لفترات طويلة - وحتى وقت ليس ببعيد - كانت قيم الوفاء وشيم التقدير والمحبة والاحترام المتبادل تحكم عالمنا الرياضي، وعندما يستعيد المرء شريط ذكريات الأجيال الأولى من خلال ما هو متوفر من مصادر يجد أنه كان هناك تطبيق لمبدأ التنافس الشريف قولاً وفعلاً، فالخاسر يهنئ الفائز بروح رياضية عالية، والفائز يواسي الخاسر ويشد من أزره بكل تواضع، ويتحدث المعاصرون لهذه الحقبة الذهبية عن العلاقات المثالية المغلفة بروح التعاون والاحترام بين منسوبي الأندية من رؤساء وأعضاء شرف وإداريين ولاعبين بل وحتى الجماهير، بالرغم من شدة وقوة التنافس بين الفرق في المسابقات المختلفة.
** فعلى المستوى الإداري ينقل لنا المعاصرون كيف كان التعاون قائماً بين الجميع، سعياً لتحقيق المصلحة العامة التي منها تطوير الرياضة، والعمل على نشر الألعاب في المناطق المختلفة، وكيف كانوا يقدمون التنازلات والدعم لبعضهم البعض لتحقيق ذلك، بعيداً عن البحث عن مكاسب شخصية ووقتية.
** يقرأ الجيل الحالي ويسمع عبر مصادر مختلفة عن تنقل الرؤساء والإداريين للعمل بين أكثر من نادٍ متى استدعت الحاجة لخدمات أيٍّ منهم، بعيداً عن الانتماءات التي تحكمها العواطف، كما فعل شيخ الرياضيين عبدالرحمن بن سعيد - أطال الله في عمره - الذي أسس الهلال، ولم يتردد عن الوقوف مع المنافس التقليدي (الشباب) عندما تعرض لأزمة كادت تغيبه، وموقفه مع الأهلي عندما شهد فراغاً إدارياً تزامن مع الفترة الحرة لانتقال اللاعبين، مما هدد وضع الفريق الكروي الذي تعرض لنقص القائمة، الأمر الذي كاد يحول دون تسجيله لولا تدخل أبو مساعد، الذي قَيَّدَ عدداً من لاعبي الهلال في الكشوفات الأهلاوية لإكمال القائمة، إضافة إلى ترؤسه للنادي لما يقارب الثلاثة مواسم، وكذلك إسهاماته في مساعدة العديد من الأندية في بدايات تأسيسها. وغير (أبومساعد) هناك الكثير من الرواد الذين قدموا للرياضة الشيء الكثير من خلال دعمهم للأندية بعيداً عن الانتماءات الضيقة والتعصب للأندية.
** وفي ذلك الزمن الجميل كان لاعبو الفرق المتنافسة يلتقون فيما بينهم بعد المباريات، ويتناولون طعام العشاء سويا. كانوا أصدقاء وإخوة داخل الملعب وخارجه، دون أن تتأثر علاقاتهم بما يحدث داخل الملعب من تنافس وتحدٍّ، حيث ينتهي كل شيء بانتهاء المباراة التي دائماً ما تنتهي بذات المثالية التي بدأت بها.
** ولكن الأمر اختلف كثيراً في وقتنا الحالي، حيث غاب التنافس الشريف عن واقع منافساتنا الرياضية، التي بدأت تنحو منحى خطيراً، فبدلاً من التعاون البنَّاء والتآزر المثمر أصبح التناحر البغيض - مع الأسف - هو السمة الغالبة لهذه المنافسات، والسبب هو ابتلاء الوسط الرياضي بالباحثين عن المصالح الشخصية، أو مَنْ لديهم رغبة إلحاق الضرر بالآخرين من خلال محاولة إفساد الصفقات أو الدفع من أجل الهدم لا الدعم، إضافة لبعض المحسوبين على الإعلام الرياضي ممن يكتبون حسب ألوان أنديتهم أو ما تمليه عليهم عواطفهم أو مصالحهم الشخصية. لذلك انتشرت ظاهرة التعصب واختفت العلاقات المثالية بين الرياضيين، وبدأت آثار الاحتقان تظهر على سلوكيات الجماهير الرياضية، فشاهدنا الكثير من حالات الخروج عن الروح الرياضية، التي نتج عنها قرار الاستعانة بالحكم الأجنبي، وصدور عدد من العقوبات الجديدة على الوسط الرياضي.
** نشرت (الجزيرة) خبراً يفيد بوضع رائد مؤرخي الحركة الرياضية بالمملكة الدكتور أمين ساعاتي لمساته الأخيرة على كتابه الجديد عن شيخ الرياضيين عبدالرحمن بن سعيد، والذي يتحدث عن حياة (أبو مساعد) ودوره في نشر الرياضة من خلال ممارسته الكرة كلاعب، وتأسيسه لعدد من الأندية في المنطقتين الوسطى والغربية، وكذلك إسهاماته في تأسيس ودعم عدد من الأندية الأخرى وعضويته في بعض الاتحادات واللجان ومنها اللجنة الأولمبية. السؤال الذي يتردد بين الرياضيين والمهتمين بالحركة الرياضية هو: متى سيقدم شيخ الرياضيين كتابه عن الحركة الرياضية ولا سيما أنه يحمل الكثير من أسرارها التي لم تُنشر حتى الآن؟ فالقريبون من أبي مساعد يعرفون مدى دقته وحرصه على تدوين كل صغيرة وكبيرة وينتظرون كتاباً يحكي بأمانة عن مسيرة الحركة الرياضية بقلم واحد من أبرز وأصدق وأخلص روادها.
Mohd2100@hotmail.com