اليومية المتداولة بلغت 19.8 مليار ريال، بينما بلغ متوسطها في صيف ذلك العام 21.5 مليار ريال بنسبة زيادة بلغت 9% تقريبا وارتفع مؤشر السوق ذلك الوقت أكثر من 17%، أي أن السوق قد شهد انتعاشا ملحوظا خلال الفترة الصيفية. بينما وصل عدد المحافظ التي تتداول في السوق لأكثر من 4 ملايين محفظة بزيادة أكثر من 1300% عن عددها مطلع عام 2003
من خلال هذه الأرقام نصل إلى نتيجة مفادها أن الصيف كان مؤثرا سلبيا على السوق في الأعوام التي سبقت سنة 2004، بينما انعدم ذلك التأثير السلبي وتحول إلى الإيجابية بعد ذلك، وللنظر في الأسباب المباشرة وراء التغير في مستوى تأثير الفترة الصيفية على مسار السوق وأحجام التداولات نجد أن السبب الرئيسي يكمن في التغير الكبير الذي شهده السوق في السنوات الأخيرة، سواء من ناحية الطفرة في أحجام المتداولين الذين تضاعف عددهم أكثر من 13 مرة، أو التطورات الكبيرة في طريقة معاملاتهم وتداولاتهم، فعند النظر للأعوام التي سبقت 2004 نجد أن عدد المتداولين ضئيل جدا مقارنة بهم الآن، وكانت طريقة التداولات والتعاملات بالبيع والشراء تتم غالبا في صالات البنوك التي كانت تكتظ بالمستثمرين، فكان من الطبيعي أن تؤثر فترة الصيف سلبيا على السوق وعلى ذلك العدد القليل من المتعاملين، كون الكثير منهم يفضل الخروج منه في تلك الفترة بسبب عدم قدرته على الحضور لصالات التداول والمتابعة اليومية لأحداث ومتغيرات السوق أو تنفيذ أوامر البيع والشراء إما بسبب ظروف السفر أو الراحة.
وابتداء من العام 2004 تطورت طرق تنفيذ الأوامر ومتابعة السوق بشكل متسارع، ونظرا لدخول أعداد كبيرة إلى السوق فقد أضافت البنوك وهي الوسيط المالي الوحيد في سوق الأسهم السعودية خدمات متنوعة للمتعاملين فيها، بدءا من التعامل عن طريق الهاتف البنكي ثم إدخال التداول الإلكتروني وانتهاء بالتداول عن طريق الجوال وهو الأمر الذي ساهم بشكل مباشر في إبعاد المتداولين عن التعامل بالطريقة التقليدية وتنفيذ الأوامر عن طريق الوسطاء في صالات البنوك، وحسب الإحصائيات فقد أصبح اليوم عدد المتعاملين الذين يتداولون في صالات البنوك يمثلون أقل من 4% من عدد المتعاملين في السوق بعد أن كانوا يشكلون الغالبية العظمى منهم
ونظراً لهذه التطورات التقنية والتسهيلات الجديدة في التعامل مع السوق أصبح موسم الصيف كغيره من المواسم الأخرى، فالمتداول يستطيع التعامل مع السوق وتنفيذ الأوامر بكل يسر وسهولة حتى من خارج المملكة ولا يحتاج لتصفية محفظته خشية عدم تمكنه من البيع أو الشراء، فهناك خيارات عدة غير صالات البنوك، وهذا الأمر هو الذي جعل من فترة الصيف كغيرها من المواسم لا تؤثر بحد ذاتها سلبا أو إيجابا على السوق وبعد هذه الإحصائيات والمعلومات يتبين أن هروب السيولة من السوق صيفا كانت حقيقة في الماضي، ولكنها أصبحت في الوقت الحالي مجرد إشاعة سنوية ربما تستغل سلبا بالضغط على السوق أو تكون وسيلة لتحقيق أهداف أخرى. الجدير بالذكر أن متوسط السيولة اليومية خلال العام الحالي يبلغ تقريباً 9 مليارات ريال، وهذه السيولة قد شهدت تذبذباً قوياً جداً، فقد بلغ متوسط التداول اليومي في أحد الأشهر أكثر من 13 ملياراً، بينما لم يتجاوز معدل التداول اليومي في الشهر الماضي أكثر من 6 مليارات ريال!